الأخت الكريم.. حفظكم الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نشكر لكم تواصلكم مع موقعنا، ونسأل الله أن تكون فيه الفائدة، ولقد وصلتنا رسالتكم حول مشكلتكم في إعادة ترتيب حياتكم ..ويطيب لي أن أضع بعض الملاحظات التي آمل أن تساهم في دفعة إيجابية لكم نحو عالم الفاعلية..

في البدء لابد أن نقدر الاهتمام بروح العطاء الذي لا يقتصر على الذات،  تلك الحدود الضيقة للإهتمام، بل تتعداه إلى الدائرة الأوسع وهي المجتمع، والهم العام في العطاء، فهذه أبرز صفات الشخصية المسؤولة، وهي من معالم الشخصية الإيمانية الرسالية التي بشر بها القرآن والنبي (ص) وأهل بيته الطاهرين (ع).

والتفكير في إعادة النظر بحد ذاته أمر مهم، فهو وسيلة لتطوير الشخصية وتقدمها ، لكي لا تكون الشخصية ممن يتساوى يوماها أو يكون أمسها أفضل من يومها، فحالة التزود والتقدم هي المطلوبة..

أعتقد أن أهم موضوع فيما ذكر هو تحول الحياة من الحياة الحرة نوع ما إلى حياة الأمومة، وهنا ينبغي أن لا نغفل أمرا مهما جداً.. وهذا الأمر قد يدخل ضمن مفهومنا للعطاء والفاعلية في المجتمع.. وهو يختص بعلاقة الأم بولدها أو بمعنى آخر مسؤولية الأم تجاه المجتمع..

فقد يعتبر البعض أن تربية الأولاد أمراً عادياً وهامشياً في الحياة، فإما أنهم يتساهلون فيه ولا يهتمون به، أو أنهم يهتمون ولكن كواجب محتم عليهم لا مفر منه.. وكلا الأمرين خاطئين، فإن الإهتمام بالأولاد وبنوع تربيتهم هو مسؤولية اجتماعية قبل أن تكون مسؤولية فردية، لأن هذا الولد هو نتاج الأم في الأساس ـ باعتبار طول البقاء الزماني مع الطفل بداية حياته ـ وهو نتاجها للمجتمع حيث تصدره ليعيش ضمن أفراد لا بد أن يتعامل معهم بالحسنى وأن يكون مساهما وفاعلا في أعمال الخير والتنمية الإجتماعية أو الثقافية أو غير ذلك..

فإذا نظرت الأم للإهتمام بابنها من هذا المنظار، ستكون عندها الرسالة واضحة في المفاهيم التي ستزرقها له أولاً.. وثانياً ستعتبٍر هذا العمل هو مساهمة منها وفاعلية إجتماعية.

وهذا الأمر طبعاً لا يعني بالضرورة أن تكون الأم مقتصرة على العمل التربوي، فيمكنها أن تضيف إلى رصيدها أعمالا أخرى إيجابية.. وتتلخص المشكلة كما يبدوا في مسألة الوقت، وهنا يمكن من خلال إدارة الوقت إدارة صحيحة ومنظمة أن تقدّم الأم شيئاً.. وبالأحرى هي إدارة الذات في الوقت .. فنحن نمتلك أوقاتاً كثيرة تضيع منا من غير أن نشعر، فهي تضيع لأننا لا نحصرها ولا نقوم بتحديدها.. فقد ينام الطفل ساعتين وتبقى الأم تنتظره ليطلب الحليب، أو ماشابه ذلك..

ولعل أول خطوة مهمة في هذا الجانب من ناحية عملية يمكن ان تقوم بها الأم هي أن ت حصر أوقات الفراغ وتكتبيها على ورق بالكتابة أو بالرسم، كأن ترسم خطاً عبارة عن يومها محدداً بالساعات، فتلون أوقات الفراغ.. هنا ستعرف الأوقات التي تضيع،وبالتي ستقرر أن تستفيد منها كل حسب طبيعتها، فأوقات الليل تختلف عن أوقات النهار وهكذا.. وسيكون لديها استعداداً نفسيا لإستثمار هذه الأوقات لأنها  قامت بتحديدها ومعرفتها..

وخطوة أخرى بعد أن تعرف بشكل محدد وواضح على الأوقات والتي قد لا تكفي لعمل هي تريده كالمشاركة في جميعة خيرية أو لجنة أو شيء ما.. لابد أن تنظر للوقت الذي تحتاجه للقيام بذلك العمل، مثلا ثلاث ساعات كل يوم وترك، هنا يمكن البحث عن حلول لإيجاد فسحة من الوقت، كأن يكون الطفل خلال هذا الوقت لدى إحدى الأقارب أو ماشابه ذلك.. وهنا تجدر الملاحظة أن أي وقت ستحتاجه الأم ينبغي أن لا يكون كسائر النساء اللاتي ليس لديهن أولاد، فمجيء الولد لابد أن يؤثر بطبيعة الحال، فهو مهمة بحد ذاته كما ذكرنا..

ومسألة مهمة أخرى، هي فكرة البدائل في الأعمال، فقد لا يتنسنى لها أن تقوم بعمل هي تتمناه الآن وضمن هذه الظروف، ولكن لا يعني ذلك التوقف تماماً، بل لابد من إيجاد عمل آخر مفيد قد يدعم العمل الأصل في المستقبل، مثلا قد لا تتمكن من المساهمة بشكل كبير في فعاليات إجتماعية كبيرة، لكن لديها وقتاً بمقدار ساعة في اليوم، يمكنها أن تخصصها للقراءة وزيادة ثقافتها. أو تقوم بعمل آخر يتناسب مع الوقت المتوفر.. ففكرة البدائل فكرة مهمة ليبقى الإنسان في فاعلية دائمة.. ولكي لا يشعر بالتوقف..ولو كان ذلك قليلاً..

وكما يقول الإمام علي عليه السلام (لا تستحي من إعطاء القليل فالحرمان أقل منه) ينسحب على هذا المعنى أيضاً..

تقبلوا منا التحيات والدعوات

سيد محمود الموسوي

www.mosawy.com

 

من مؤلفاتنا