ما هي حقيقة إدعاء البعض أن الدعاء لا يكون إلا فردياً ولا يكون جماعياً؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله الطاهرين، وبعد،

                إن للدعاء بخصوص الداعي حالات، وكل حالة تعطي أثرها وتدر بركاتها حال ذكر الله ومناجاته والتوسل إليه، فتارة يكون في خلوة تامة، وتارة مع جموع المصلين كما في صلاة الجماعة حيث استحباب الدعاء أثناء الصلاة وبعدها، وتارة في اجتماع أربعين مؤمناً أو في اجتماع المؤمنين في مواطن الدعاء، فكل له فضل ودور.

                فدعاء السر والخفية لتحقيق الإخلاص والإبتعاد عن الرياء، ودعاء العلن لينال بركة الجماعة وتحقيق النفر إلى الله بالدعاء، وتشييداً لبيوت الله تعالى.

                لذلك جاء الحث على دعاء السر، وكذلك دعاء العلن والجمعي.

فقد قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (سورة الأَعراف 55)

عن النبي (ص): (دعوة السر تعدل سبعين دعوة في العلانية).

                وجاء أيضاً الحث على الدعاء الجمعي والإجتماع في الدعاء، كما في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سورة الكهف 28)

                وفي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام): ‏ مَا مِنْ رَهْطٍ أَرْبَعِينَ رَجُلًا اجْتَمَعُوا فَدَعَوُا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَمْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَعِينَ فَأَرْبَعَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَشْرَ مَرَّاتٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمْ‏ - فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فَوَاحِدٌ يَدْعُو اللَّهَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ لَهُ.

                كما أن المؤمن مطلوب منه أن يحي الدين ومعالمه، ويحي شعائر الله مع إخوانه، ومطلوب منه أن يعمر مساجد الله بالصلاة والذكر والدعاء، ومطلوب منه أن يرتاد المراقد المشرفة لأهل بيت العصمة والطهارة في البيوت التي يذكر فيها اسم الله تعالى، مع المؤمنين الذين يشدون الرحال لهذه البقاع الطاهرة من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق.

هذا ملخص القول، ونبسط القول فيه بالتالي:

                نظراً لتعدد التساؤل حول الموضوع ولأن هنالك من أهل العلم من يستنكر اجتماع المؤمنين في المساجد لإحياء الليالي الشريفة كليالي القدر وليلة العيد والنصف من شعبان وغيرها، فإننا سنتعرّض للموضوع من باب التأسيس وسيتضح في طي الحديث حل الإشكاليات الواردة.

                ومع أن الأمر قد يبدوا بديهياً لدى البعض إلا أن البعض الآخر يصرّ على فكرة أن الدين إنما دعا المؤمن إلى الدعاء في الخلوات، وقد ينسب البعض عادة اجتماع المؤمنين في المساجد بالدعاء للبدعة، وذلك قد يعود إلى أحد أسباب عديدة، منها: الإشتباه في الفهم، أو للنظر القاصر والمحدود للدين ولنصوصه، أو للفهم المجزوء المبتور لروايات أهل البيت (عليهم السلام)، أو لطبيعة النظرة لنصوص أهل البيت (ع) حيث لا يطبقون إلا ما جاءت به الروايات حرفياً ونصاً، دون النظر للمعارف العامة لهم (ع) وللبصائر المتعددة في الروايات العديدة، فلا يجمع بين الروايات لتأسيس الفكرة، ولا ينظر لمعاريض كلامهم (ع) ليستنبط البصائر المعرفية منها.

                وفي البدء نذكر عدة ملاحظات:

الملاحظة الأولى: إن المنع يحتاج إلى دليل، فالأصل هو الإباحة، وخصوصاً أن إرشادات أهل البيت (ع) عامة في أغلبها ودون تقييد، إلا في بعض الموارد نظراً لخصوصية المورد والحالة.

                فعلى سبيل المثال، ورد في الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا كان آخر الليل يقول الله سبحانه وتعالى: هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟).

                وهذا الحديث عام للفرد أو المجموع، فهو يتحدث عن وقت فيه يقبل الدعاء، فسواء جاء به الفرد في خفاء أو اجتمع الناس ورفعوا أكفهم بالدعاء في آخر الليل، فإنهم ينالون المغفرة.

