الجواب:

لابد من مقدّمة تأسيسية للإجابة على هذا التساؤل، وهي:

الضرورة من خلال روايات أهل البيت (ع) تقتضي تأصيل محورية كربلاء في العقل الشيعي، بل في العقل الإسلامي، وذلك عبر معرفة الأبعاد التي تركتها في الأمة، فهذا الحدث العظيم لم يكن مجرد حرب نشبت بين فئتين، بل هي نهضة قامت لتعيد الإسلام من جديد بعد أن أراد مشروع مضادٌ الإجهاز على الدين المحمدي الأصيل، فقامت النهضة الحسينية بفعل التصحيح والإصلاح، ولذلك نشير إلى بعدين حققتهما كربلاء وعاشوراء:

البعد الواقعي: وهو إعادة روح الدين، وتحطيم مشروع التحريف الديني عبر إيجاد صوت الرفض وصوت التصحيح على طول التاريخ، ومن مظاهر ذلك تهاوت السلطة التي قادت مشروع التحريف وظهرت الحركات الرافضة التي أحدثت تموجات في الكيان الإسلامي، فلم يهنأ لظالم قرار، وستستمر هذه الجذوة إلى قيام القائم عجل الله فرجه الشريف.

البعد الديني: وهو بعد إلهي ومشروع رباني قامت من خلاله حركة الإمام الحسين (ع) بتأسيس فكري رصين في ثقافة الإصلاح وحمل راية المسؤولية.

وللحفاظ على ذلك والإلتزام به جاءت الشعائر التي حفظت تلك الحرارة التي في قلوب المؤمنين، فالزيارة والشعائر الحسينية من شأنها أن تجعل الحدث متجدداً في حياة الإنسان.

فالحديث عن الجديد عند ملاحظة كل ذلك أمر مهم، لأنه لو لم يكن لإحياء عاشوراء إلا هذه الأبعاد الواقعية والدينية لكان ذلك حرياً باستمرارها على هذا النحو، وبقائها هو المبقي لجذوة الدين والتدين في العالم الإسلامي، وكفى بهذين البعدين أهمية، فحالة الإستمرار والإستقامة هي التحدي الذي تواجهه كافة الأديان والدعوات، فكربلاء هي أهم عامل من عوامل الاستقامة والثبات على القيم بل وإنتاجها.

كما أننا لا ينبغي الإكتفاء بذلك، فإن نور الإمام الحسين (عليه السلام) يمكنه أن يضيء العالم بأسره، ولذلك فمن الضروري أن نسعى إلى الحفر الفكري والتنقيب في السيرة الحسينية من أجل اكتشاف المزيد من المعارف وهو أمر يستدعي من العلماء التوجه لمزيد من إنتاج البحوث والدرسات في المسيرة الحسينية والإجابة الوافية عن التساؤلات التحقيقية والحضارية التي يحتاج إليها الواقع المعاصر.

ومن الجدير ذكره أن في الآونة الأخيرة سيرى المتتبع للواقع الثقافي والعلمي تزايد نسبة الإصدارات الحسينية المتنوعة، منها الموسوعات، ومنها الدراسات التحليلية والمعرفية، مما يخبر أن الجديد في البعد الفكري موجود، إلا أنه في قبال نور أهل البيت (عليه السلام) سيكون الإنسان مقصّراً باستمرار لما لشأنهم من علو، ولما لعلومهم من سمو.

وهذا الأمر يستدعي من عامة الناس الإهتمام بالقراءة والإطلاع العلمي، ليكون موسم عاشوراء موسم تعزية، وموسم معرفة، فكما أن المنبر يعطي عطاءه، فكذا الكتاب يعطي عطاءه، وفي نهاية المطاف نذكر هذه الرواية المهمة التي تبين ضرورة أن يكون الإنسان إما عالماً أو متعلماً، لينهل من نور الإمام الحسين (عليه السلام)، وكلما كان واعياً كلما ابتعد عن مواطن الفتن والشقاق.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، أَنَّهُ قَالَ: لَسْتُ‏ أُحِبُ‏ أَنْ‏ أَرَى‏ الشَّابَّ مِنْكُمْ إِلَّا غَادِياً فِي حَالَيْنِ: إِمَّا عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَّطَ، فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ، وَإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ، وَإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بِالْحَقِّ.

فينبغي التأمل في هذه الرواية طويلاً كي لا يفتر الإنسان عن الإقبال على المعرفة، ويشعر نفسه بعدم الحاجة إليها.

السيد محمود الموسوي

من مؤلفاتنا