إذا كان لمحمد بن الحنفية العذر في عدم خروجه مع الإمام الحسين (عليه السلام)، فلماذا لم يُرسل أبناءه للقتال مع الإمام الحسين (عليه السلام)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أحسن الله لكم ورفع شأنكم بحق محمد وآل محمد.

نلفت عناية القارئ الكريم إلى الموضوع المشار إليه في السؤال موجود في قسم المقالات من موقعنا (www.mosawy.com) ويمكن قراءته مباشرة من خلال هذا الرابط:

https://www.mosawy.com/index.php/library-almqrwp/articles-and-studies/590-2022-08-02-15-18-08

وفي الإجابة على ما تقدّم نقول:

ينبغي أن نعي حقيقة مهمة في مسألة إدانة من لم يخرج مع الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي أنه ليس كل شخص لم يكن مع الحسين (عليه السلام) في مسيره إلى كربلاء واستشهد معه فهو مدان في تخلّفه، إذ أن الإدانة تكون بعد العلم بالمسير أو بعد الطلب منه.

فما لم نعلم وصول الأمر إليه والطلب منه، فلا يمكن أن نبحث عن سبب، لأن الداعي مفقود، فكان هناك من المؤمنين من لم يعلم بخبر خروج الإمام الحسين (عليه السلام) أصلاً، ومنهم كان في بلاد نائية.

للتخلّف عن الإمام (عليه السلام) درجتان:

الأولى: التخلف بعد الطلب منه.

الثانية: التخلّف بعد سماع واعية أهل البيت (عليهم السلام).

وقد روي عن الإمام الحسين (ع) قوله: (فَوَ اللَّهِ لَا سَمِعَ‏ وَاعِيَتَنَا أَحَدٌ ثُمَّ لَا يَنْصُرُنَا إِلَّا هَلَك‏).

لقد كان لشهداء الطف مقام خاص عند الله تعالى، وهذا المقام ناله حتى بعض من كان في الناحية المقابلة للإمام مثل الحر بن يزيد الرياحي، وكان منهم من كان على غير دين الإسلام، وكان منهم من لم يكن يُكلّف ولا يُرجى منه كالعبيد، فهذا مقام عظيم نالوه ودرجة عالية تسنموها بلا أدنى شك، ولكن من لم يكن من الشهداء لا يُحكم عليه بالضرورة بالانحراف عن الإمام (عليه السلام).

إذاً المقامات تختلف حتى فيمن اشترك مع الإمام الحسين (ع) في نهضته العامّة، فإنها مقامات، وهي عبارة عن خصائص للأشخاص، فعندما نتحدّث عن مقامات شامخة كالتي وصل إليها الشهداء في الطف، فإننا في المقابل لا نقول بانحراف كل من هو دونهم، ما لم تصلنا وثائق صريحة في عدم معذوريتهم، والله أعلم بشأنهم.

فالحديث عن أولاد محمد بن الحنفية كما الحديث عن الكثير من المسلمين الذين لم يذكر التاريخ عنهم شيئاً بهذا الخصوص، ولم يثبت أن الإمام الحسين (ع) طلب منهم الخروج معه، حديث لا يمكن أن يفضي البحث إلى نتيجة واضحة، فمن يريد أن يدينهم فلابد أن يأتي بدليل على الإدانة، لا مجرد عدم وجود أسمائهم في شهداء الطف، كما لا يمكن أن نزكّيهم بفضائل لا نعلمها عنهم.

نعم لقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أن عبد الله بن محمد بن الحنفية كان عالماً كبيراً، ونُقل عن ابن سعد في طبقاته قوله (كان أبو هاشم – عبد الله بن محمد – ثقة، وكانت الشيعة يتوالونه، وكان بالشام مع بني هاشم وعندهم توفي). وقد نالته تهم الكيسانية.

وله ولد آخر اسمه جعفر، وقد قُتل في واقعة الحرّة في المدينة المنوّرة، أما بقية ولده فكما يبدو أنهم كانوا صغاراً دون البلوغ حينها.

فلا نعلم من موقفهما تجاه نهضة الإمام الحسين (ع) شيئاً، وأما باب الاحتمال فمفتوح وفقاً لما هو المناسب لشأنهما وشأن أبيهما، إلا أن يثبت خلاف ذلك.

أما إسقاط حال الأولاد على الأب، فهو أمر غريب لا يمت إلى البحث العلمي بصلة، فإنه (لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، هذا إذا ثبت تخلّف الأولاد دون عذر، وهو غير ثابت، فلا يمسّ ذلك شخصية محمد بن الحنفية بسوء.

أما حديث امتناعه ومنع أبنائه عن نصرة الإمام الحسين (ع) في مكة، فقد ذكرنا في المقال أنه لا يوجد مصدر شيعي لهذه الرواية التي تفوح منها لغة الحقد ولا تناسب الأسلوب الذي تعامل به محمد مع أخيه الإمام الحسين (ع) في محاوراته، وهي مأخوذة من مصدر عامّي، ولا يمكن قبولها ما دامت تخالف ما عندنا من مصادر.

ونذكر في الختام برواية واحدة وردت في كتاب الكافي للشيخ الكليني، وهو من أجلّ كتبنا الحديثية، وهي رواية عن معصوم وليست رواية مؤرّخ تابع للسلطات أو حامل للأحقاد الطائفية، حيث يروي عن الإمام الحسن بن علي (عليه السلام):

(يَا مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ فِيكَ؟ قَالَ بَلَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَاكَ (ع) يَقُولُ يَوْمَ الْبَصْرَةِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ‏ يَبَرَّنِي‏ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَبَرَّ مُحَمَّداً وَلَدِي‏). ج1، ص301.

فهذه تزكية أبدية من أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا تتعلق بشأن الدنيا بل تتعلق ببر الإمام حتى في الآخرة، والطريق إلى ذلك كما نصّ الإمام هو برّ ابنه محمد رضوان الله تعالى عليه، ونحن نعلم أن أهل البيت (ع) لا يساومون على الحق ولا يجاملون على حساب الحقيقة، فمن أراد هدي أهل البيت (عليهم السلام)، فينبغي أن يقرأ التاريخ وفقاً لأسسهم واستضاءة بمصباحهم.

السيد محمود الموسوي

والحمد لله رب العالمين

من مؤلفاتنا