الملاحظة الثانية:  الدعاء الجمعي لا يعني الإعلان بالضرورة، بل يكون للداعي في المسجد وهو مع الناس دعاء خفياً، كأن يدعوا لأخوانه عن ظهر الغيب، أو يتوب من ذنوبه، فيمكن أن يتحقق العنوانان معاً، ومن هنا فإن الروايات التي جاءت حول تفضيل الإسرار على الإعلان لا تشمل مورد الجمع بين الحالين، فيصدق على الداعي مع المجموع أنه دعا بدعاء خفي، خصوصاً في الجموع المتكثرة كما يحصل في المراقد المشرّفة أو في الجوامع الكبيرة والمساجد العامرة.

                فالدعاء الجمعي، فيه دعاء علني ودعاء خفي، وسوف نفصل في صور الدعاء العلني في التأسيس الروائي له فيما سيأتي.

الملاحظة الثالثة: إن هناك نسبة بين الإنقطاع التام وبين الاجتماع، حتى والإنسان في بيته. فقد يسرّ المرء في دعائه إسراراً تاماً، وقد يسرّه عن عامة الناس، إلا أن أهل بيته يعلمون بأمره، أو يشتركون معه في الدعاء، بل وأن الدعاء الخفي متحقق عادة حتى والإنسان بين الجمع.

الملاحظة الرابعة: في الحديث عن النبي (ص): (دعوة السر تعدل سبعين دعوة في العلانية).

هذه الرواية تؤكد أمرين:

الأول: أن دعوة السر فيها مميزات خاصة لا تحصل في دعوة العلن، ولكن لا يعني ذلك أن دعوة العلن ليس فيها شيء من المميزات.

الثاني: أن دعوة العلانية أمر ثابت وغير مرفوض، لأن الرواية إنما فضّلت ولم تلغ ولم تمنع من دعوة العلن.

                ويمكن أن نرى مثل هذا المثال في صدقة السر وصدقة العلن، فهذا قانون يشمل العبادات بأكملها.

                قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (سورة البقرة 274)

                والآن نأتي للحديث عن الدعاء الجمعي والتأسيس له في الرؤية الإسلامية من منظار روايات أهل البيت (ع)، وبصائر القرآن الكريم.

                إن للدعاء الجمعي عدة صور، نستكشف منها التشجيع على حالة اجتماع المؤمنين في الدعاء وحثهم على تعاهده، ونذكر منها عدة صور:

الصورة الأولى:

                الدعوة القرآنية الصريحة في الإلتزام مع الجماعة المؤمنة في الدعاء والتضرّع إلى الله تعالى في أوقات مختلفة في الغداة والعشي، فقد قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. (سورة الكهف 28)

                وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لابن مسعود يوضح لنا هذا العنى الذي يشمل الصلاة والدعاء والتسبيحات، حيث قال: يَا ابْنَ مَسْعُودٍ اصْبِرْ مَعَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَيُسَبِّحُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ وَيَحْمَدُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ وَيَدْعُونَهُ بُكْرَةً وَعَشِيّاً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ‏ مَعَ‏ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ‏..

الصورة الثانية:

                اجتماع المؤمنين على الدعاء لأمر يشتركون فيه، وهذا النوع من الدعاء موجب للإجابة.

                في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام): مَا مِنْ رَهْطٍ أَرْبَعِينَ رَجُلًا اجْتَمَعُوا فَدَعَوُا اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي أَمْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَعِينَ فَأَرْبَعَةٌ يَدْعُونَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ عَشْرَ مَرَّاتٍ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمْ‏ - فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً فَوَاحِدٌ يَدْعُو اللَّهَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ لَهُ.

                وورد أيضا عن الإمام الصادق (ع): (ما اجتمع أربعة قط على أمر فدعوا الله تعالى إلا تفرقوا عن إجابة).

