أعمال ليلة النصف من شعبان الطويلة، كيف تستوعب وقت أدائها؟
السلام عليكم ورحمة الله سيدنا،
في أعمال ليلة النصف من شعبان في كربلاء، توجد رواية، ذكرت أعمالاً طويلة، وهي لا تستوعب وقت الليلة، فكيف نوفق بينها، وبين الواقع؟
والرواية هي:
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: مَنْ بَاتَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِأَرْضِ كَرْبَلَاءَ:
فَقَرَأَ أَلْفَ مَرَّةٍ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَلْفَ مَرَّةٍ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ أَلْفَ مَرَّةٍ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَلْفَ مَرَّةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ.
وَكَّلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ وَسُلْطَانٍ، وَيَكْتُبَانِ لَهُ حَسَنَاتِهِ، وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَيَسْتَغْفِرَانِ لَهُ مَا دَامَا مَعَهُ [مَا شَاءَ اللَّهُ]. كامل الزيارات، ص181.
الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليلة النّصف من شعبان، لها فضل كبير، وهذا الفضل موزّع بين أعمال عديدة، يمكن للمؤمن أن يقوم بما يمكنه القيام به، أو يقدّم الأعمال التي هو أحوج لها، بحسب حاله وحاجاته، أما الرواية المذكورة، فهي تحتوي على عمل واحد مكوّن من أجزاء، في الظاهر، ومن ذلك، يظهر طول المدّة التي يحتاجها هذا العمل، الذي يؤدّي في كربلاء المقدّسة في مبيت تلك الليلة، على الخصوص، الصلاة التي تحتوي على قراءة آية الكرسي ألف مرّة في ركعاتها الأربع.
ولتعقّل إمكان ذلك العمل الطويل، نضع بين أيديكم عدّة احتمالات ممكنة، مما يرفع التعجّب من استحالة أداء هذا العمل الطويل.
والاحتمالات التي نراها سائغة وممكنة، هي أربعة:
١- أن يستغرق ذلك العمل كلَّ الليل أو أغلبه، منذ الانتهاء من صلاة المغرب والعشاء، وحتى الفجر.
على حساب قدرة الإنسان في إنهاء هذا العمل في عشر ساعات إلى أربع عشرة ساعة.
وطول الليل أكثر من ست عشرة ساعة، فهو أمر ممكن ومقدور للبعض، حسب القدرة البدنية، وسرعة الأداء، التي قسناها بعدّة أساليب، منها اليدوي، ومنها المقارن، ومنها بالذكاء الإصطناعي، وفي جميعها لا تتعدّى مدّة أداء العمل فيها الليلة كلّه، بل بعضه، مع العلم أن آية الكرسي المذكور قراءتها ألف مرة في كل ركعة تقتصر على الآية الواحدة الأولى.
وهذا العمل اختياري، لمن أراد إحياء الليل كلّه بهذه العبادة ذات الأثر الكبير في الدنيا والآخرة.
٢- أن يستغرق العمل زمناً أكثر من زمن الليل، أو لا يبادر إلى أداء العمل من أول الليل، بل يبدأ بعد مرور جزء من الليل، فينتهي العمل بعد انتهاء الليل.
وهذا أمر يمكن القول بصحته، على اعتبار أن العبرة بابتداء العمل من الليل، ولا يشترط أن ينتهي في ذات الليلة.
نظير من صلى الفجر في آخر الوقت وأدرك ركعة، وكانت الركعة الثانية خارج الوقت، على قاعدة من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت.
وعليه، فإنه لو بدأ بأداء العمل في ليلة النص من شعبان، واستمر في أدائه إلى الصبح، لم يكن بذلك بأس.
٣- أن يكون العمل مُراداً بعد المبيت ليلة الخامس عشر من شعبان، سواء كان في نفس الليلة، أو بعدها بوقت ملاصق عرفاً.
ففي رواية كامل الزيارات (من بات... فقرأ..) وفي رواية المصباح (من بات.. وقرأ..)، فهي تحتمل ذلك، والفاء في (فقرأ) سببية تفيد الإتيان بالعمل، ولكن لا على نحو الفورية، وإن قيل بإفادتها للترتيب، فهو ترتيب عرفي، بحيث يبدأ العمل في تلك الليلة، أو في يومها، أي بعد مبيت تلك الليلة.
أما رواية الإقبال والوسائل، فمفادها الأقرب هو أن يكون العمل في الليلة نفسها، وهي: (من بات.. يقرأ ألف مرة...).
فعلى رواية كامل الزيارات والمصباح، يمكن أداء العمل العبادي بعد المبيت ليلة النصف في كربلاء، ثم ليستغرق الوقت الذي يستغرقه، فلا حدّ لنهايته، وإن كان الفهم الأفضل هو البعدية العرفية، مثل أداء العمل في اليوم التالي.
٤- على اعتبار أن الليلة تابعة لليوم الذي يليها، فيكون يوم الخامس عشر من شعبان تابع لليلته، وهو بحكمها، فلا بأس باستمرار العمل فيه، أو أدائه كلّ في اليوم التالي، خصوصاً إذا كان إكمالاً له.
بل يمكن القول بأنّ يوم الخامس عشر من شعبان كليلته على الحقيقة، كما كان يوم القدر مثل فضل ليلته، وعلى ذلك شواهد عديدة في روايات أهل البيت (ع)، لا مجال لذكرها، منعاً للإطالة.
ونسأل الله أن يوفق المؤمنين لاغتنام فضائل الأيام، لنيل غنائمها من الله تعالى.
والله العالم.