والصلاة والسلام على أشرف حلق الله سيدنا محمد وآله الطاهرين.

لم نجد هذه العبارات بعينها في ما بيدنا من المقاتل المشتهرة وغير المشتهرة، إلا أنه من الثابت والمنقول في مختلف أنواع المقاتل والمشتهر بين الأعلام، أنه بعد مقتل علي الأكبر (عليه السلام)، قد ألمّ بالإمام الحسين (عليه السلام) حزن شديد، وقد بيّن أنها فاجعة عظيمة، فأفعاله وبأقواله، فمنها على سبيل المثال (فجاء الحسين (عليه السلام) حتى وقف عليه، ووضع خدّه على خدّه، وقال: قتل الله قوماً قتلوك..) الملهوف، ص166. وفي غيرها (وضمّه أبوه إليه حتى مات)، وفي بعضها (ضمّه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط).

وقد دعا الإمام على قتلته بأدعية عديدة، تعبّر عن سخط وألم شديد، كقوله: (قتل الله قوماً قتلوك يابني، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، وانهملت عيناه بالدموع، ثم قال على الدنيا بعدك العفاء". الإرشاد للمفيد، ج2، ص106.

وكل ذلك يشير إلى عظمة شخصية علي الأكبر، ويكفي أنه كان أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وهو الذي اذا اشتاقوا إلى رسول الله كانوا ينظرون إليه..

أما عبارة الاحتضار والإشراف على الموت، ولعله ما يناسبها من إغماء، فقد وجدنا غير واحد ينقلها عن الشيخ التستري، منهم معالي السبيطين:

ينقل أن الإمام في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموث ثلاث مرات.. وهذا نص قوله:

"إن الحسين ( عليه السلام ) في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموت ثلاث مرَّات:

الأولى: لمَّا برز علي الأكبر واستأذن أباه فأذن له، وألبسه الدرع والسلاح، وأركبه على العقاب، قال رضي الله عنه: فلمَّا تجلَّى وجه طلعته من أفق العقاب، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب، خرجن النساء وأحدقن به فأخذت عمَّاته وأخواته بعنانه وركابه، ومنعنه من العزيمة، فعند ذلك تغيَّر حال الحسين ( عليه السلام ) بحيث أشرف على الموت، وصاح بنسائه وعياله، دعنه فإنه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله، ثم أخذ بيده وأخرجه من بينهن، فنظر إليه نظر آيس منه،

والثانية: التي احتضر فيها الحسين (عليه السلام) وذلك حين رجع علي الأكبر (عليه السلام) من المعركة وقد أصابته جراحات كثيرة، والدم يجري من حلق درعه، وقد اشتدَّ به الحرُّ والعطش، وقف وقال: يا أبه العطش، فضمَّه الحسين (عليه السلام) إلى صدره، وبكى وأشرف على الموت من شدّة الهمّ والحزن من حيث أنه لا يتمكَّن من سقيه،

والمرَّة الثالثة: حين رأى علياً سقط ونادى: يا أبه عليك منّي السلام، قالت سكينة: لمَّا سمع أبي صوت ولده نظرت إليه فرأيته قد أشرف على الموت، وعيناه تدوران كالمحتضر، وجعل ينظر إلى أطراف الخيمة، وكادت روحه أن تطلع من جسده، وصاح من وسط الخيمة: ولدي، قتل الله قوماً قتلوك". معالي السبطين، ص411.

أما الملاحظات على هذا النقل:

فأولاً: إن كلمة الاحتضار الواردة في هذا النص، هي تعبير من المشاهد لحالة تصيب الشخص الموصوف، وليست قول المعصوم نفسه، فهي لا تعدو أن تكون توصيفاً لعظيم الفاجعة التي حلّت بالإمام الحسين (عليه السلام) وما كان من أحواله حال وقوعها.

ثانياً: لم يذكر التستري مصدره في النقل، إلا أنه قد يكون قد عثر على مصادر لم تصل إلينا، ونحن نعلم جلالة قدره.

ثالثاً: للعلامة التستري منحى في تصنيف الخصائص والأحوال الحسينية، بحيث يقارب الخصائص المتشابهة والتي تتمحور على موضوع واحد، فيذكرها معاً، هذا كان منهجه في كتابه القيّم (الخصائص الحسينية)، فعليه، يمكن أن يكون ذلك التصنيف مقاربة موضوعية منه في ما ألمّ بالإمام الحسين (عليه السلام) من ألم وحزن وصل إلى درجات علياً يعبّر عنها بالاحتضار.

رابعاً: إذا سلّمنا بحصول الاحتضار أو شببه من الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه لا ينبغي أن نعتقد أن ذلك الفعل سبّب شللاً للأحداث في يوم عاشوراء، لأن كافة المصادر تذكر لنا المهام التي قام بها الإمام الحسين (عليه) بعد مقتل ابنه الأكبر، من نقله إلى المخيّم، وتضميد جراح قلوب النساء، ومراقبة الميدان، وتعامله مع استشهاد بعض الشهداء، ذلك كله لم يثنه عن الدعاء عليهم وبيان عظمة ابنه علي الأكبر وبيان فداحة الجرم الذي اقترفوه.

السيد محمود الموسوي

محرم الحرام 1444 هـ

من مؤلفاتنا