                وقَالَ إمامنا الصَّادِقُ (ع):‏ أَيُّمَا مُؤْمِنَيْنِ‏ أَوْ ثَلَاثَةٍ اجْتَمَعُوا عِنْدَ أَخٍ لَهُمْ- يَأْمَنُونَ بِوَائِقَهُ وَ لَا يَخَافُونَ غَوَائِلَهُ وَ يَرْجُونَ مَا عِنْدَهُ إِنْ دَعَوُا اللَّهَ أَجَابَهُمْ- وَ إِنْ سَأَلُوهُ أَعْطَاهُمْ وَ إِنِ اسْتَزَادُوا زَادَهُمْ وَ إِنْ سَكَتُوا ابْتَدَأَهُمْ.

الصورة الثالثة:

                اجتماع المؤمنين على الدعاء بحيث يردّد شخص الدعاء، فيقوم الجمع بالتأمين على دعائه، فلقد ورد استحباب التأمين على الدعاء، والتأمين أن يقول المستمعون آمين وهي بمعنى (اللهم استجب)، بعد أن يدعوا الداعي المعيّن، أو بعد كل مقطع من مقاطع الدعاء، وهذا يعني أن هنالك اجتماعاً على الدعاء في مكان واحد بحيث يستمع الجمع لشخص واحد، فيشاركونه الدعاء.

                فقد ورد عن أبي عبد الله (ع): (الداعي والمؤمّن شريكان).

                وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: كَانَ أَبِي (ع): إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ دَعَا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ ثُمَّ دَعَا وَ أَمَّنُوا.

                وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَدْعُو وَحَوْلَهُ إِخْوَانُهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَمِّنُوا قَالَ: إِنْ شَاءُوا فَعَلُوا وَإِنْ شَاءُوا سَكَتُوا فَإِنْ دَعَا وَقَالَ لَهُمْ أَمِّنُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوا.

                وفي قول الله تعالى {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} (سورة يونس 89)، ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص):‏ دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ وَأَمَّنَتِ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا.

                وفِي عُدَّةِ الدَّاعِي قَالَ رُوِيَ‏ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى عِيسَى (ع) يَا عِيسَى- تَقَرَّبْ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمُرْهُمْ أَنْ يَدْعُونِي مَعَكَ.

                وهذه دعوة صريحة في محبوبية اجتماع المؤمنين على الدعاء.

                وهكذا في سيرة أهل البيت (ع) أن الإمام الحسين (ع) في عرفة كان يقرأ دعاءه المعروف، بصوت حزين يسمعه الناس، وهم يتابعون معه ويأمنون على دعائه، في حالة انقطاع تام إلى الله تعالى، حيث يأخذهم صوت الإمام وروح الإمام وكلمات الإمام إلى الساحات القدسية لرب العزة والجلال.

الصورة الرابعة

                دعاء المؤمنين مجتمعين في المساجد أو غيرها حال تأديتهم صلاة الجماعة، وهي إحدى صور الدعاء الجمعي.

                فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص):‏ مَنْ صَلَّى بِقَوْمٍ فَاخْتَصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ فَقَدْ خَانَهُمْ.

                كما أن العديد من الروايات ذكرت استحباب الدعاء أعقاب الفرائض، وسؤال الحاجات فيها، ومعلوم أن الدين يشجّع على الصلاة في المسجد ويحث على صلاة الجماعة، وهي تمثل حالة اجتماع المؤمنين على الدعاء، استفادة من الروايات التي تحدثت عن عموم حث المؤمنين على الدعاء أعقاب الفرائض.

                فعن الإمام الصادق (ع): (إن الله فرض عليكم الصلوات في احب الأوقات إليه، فاسألوا الله حوائجكم عقيب فرائضكم). ولا شك أن هذا شامل لصلاة الفريضة الفردية والجماعية.

الصورة الخامسة

                دعوة المؤمنين للتوجه للمساجد وتعميرها بذكر الله تعالى، ودعوتهم لشد الرحال إلى بيت الله الحرام، والمراقد الشريفة لأهل بيت العصمة والطهارة، يمثل حالة اجتماع المؤمنين في هذه الأماكن، حيث أن المناسك والعبادات مشتملة على الدعاء والتوسل وعموم الذكر، وهذه حالة اجتماع أخرى.

                قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (سورة النور 36)

                والروايات عديدة في الترغيب في ارتياد المساجد والحج وزياة المراقد الشريفة.

