والصلاة والسلام على أشرف البريّة نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين،

لقد تداول هذا الدعاء والتوسّل مجموعة واسعة من أعلام الطائفة الشيعية من مراجعها وفقهائها وأعلامها بالشّرح والتوجيه لمعانيه والاستفادة من فيوضاته، وقد التزم بعض العلماء بالمداومة على التوسّل به كالمرجع الكبير صاحب أكبر مكتبة شيعية شخصية، وهو السيد المرعشي النجفي رحمة الله تعالى عليه، وقد أوصى أبناءه بالمداومة عليه في كل يوم، وقد أبدى السيد أبو القاسم الخوئي رحمة الله عليه في كتابه صراط النجاة في المسألة رقم 1075 رأيه في معنى السر المستودع فيها بأنه قد يكون المعنى راجعاً إلى مولانا الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

ففي الأدعية يعمل فقهاؤنا بالتسامح في أدلة السنن، خصوصاً إذا كانت المعاني موافقة للمباني الدينية ولا تعارضها، ولعل هذا الدعاء هو من مجرّبات بعض العلماء وهو مما لا مانع منه في تحقيق عموم التوسّل بسيدتنا فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها، أو بأي عبارات تفيد ذلك المعنى.

ومن حيث نسبته إلى أهل البيت (عليهم السلام) فإن من الثابت أنه لا يمكن أن يُنسب إليهم ما لم نجد له شاهداً ولو محتملاً يدلّ عليه، بحيث نُعمل قاعدة التسامح في أدلة السنن، ولم نجد هذا الدعاء في كتبنا المشهورة، ولكن بعض العلماء أورده بما يُحتمل صدوره عنهم (عليهم السلام)، وإليك مصدران ذكرا هذا الدعاء:

المصدر الأول: ذكر المرجع الديني السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في تعليقاته على العروة الوثقى ما نصّه: (ومن الأدعية التي أكّد أرباب كتب السنن بقراءتها في القنوت: ما أرويه عن والدي العلامة وغيره، عن العلامة جمال السالكين الحاج مرتضى الرضوي الكشميري، بطرقه إلى قدوة السالكين مولانا السيد رضي الدين بن طاووس الحسني، بطرقه: أن سيدتنا الزهراء البتول – روحي لها الفداء – كانت تدعو في القنوت بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسّر المستودع فيها أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي ما أنت أهله، لا تفعل بي ما أنا أهله، برحمتك يا أرحم الراحمين)، وقال: إن هذا دعاء الملائكة في قنوتاتهم. (العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج7، ص)440.

وقد ذكر الشيخ محمد فاضل المسعودي في كتابه الأسرار الفاطمية، ص25، نقلاً عن قبسات من جياة المرعشي النجفي قوله: وجدنا هذا الدعاء ضمن الوصايا المهمة التي أوصى بها آية الله السيد المرعشي النجفي أبناءه بالمداومة على قراءته وبالخصوص ابنه الكبير حيث يقول : ( وأوصيه - أي ابنه الأكبر - بمداومة قراءة هذا الدعاء الشريف في قنوتات فرائضه.. وذكر الدعاء. (انتهى).

إن ما ذكره المرعشي عن الكشميري أن الدعاء يرويه السيد بن طاووس عن الزهراء (عليها السلام) لم نجد له أثراً في مؤلفاته الموجودة بين أيدينا المختصّة بالأدعية والزيارات، ولعل الرواية عنه من كتاب لم يصل إلينا.

المصدر الثاني: في كتاب بهجة قلب المصطفى: قال الشيخ أحمد الهمداني: سمعت شيخي ومعتمدي آية اللّه المرحوم ملّا عليّ المعصومي يقول في التوسّل بالزهراء عليها السّلام: تقول خمسمائة وثلاثين مرّة: اللهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك؛

وأيضا عنه (ره): إلهي بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع‏ فيها.

تقضى حاجتك إن شاء اللّه تعالى. (ج1، ص252)

وقد علّق على هذا النقل السيد محمد باقر الموسوي في كتابه الكوثر في أحوال فاطمة بنت النبي الأعظم (ع)، بقوله: أقول: نقل صاحب الكتاب هذا الدعاء، ولعلّ المرحوم آية اللّه ملّا علي المعصومي رأى الدعاء في رواية، أو نقل الرّواية بحذف الإسناد، وعن مثله بعيد أن ينقل شيئاً لم يره عن المعصوم عليه السّلام، أو لم يثبت صحّته عنده. (ج5، ص14).

ولعل المعصومي ذكر الدعاء من باب المجرّبات التي يؤمن بصحتها في المعنى لا بالصدور، وقد اشتهر نقل الدعاء غالباً رواية عن علماء دون نسبته إلى أحد من المعصومين، إلا ما ذكره السيد شهاب الدين المرعشي متصلاً عن الزهراء (عليها السلام)، وبذلك يكون الدعاء محتمل الصدور على أقل تقدير، ولذلك لا يصحّ منّا القطع بعدم صدوره والقدح في التوسّل به بحجّة أنه لا أصل له.

أما من جهة مضمون المتن، فمضامينه صحيحة دقيقة في معانيها المتطابقة مع ما روي عن أهل البيت (ع) بضرورة التوسّل بهم وبالزهراء (عليها السلام) خصوصاً لقضاء الحوائج، وأنها استودعت أسرار ربانية لم يطّلع عليها أحد وهي كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:

1 - في الزيارة الجامعة عن الإمام الهادي (عليه السلام): (وَرَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ وَحُجَجاً عَلَى بَرِيَّتِهِ وَأَنْصَاراً لِدِينِهِ وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِه‏). (التهذيب، ج2، ص610).

2 - قول الإمام الصادق (ع) لابنه الكاظم (ع): يَا بُنَيَّ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا مُسْتَوْدَعَ‏ الْأَسْرَارِ. (وسائل الشيعة، ج5، ص135).

3 - عَنْ خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): يَا خَيْثَمَةُ، نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَبَيْتُ الرَّحْمَةِ وَمَفَاتِيحُ الْحِكْمَةِ وَمَعْدِنُ الْعِلْمِ وَمَوْضِعُ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَمَوْضِعُ سِرِّ اللَّهِ،‏ وَنَحْنُ وَدِيعَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَنَحْنُ حَرَمُ اللَّهِ الْأَكْبَر. (بصائر الدرجات، ج1، ص57).

4 - في الكافي: عن أَبِي بَصِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع):‏ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ عِنْدَنَا وَاللَّهِ سِرّاً مِنْ سِرِّ اللَّهِ،‏ وَعِلْماً مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ. (ج1، ص402).

فإن التوسّل بأي شأن من شؤون الزهراء سلام الله عليها هو أمر صحيح لا شبهة فيه، كأن يتوسّل بابنها المحسن أو بمصائبها أو بنورها أو بالسر أو الاسرار المستودعة فيها، فنسأل الله تعالى أن يقضي حوائجنا وحوائج المؤمنين بحق سر فاطمة سلام الله عليها وفضلها ومصابها.

والحمد لله رب العالمين.

السيد محمود الموسوي

13/9/2022

من مؤلفاتنا