بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطاهرين،

إن الأشهر في المقاتل، وعليه عمل علماء الشيعة أن العباس بن علي (عليه السلام) قد قُتل كسائر الشهداء في يوم العاشر من المحرم، وكانت شهادته قبل أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد تظافرت النقول في ذلك، منها الملهوف للسيد ابن طاووس، والإرشاد للشيخ المفيد، ومثير الأحزان، ومقتل الحسين للخوارزمي، وغيرها، وقد اعتمدت عليها جل المقاتل الحديثة التي صدرت بعد ذلك.

نعم، يوجد رواية منقولة عن مقتل أبي مخنف، استفاد منها بعض ممن لم يصرّح باسمه في أن شهادة العباس كانت يوم التاسع، وقد ذكره صاحب تذكرة الشهداء، آية الله الكاشاني، وعبّر عنه بالمعاصر، والذي ذهب إلى أن الرواية التي ربّما قد اعتمدها هي التي تقول أنه بعد مقتل العباس بن علي (ع) أقبل الإمام الحسين (عليه السلام) على أصحابه وقال لهم: (يا أصحابي ليس طلب القوم غيري، فإذا جنّ عليكم الليل فسيروا في ظلمته.. إلى أن قال: (فلمّا أصبح أذّن وأقام وصلى بأصحابه)، إلى أن قال مخاطباً أصحابه: (وهذا الليل قد انسدل عليكم فليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في البيداء). نقلاً عن أبي مخنف، ص6.

في هذا النقل الذي لم يوافقه نقل آخر، يثبت أن العباس قد قُتل في اليوم الثامن وليس اليوم التاسع، وأن الكاشاني قد اعتذر لصاحب الرأي القائل بأنه قُتل في اليوم التاسع، بأنه فهمها من هذه العبارات ولعلّ محاججة الإمام كانت في السحر وكانت في الليل بقية فتكون شهادة العباس في يوم التاسع، بحسب ما ذكره في صفحة311.

لكن صاحب الرأي القائل بأنه قُتل في اليوم التاسع لم يذكر مستنده ولم يذكر اسمه، وأن اعتذار الكاشاني له لا يمكن قبوله لأنه محض اشتباه، لتصريح النصّ بأن شهادته في النهار، لأن الإمام خاطب أصحابه بكلمة (فإذا جنّ الليل)، فلا يصحّ الاعتماد عليها في إثبات شهادته في اليوم التاسع، وهي تنصّ على اليوم الثامن.

فعلى ذلك، لم نجد مستنداً للقول بأن مقتل العباس في اليوم التاسع، وإن كان به قائل مجهول.

أما الرواية اللآنفة الذكر، فهي ليست مقبولة لمخالفتها مشهور الروايات المعتبرة.

ويمكن أن يكون قد وقع اشتباه في ترتيب السيرة، لأنها تخالف كافة الحقائق التي ثببت في المقاتل المعتبرة.

ومنها أن العباس بن علي (عليه السلام) بالتصريح كان قد قاتل يوم العاشر بين يدي الحسين (عليه السلام)، وأنه قُتل بعد أخوته وقد ورثهم، وقد صرّح بذلك غير واحد من المقاتل، مثل (نسب قريش) ذكر: (ثم قُتل العباس بن علي (ع) بعد أخوته مع الحسين (ع)، فورث العباس إخوته)، والسيد بن طاووس في الملهوف قوله: (ثم اقتطعوا العباس (ع) عنه، وأحاطوا به من كل جانب ومكان، حتى قتلوه قدّس الله روحه، فبكى الحسين (ع) بكاء شديداً). وكذا مثير الأحزان، ومقتل الحسين للخوارزمي، وابن شهراشوب في المناقب، وصرّح بأنه آخر من قتل من أخوته في مقاتل الطالبيين.

وفي تحديد اليوم التاسع عند الإيرانيين، فإن مستنده لم يحُقق أن يكون لهذا الرأي، بل الأصح خلافه، لأن المشهور عند علماء فارس قديماً كان هو المشهور عند جمهور الشيعة، وقد استنكر القول بأنه قُتل في اليوم التاسع، فكيف يُحدّد لبلد حداّ مغايراً لمتبنياتهم؟ وعلى أساس قول شخص واحد قد خالف أشهر المقاتل؟!

والأصح أن تخصص يوم التاسع عندهم، هو ما ذكره آية الله الكاشاني في تذكرة الشهداء بأنه راجع إلى أن الإمام الحسين (عليه السلام) أرسل العباس (عليه السلام) لجيش العدو ليستمهلهم على غداة الغد، حيث قال: (وإنما سُمي يوم التاسع باسم العباس بن علي (ع)، لا باعتبار شهادته في ذلك اليوم، بل باعتبار أن جيش العدو حمل على معسكر الحسين (ع)، عشية اليوم التاسع من المحرم، فأرسل إليهم أخاه العباس فاستمهلهم إلى غداة غد فأجابوه). ص308.

والظاهر أن عند العرب والهنود تخصيص اليوم السابع لذكر مصاب العباس (عليه السلام)، باعتبار أن ذلك اليوم الذي جلب فيه بالماء إلى مخيم الإمام الحسين (عليه السلام).

أما ما قيل أن هناك رأي يقول بأن مقتل العباس والإمام الحسين (عليهما السلام)، كان في نفس اللحظة، فلم نقف فيه على قائل أبداً، ولا شك أن نسبة القول إلى الشيخ المفيد والعلامة المجلسي محض اشتباه، فما نقله المفيد في الإرشاد أنهما قاتلا معاً، ولكن الجيش اقتطعهما عن بعضهما، فرجع الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المخيم وهو مصاب، وبقي العباس مقتطع عن الإمام حتى قتلوه وحده، ثم ذكر شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) حال رجوعه إلى المخيّم، وكان النقل مختصراً فلم يحتو على التفصيل المذكور في المقاتل في كيفية مقتل العباس بن علي (عليه السلام) ولا مقتل الإمام الحسين (عليه السلام).  

أما ما نقله العلامة المجلسي، فهو ذات النص الموجود في الإرشاد، وهو ينقله عنه كأحد النصوص، ولم يكن رأياً للعلامة المجلسي، كما أنه لا يثبت أنهما قُتلا معاً في نفس الوقت واللحظة، فالاستفادة من هذين النصّين الذين هما نص واحد في الأساس محض استباه.

وقد جاء في الروايات أن العباس بن علي (عليه السلام) قد فدى الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه، كما جاء في نص زيارة الناحية: (السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له الواقي).

وهذا يدلّ دلالة واضحة على أن العباس (عليه السلام) قد قُتل قبل أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، ليصدق عليه أنه فداه بنفسه.

والحمد لله رب العالمين.

السيد محمود الموسوي

محرم الحرام 1444هجرية

من مؤلفاتنا