والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين،

للقول بأن علي بن الحسين الشهيد بكربلاء هو الأكبر سناً من أخيه الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) شهرة بين جمع من العلماء، وهذا هو الموافق لما نُقل على تواريخ الولادة لهما، وقد صرّحت بعض كتب التاريخ بأن الشهيد بكربلاء لقبه الأكبر، كما في مقاتل الطالبيين، قال: (وعلي بن الحسين، وهو علي الأكبر، ولا عقب له، ويكنّى أبا الحسن، وأمّه ليلى..)، وفي الطبقات الكبرى: (أما علي الأكبر ابن الحسين (عليه السلام)، فقتل مع أبيه بنهر كربلاء).

فإن ما نُقل عن تاريخ ولادة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، عدة أقوال، هي بين سنة 38 للهجرة، و 33 للهجرة في أشهر الأقوال، أما علي بن الحسين الشهيد، فقد نُقل عن تاريخ ولادته أنها سنة 33 للهجرة أو أسبق من ذلك، فعلى حساب التاريخ المنقول، فإما أن يكونا في عمر واحد، وهو غير صحيح، وإما أن يكون الشهيد في كربلاء هو الأكبر.

وهذا يوافق ما ينقله الكليني في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (قُبض علي بن الحسين (عليه السلام) وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام خمس وتسعين، عاش بعد الحسين (عليه السلام) خمساً وثلاثين سنة. ج1، ص468.

فتكون ولادته بين سنة 38 وسنة 39 للهجرة، فيكون أصغر سناً مما نُقل عن عُمْر علي الأكبر الشهيد بكربلاء، وتدلّ عليه رواية الإمام العسكري (عليه السلام) في دلائل الإمامة، وغيرها.

وتدل عليه رواية ابن شهراشوب في قول يزيد أو ابن زياد أولم يقتل الله علي بن الحسين؟ رد عليه الإمام (ع): قد كان لي أخ أكبر مني يُسمّى علياً فقتلتموه. وهي صريحة في أن الشهيد بكربلاء هو الأكبر سناً، إلا أن لهذه الرواية نصوصاً أخرى لا توجد فيها عبارة (أكبر مني).

وهناك من خالف ذلك الرأي، وهو الشيخ المفيد وتبعه الشيخ الطوسي (رحمة الله عليهما)، وقال العلامة المجلسي أن المقتول في كربلاء هو الأصغر هو ما ذهب إليه الأكثر من أصحابنا، وأرجع بعض المحقّقين قول الشيخ المفيد والطوسي بأن الإمام زين العابدين (عليه السلام) هو الأكبر إلى ما يُروى أن الإمام لا يكون إلا في الولد الأكبر، ولكن نُقض بأن المقصود هو الأكبر حال الشهادة وأن لا يكون ذا عاهة، ولقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) حين شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) هو الأكبر سناً ومن دون عاهة، فإن كان مبنى الشيخ المفيد في تبنّيه رأيه اجتهادياً، فإنه يمكن أن يقال أنه غير تام.

إلا أننا إذ نميل إلى كون علي الأكبر الشهيد هو الأكبر سناً من الإمام زين العابدين (عليه السلام) بحسب القرائن المذكورة وغيرها، فإننا لا نستبعد الخلاف أيضاً.

ومن المعلوم أن وجه التسمية بالأكبر والأصغر بل والأوسط، هو للتميز بين الأفراد المشتركين في الأسماء، وهذا التمييز يكون ناظراً لجهة من الجهات الحقيقية والظاهرة، ومن هنا نود أن نشير إلى ملاحظات في ما ذكره بعض المحققين في ذلك:

الملاحظة الأولى: على القول بأن الإمام زين العابدين (عليه السلام) يلقّب بالأصغر، فإنه يُنقل عن القندوري الحنفي في ينابيع المودة، ج3، ص151، أن الوجه في ذلك هو للتمييز بينه وبين جدّه أمير المؤمنين (ع)، وقد قبل بعض المحققين منه هذا الوجه في التلقيب.

ولنا عليه، أنه لا وجه للتمييز، لأنهما لا يشتركان في اسم الأب حتى يقع الاشتباه بينهما، فلا داع للتفريق بينهما بذلك، كما أنه لم يشتهر عن أمير المؤمنين بأنه علي الأكبر مقابل حفيده الإمام زين العابدين، كما أن هناك نقلاً تاريخياً يقول بأن علي بن الحسين الشهيد قد ولد قبل شهادة أمير المؤمنين بسنتين.

