المقولة المذكورة جاءت في رسالة مكتوبة بخط الإمام الحسين (ع) موجهة لأخيه محمد بن الحنفية رضوان الله عليه، وهي الرسالة التي عبّر الإمام من خلالها عن أهداف النهضة الحسينية، ولعل اختيار الإمام أن تكون مكتوبة، بخلاف الخطب التي كان يلقيها، لكي تكون أكثر ثباتاً وبقاءاً، وكما أن تسليمها بيد محمد بن الحنفية، لأنها اليد الأمينة التي ستحافظ عليها، وذلك كله لأن هذه الرسالة احتوت على أصول التحرك، وأما بقية الخطب فهي تفريع وتفصيل لما في هذه الرسالة المهمة.
وقد عمد الإمام على أن يذكر في طيها أن خروجه الشريف، ليس من منطلق التغطرس والتكبّر والرياء والسمعة، فالأشر هو المرح، والبطر هو المتكبّر الذي تملّكه الزهو بنفسه، إنما الخروج كان بنية صادقة مخلصة لله تعالى، ومريدة للإصلاح رافضة القساد.
وهو بهذه الإشارة يؤكد ضرورة إبداء النوايا، كما أن على المؤمن أن يحقق في نفسه الإخلاص لله تعالى قبل كل فعل يؤديه، فكما ورد عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ (ع( قَالَ: كَانَ الصَّادِقُ (ع) يَقُولُ: إِذَا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ لَكَ وَ بِحَقِّ مَخْرَجِي هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَ لَا رِئَاءً وَ لَا سُمْعَةً وَ لَكِنْ خَرَجْتُ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِكَ وَ اجْتِنَابَ سَخَطِكَ فَعَافِنِي بِعَافِيَتِكَ مِنَ النَّارِ).
فعلى المستوى الشخصي يحتاج الإنسان أن يحقق في نفسه الإخلاص المطلوب، وإن كان المشروع الذي يتصدى له مشروعاً يهم المجتمع، فينبغي أن يخبرهم بذلك أيضاً.
كما أن الإعلان من الإمام (ع) لعدم خروجه أشراً ولا بطراً، إشارة إلى النداء القرآني في قوله تعالى:
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (سورة الأَنْفال 47)، وبذلك يعزز المرجعية القرآنية في خطابه الشريف.
إلا أن ما يثبت صدقية الإمام (ع) وهو الصدّيق، أنه لم يصف تحرّكه بذلك كي يقول للناس سلّموا لذلك، مع أنه إمام مفترض الطاعة، إلا أن خطابه يمثل حجة على عامة المسلمين، فما كان منه إلا أن وضع لهم الميزان الحق، وهو قوله (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق)، وهذه العبارة هي إثبات صدق، لأنه جعل مدار القبول بتحركه هو مدار إلهي، أي اجعلوا الحق هو مقياسكم، فإن عرفتم الحق ستعرفون أهله الذين يحملون رايته، وهذه الوثوقية لا يجرؤ عليها إلا المخلصين من أهل التحرّك، أما الأدعياء والمرائين فهم يغيّبون هذا المقياس عن الناس، بل يمنعونهم من الصراحة في التفكير والاختيار على اسس ربانية واضحة.
كما فعل بنو أمية أنهم كانوا يخفون مقاييس الشرك كي لا يقوم الناس بمحاسبتهم وتقييمهم وفقها.
ففي الكافي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الايمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه.
السيد محمود الموسوي
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- ما حقيقة رأي الشيخ الصدوق في الشهادة الثالثة وسهو النبي؟ - 2024/05/30
- إشكال في خمس الأجير والموظف - 2024/05/28
- ما تقولون في الخواجة ربيع، والخواجة مراد، وأبي الصلت الهروي؟ - 2024/05/28
- هل يُكره الإقامة في كربلاء أكثر من ثلاثة أيام؟ - 2023/08/23
- هل أن دعاء التوسل بالسيدة فاطمة والسر المستودع فيها، وارد عن أهل البيت؟ - 2022/09/13
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 48807 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35927 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33191 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 31447 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20471 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19738 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 19592 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19511 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15791 مرُة
- من أقوال الإمام الحسن العسكري (ع) - 2016/01/19 - قرأ 15643 مرُة