الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

لمعرفة عبارة (يا مرتاح) التي وردت في دعاء الجوشن الكبير نراجع قواميس اللغة لنجد أنها قد تكون مشتقة من كلمة (الرّوح) التي وردت في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة : 89]، وكما في قول الله تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). [يوسف : 87].

فهي بمعنى الرحمة التي يشمل الله بها مخلوقاته، ولذلك جاء في كتب اللغة في معنى عبارة (ارتاح الله للأمر) أي أنقذه برحمته من البلية، فالمرتاح هي صفة لمنقذ الإنسان من بلائه، يقولها طالباً ذلك منه عز وجل.

وقد تكون بالمعنى المتعارف للمرتاح، وهو (الراحة) التي هي ضد الجهد والتعب.

ولكي نعي تقريب هذا المعنى لفهم عبارة (يا مرتاح) الواردة في الدعاء، علينا أن نعرف أن  الألفاظ التي يصف الله بها نفسه ليست لحاجة الله للوصف، ولا تعبّر عن حالة تطرأ عليه سبحانه، فهو (ليس كمثله شيء) وقد تنزه عن مجانسة مخلوقاته.. فلا ينبغي أن نعكس أسماء الله وصفاته على ما نعرفه من الصفات التي نصف بها بعضنا البعض.. فإن فيها خصوصية ترتبط بالذات الإلهية.

فليس الله محتاج ليصف نفسه، وإنما نحن من نحتاج للوصف لكي يكون ذلك الوصف مدخلاً لنا لمعرفة الله حق معرفته، وهو تعالى وصف ذاته بما نستوعبه ولكن لا عن حالة طارئة كما أسلفنا، فنحن نشترك معه تعالى (من حيث الألفاظ الوصفية) في الغاية التي تنتهي إليها تلك العبارات، دون المقدمات والمبادئ الطارئة عليها.

والمرتاح إذا عني به من لم يكن في تعب أو إجهاد، فالإنسان يكون مرتاحاً بعد تعب وجهد، والإنسان يحتاج للراحة ليستمر في الأداء بعد ذلك.. إلا أن الله إذا قلنا أن صفة المرتاح بهذا المعنى، فهو المرتاح لا عن جهد قبله ولا تعب بعده.. فصفته في خلق كل شيء أنه لا يتعب ولا يجهد، فيخلق السموات والأرض والجبال كما يخلق البعوضة من غير كد ولا نصب..

كما قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ). [قـ : 38]

وما مسنا من لغوب أي من دون تعب وإعياء.

إنما يقول للشيء كن فيكون.. فلا يحتاج إلى (ولد) ولا شريك لكي يعينه على خلقه، كما قال تعالى: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [مريم : 35]. فأمره بين الكاف والنون..وهكذا يخلق الله الخلق وكهذا يبعثهم يوم القيامة.

هنا تتجلّى صفة (المرتاح) بهذا المعنى الخاص.

وقد قال الشاعر رؤبة:

فارْتاحَ رَبي، وأَرادَ رَحْمَتي     ونِعْمَةً أَتَمَّها فتَمَّتِ أَراد

وأراد به نظر إليّ نظر رحمة، ولكن البعض جعل هذا البيت من جفاء الأعراب، لأنه لم يفقه المعنى.

وقد ذكر صفة المرتاح أحد الشعراء عند وصفه جمال إمام زماننا الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) بقوله:

كتب الجمال على صحيفة خدّه   طوفوا فهذي كعبة المرتاح

ماء الشباب بخدّه مترقرق         كزجاجة ضمت على مصباح.

والله العالم والموفق

محمود الموسوي

من مؤلفاتنا