الملاحظة الثانية: على القول بأن لقب علي بن الحسين الشهيد بالأكبر بالرغم من كونه أصغر سناً، كما يرجعه السيد جعفر مرتضى العاملي، بأن جهة التمييز ناظرة له ولأخيه الرضيع الذي هو علي الأصغر على حد تعبيره، فسمّي بالأكبر لأنه أكبر من علي الأصغر المقتول على ذراع أبيه، (سيرة الحسين في الحديث والتاريخ، ج4، ص37.

ولنا عليه أن ذلك تجاوز للإمام زين العابدين (عليه السلام)، فكيف يلقّب بالأكبر نظراً للطفل الرضيع، مقابل وجود الإمام الذي يشترك معهم في الاسم أيضاً، خصوصاً مع الاعتقاد بأنه الأكبر سناً؟، فهذا الاعتبار غريب.

فإن سلّمنا بأن علي بن الحسين الشهيد في كربلاء يُلقّب بالأكبر، فلابد أن يكون له اعتبار مقابل كافة أخوته الذين يشتركون معه في نفس الاسم، ولا يصح أن يكون أكبر مقاماً، لأن الإمام المعصوم هو الأكبر في مقامه ورتبته بلا أدنى شك، فلابد أن يكون أمراً عادياً كالعمر.

نعم، يمكن أن يقال أن لقب (الأكبر) و(الأصغر) جاء على لسان المؤرخين بعد واقعة الطف للتمييز بين الشهيدين الذين استشهدا في كربلاء دون النظر إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام)، إلا أن مثل الشيخ المفيد أصر على لفظ (علي الأصغر) في الإشارة إلى علي بن الحسين المعروف بالأكبر والمدفون عند رجلي أبيه في كربلاء، ولكنه كما يبدو لم يكن نقلياً بل اجتهادياً كما اسلفنا.

الملاحظة الثالثة: لقد ذكر المقرّم أن من ألقاب الإمام زين العابدين (عليه السلام)، (الأصغر)، (لكونه أصغر من أخيه الشهيد بكربلاء، فإنه ولد سنة (38) وله يوم الطف (23) سنة وولد الشهيد علي الأكبر في الحادي عشر من شعبان سنة (33) قبل مقتل عثمان بسنتين، فله يوم الطف ما يقارب سبعاً عشرين سنة)، حياة الإمام السجاد، ص 67.

لقد اعتمد المقرّم في وصف الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالأصغر على ما نقله مجموعة من المؤرخين، وباعتبار أن تاريخ الولادة يرجّح أن الأكبر الشهيد هو الأكبر، فيكون لقب الأصغر للإمام صحيحاً في نظره.

إلا أن بعض المؤرخين وصف الإمام بالأوسط، ووصفوا علي الرضيع بعلي الأصغر، كما عن كشف الغمة، نقله عنه العلامة المجلسي في البحار (علي الأكبر، وعلي الأوسط وهو سيد العابدين وعلي الأصغر..)، ج4، ص331.

وعلى أي حال، فإنه من الاعتيادي أن يكون هناك اختلاف في المقام للاشتراك في الأسماء، أو بالنظر للاعتبارات حال الخطاب، فيكون الأكبر أكبراً بالنسبة لمن هو أصغر منه، ويكون أصغراً بالنسبة لمن هو أكبر منه، تارة يكون اللقب بالنظر للثلاثة معاً، وتارة يكون بالنظر لاثنين منهما، إما الإمام والشهيد الكبير، أو بالنظر للشهيدين معاً فقط.

 فلا يضرّ ذلك الاختلاف بأصل الاعتقاد ولكنه من المهم التمييز بين الشخصيتين، خصوصاً في مجال نصوص الزيارات التي حفلت بذكر شهداء الطف وفي معرض زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء وغيرها، فإنه إن ذُكر التسليم على علي بن الحسين، فإن المقصود بلا أدنى ريب هو علي المعروف عندنا بالأكبر، وإن أشار إليه البعض بالأصغر، أو لم يذكر له لقباً، وهذا ما عليه اجماع العلماء وهو ما تدلّ عليه القرائن الأكيدة، باعتبار أن الزيارات هي للشهداء في كربلاء وللمدفون عند رجلي أبيه حصراً.

 والله أعلم بحقائق الأمور.

السيد محمود الموسوي

1444 للهجرة

من مؤلفاتنا