                وقد جاء في الخبر عن الحجاج في مناسكهم: (إن الله سبحانه وتعالى يقول للملائكة في ذلك اليوم: يا ملائكتي، ألا ترون إلى عبادي وإمائي جاءوا من أطراف البلاد شعثاً غبراً أتدرون ما يسألون؟ فيقولون: ربنا إنهم يسألونك المغفرة، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم)..

                وفي الآية الكريمة: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ).

                وفي الحديث القدسي: (ألا إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي).

                وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) تؤيد الحث على الدعاء في المسجد، في الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال: كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس، فإذا أراد ذلك قدم شيئاً فتصدّق به، وشمّ شيئاً من طيب، وراح المسجد، فدعا في حاجته بما شاء الله).

                والمؤمنون يجتمعون في المراقد الشريفة في كل الأيام، وفي ليلة الجمعة بالخصوص، وفي بعض الليالي المعينة للزيارة كأول رجب ونصفه ونصف شعبان وعرفة والغدير وغيرها.. وفي الحديث عن قبر الإمام الحسين (ع)، أن جعل الله (استجابة الدعاء تحت قبته).

الصورة السادسة

                اجتماع المؤمنين في بعض العبادات والدعاء فيها بشكل جماعي كجزء من تلك العبادات، وهي صلاة العيديدن، وصلاة الإستسقاء، حيث تخرج الجموع لتجأر إلى الله تعالى بدعواتها تحت سقف السماء.

                قال تعالى: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً»

                وقد سُئل الامام الصادق عن صلاة الاستسقاء فقال:"مثل صلاة العيدين، يقرأ فيها ويكبّر فيها، يخرج الامام ويبرز الى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسكنة، ويبرز معه الناس، فيحمد الله ويمجّده ويثني عليه ويجتهد في الدعاء، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير، ويصلي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد، فإذا سلَّم الامام قلَّب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، والذي على الأيسر على الأيمن، فإن النبي (ص) لى الله عليه وآله وسلم كذلك صنع".

***

                فهذه الصور الست التي ذكرناها وغيرها من الروايات لتؤكد وتوضح بما لا يدع مجالاً للشك على أن اجتماع المؤمنين على الدعاء أمر من موجبات استجابة الدعاء، بل هو من شعائر الدين التي ينبغي أن تحيى، وهو أيضاً من صبغة الله التي ينبغي أن تسود المجتمع لتشكل هذه الحالة صبغة عامة للمجتمع الإيماني وتعزّز هويته الدينية، لتشجيع الناس على الذكر وترغيبهم فيه، فهذه دعوة غير مباشرة إلى الدين، فإن صورة اجتماع المؤمين في المراقد الشريفة تعطي للمؤمن عزة ومنعة، وتولّد في نفسه حالة الشوق إلى شدّ الرحال إلى تلك البقاع الطاهرة، وكذا حالة شياع الدعاء وكلمات أهل البيت (ع) في الدعاء في المجتمع، لكي يسمعها مختلف الناس فتطيب نفوسهم وتخشع جوارحهم وتسدد بفضل ذلك سبلهم في الحياة، حيث العودة إلى الله تعالى والدخول إلى رحمته الواسعة.

***

وفي الختام نذكر بعض الصور القرآنية للدعاء الجماعي:

  • التوجه إلى الله حال التعرّض للصعاب.

قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}. (سورة العنْكبوت 65)

وقال عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}. (سورة الروم 33)

وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}. (سورة لقمان 32)

  • دعاء المؤمنين يريدون وجه الله تعالى:

قال تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. (سورة الأَنعام 52)

  • دعاء جنود طالوت بالصبر والنصر لمّا برزوا لجالوت وجنوده:

قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ }. (سورة البقرة 250 - 251)

  • دعاء أصحاب الكهف وهم مجتمعين في كهفهم..

قال تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}. (سورة الكهف 10)

  • دعاء المقاتلين مع الأنبياء (عليهم السلام)..

قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. (سورة آل عمران 146 - 148)

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله الطاهرين.

السيد محمود الموسوي

www.mosawy.com

 

من مؤلفاتنا