ونظراً لضيق الوقت، فإننا نكتفي بالتعليق المختصر على المسألة من عدة جوانب:

1- في البدء أثمن حرص بعض الشباب على الدين، وحضور حس المداولة العلمية لبيان الأمور، ولو كان ذلك صادرا عن علماء الدين، فكما أن العلماء عليهم دور التثقيف والإرشاد، فكذلك على المجتمع استنهاض العلماء وتسديد من قد يزل أو يسهو منهم.

2- كان الأولى من السيد سدّده الله، قبل طرح الفكرة في المفاهيم التي قد تبدوا له أنها مستنبطة من الرواية، أن يرجعها إلى أصول الشريعة ومحكمات الدين، أي للقرآن والثابت من سنة النبي وآله الأطهار، كي لا تتعارض مع مقاصد الدين وروحه.

3- فالدين ليس فيه مفهوم لعلاقة صداقة بين الجنسين إلا تحت العناوين الشرعية، وكما في قول الله تعالى (ولا متخذي أخدان)، وقوله (ولا متخذات أخدان) أي الصحبة والصداقة، وقد منع الدين الخلوة بين أجنبي وأجنبية، وكذا اقتصار الحديث مع الأجنبية بقدر الضرورة العرفية، كما هو مفاد الروايات الشريفة.

4- في حالة تعرّض البعض لمثل هذه المشكلة، فإن المنتظر من عالم الدين أن يعالجها كمشكلة، ويحذّر من خطوات الشيطان التي تقود إلى ما لا يحمد عقباه، كما هي طبيعة الجنس البشري، وكما جاءت بذلك إرشادات الدين، التي حذرت الرجل من الاقتراب من أي عمل يفضي إلى دخول الشيطان في علاقته بالمرأة، كالمفاكهة والمحادثة الطويلة والجلوس في مكان واحد وما شابه ذلك.

كما أن المنتظر منه ـ أي عالم الدين ـ أن يعزّز علاقة الزوج بزوجته والعكس، ولا يضع هذه العلاقة في دائرة الخصوصية لما تترتب عليه من بواعث الغيرة، كما ينبغي المراعاة في الرؤية لزوجة الرجل وزوج المرأة كي تكتمل الصورة، فكل المساعي ينبغي أن تتوجه نحو تعزيز العلاقة الزوجية وإزاحة كل ما يمكن أن يهدما، ذلك لمنع التهور في تأسيس الأفكار.

5- الأمر الكبير والحسّاس، هو محاولة السيد صاحب الرؤية، للتأسيس لمثل هذه الحالة والتشريع لها والتبرير لها، برواية ساقها عن سيدة نساء العالمين مع سلمان الفارسي والتي ورد فيها لفظ (حبيبتي)، وهذا يعد تعدّ على مقام الزهراء (ع)، لا لإيراده الرواية، بل لوضعها في سياق التبرير لحالة عاطفية بين متزوج ومتزوجة، مما يضع الزهراء في وضع مشابه والعياذ بالله.

ناسياً سيرة الزهراء (ع) ورواياتها في الحجاب والتحدّث من ورائه، فينبغي أن تفهم الرواية وفقاً لأسس الدين والمقطوع به من الشرع، خصوصاً وأن الرواية ضعيفة في سندها بعدة من المجاهيل وغيرهم.

ولدينا رواية أخرى مشهورة (في قصة الإعرابي والضب) والتي في نصها: "فَقَرَعَ الْبَابَ فَأَجَابَتْهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ: مَنْ بِالْبَابِ؟ فَقَالَ لَهَا: أَنَا سَلْمَانُ‏ الْفَارِسِيُ‏، فَقَالَتْ لَهُ: يَا سَلْمَانُ! وَمَا تَشَاءُ؟ فَشَرَحَ قِصَّةَ الْأَعْرَابِيِّ وَالضَّبِّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه واله...".

كما أن فهم عبارة سلمان - مع فرض صحتها- ينبغي أن تكون ضمن هذا السياق العفيف للسيدة الزهراء، والنظر لعمر سلمان البالغ في التعمير، ومكانة الزهراء وحبها الولائي المفروض على الأمة.

6- لقد طالعت تبرير السيد لما أورده، وما وصف به الناس بسوء الظن، ولم يكن تبريراً صحيحا ولا يرقى لمعالجة ما أورده، فالتبرير نعتبره نوعاً من التراجع والتردد في الفكرة، وهذا جيد، ولكن الأجدى هو الاعتذار لمقام السيدة الزهراء (ع) وتحري الدقة في أدب الحديث عن أهل البيت (ع).
وينبغي للسيد سدده الله، أن ينظر للردود بشكل طبيعي، فكما أن له الحق في الطرح والنقد فإن الآخرين لهم الحق نفسه.

نسأل الله أن يجنبنا مضلات الفتن، ونسأله تعالى العفة والسداد.

محمود الموسوي

www.mosawy.com

من مؤلفاتنا