ما هى الادلة العقلية لاثبات الغيبة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بخصوص ما سألتم عن الأدلة العقلية لإثبات الغيبة للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف..

الدليل العقلي في إثبات ذلك يمكن أن يتصور بنحوين:

الأول: الدليل الذي يبحث عن الإمكان العقلي في وقوع الغيبة.

الأمر الثاني: في اعتماد العقل في إثبات الغيبة نفسها، وهذا لابد أن يكون مسبوقاً بالإيمان بالمقدمات العقيدية الأولى.. فلا يمكن إثبات اللاحق إلا بعد الإيمان بالسابق.

 

أما الأول: في إثبات الإمكان، فهو على ثلاثة أنحاء:

1/ أن العقل والعلم لا يمنع من إبقاء النوع البشري مدة طويلة جداً وهو على قيد الحياة، إذا توافرت الظروف الملائمة لذلك.. وقد مرت البشرية بحقب تاريخية كان الإنسان فيها يعمّر مئات السنين تصل إلى الألف سنة..

وقد تحدث القرآن الكريم عن نوح وكم كانت معايشته لقومه، في الآية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت : 14]

هنا نأخذ مقطع قرآني لا للاستدلال على الوقوع، وإنما كحكاية تاريخية تثبت أن الإنسان كنوع لا يستحيل عليه البقاء طويلاً..

فلا مانع عقلي من ذلك.. هذا أولاً..

2/ إذا أضفنا عدم المانع إلى قدرة الله تعالى على رفع الإنسان والمحافظة عليه طوال سنين مديدة، سيعزز هذا المسار..

فإن الله قادر على كل شيء.. وهذا ينبغي أن لا ننساه، وإذا كان قادراً على كل شيء من ناحية عقلية، فإننا لابد أن نبحث عن الأخبار النقلية الموثوقة لكي نثبت بها وقوع الغيبة.. فيكون البحث بعد ذلك بحثاً نقلياً، ولكنه من مرشحات العقل.

3/ هل وقع ذلك من قبل؟ هذا تساؤل يعزز الإيمان بالغيبة ويجعلها في حيز الإمكان العقلي ويسهل القبول بها.

نجد أن الله تعالى قال عن عيسى بن مريم (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ...).. فقد أجمع العلماء سنة وشيعة أن الله تعالى قبض عيسى من غير وفاة، ورفعه إليه.. وهو حي يرزق إلى يومنا هذا.. فعمره الافتراضي أطول من عمر الإمام المهدي الافتراضي..

وقد أخبرتنا الأخبار الموثوقة من كلا الطرفين أن عيسى بن مريم هو موعود ظهوره في آخر الزمان..

فهنا ثبت لنا حول الغيبة نفسها عدة أمور:

1/غير مستحيلة عقلاً، 2/وهي مقدورة لله تعالى، 3/ وقد وقع مثلها من قبل.

أما الأمر الثاني الذي ذكرناه في البداية، وهو أن العقائد هي متسلسلة عقلياً.. ولابد من الإيمان بالسابق لكي نؤمن باللاحق..

مثلاً، نحن نؤمن بالله تعالى بالعقل كموجود، لأن لكل وجود موجد ولكل مخلوق من خالق، ونؤمن بأن الخالق واحد عقلاً، لأن النظام الكوني منسجم كل الانسجام،،

بعد هذا الإيمان، أرسل الله لنا النبي (ص) وآمنا به لما جاء به من دلائل الصدق، ثم أوصى بالأئمة من بعده باختيار من الله، كما أن الله اختار لنا الدين، واختار الأنبياء كذلك اختار الأوصياء لدينه، لكي (يكون للدين أعمدة وثوابت معصومة) لا تحيد عن الحق، وتكون هذه الأعمدة والثوابت وهي (الدين، النبي، الوصي (الإمام) هم الهادين إلى الحق وبها تقاس الأشياء..

إذا تم الإيمان بذلك فنحن إذاً نصدق النبي (ص) لأنه الصادق الأمين من الله تعالى، ولا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كما قال القرآن.. فلابد أن نفتش عن ما قاله النبي (ص) في الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لكي تكتمل الصورة..

وإذا آمنا بالأوصياء بعده وهم المعصومون الإثني عشر الذي قال عنهم النبي (ص) (الخلفاء من بعدي اثنا عشر وكلهم من قريش) حسب ما جاء في البخاري أيضاً.. فلابد حينها أن نؤمن بأقوالهم..

فهنا جاء الدليل العقلي من البداية، ثم تسلسل إلى الدليل النقلي، ولكنه من مرشحات العقل، لأن العقل يؤمن بأن السلّم إذا أردت أن تصعده فلابد أن تخطوا أول سلّمة..

من مؤلفاتنا