تفسير (وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك ولا تهنّي بكرامة أحد من أوليائك).

ورد في الكافي الشريف لثقة الإسلام الكُلَيني عَنْ أَبِي بَصِيرٍ أنهُ قَالَ:

كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام) يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ:

"اللَّهُمَّ إِنِّي بِكَ أَتَوَسَّلُ وَ مِنْكَ أَطْلُبُ حَاجَتِي، وَمَنْ طَلَبَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ فَإِنِّي لَا أَطْلُبُ حَاجَتِي إِلَّا مِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، وَأَسْأَلُكَ بِفَضْلِكَ وَ رِضْوَانِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ أَنْ تَجْعَلَ لِي فِي عَامِي هَذَا إِلَى بَيْتِكَ الْحَرَامِ سَبِيلًا ، حَجَّةً مَبْرُورَةً مُتَقَبَّلَةً زَاكِيَةً خَالِصَةً لَكَ ، تُقِرُّ بِهَا عَيْنِي ، وَ تَرْفَعُ بِهَا دَرَجَتِي ، وَ تَرْزُقُنِي أَنْ أَغُضَّ بَصَرِي ، وَ أَنْ أَحْفَظَ فَرْجِي ، وَ أَنْ أَكُفَّ بِهَا عَنْ جَمِيعِ مَحَارِمِكَ ، حَتَّى لَا يَكُونَ شَيْ‏ءٌ آثَرَ عِنْدِي مِنْ طَاعَتِكَ وَ خَشْيَتِكَ ، وَ الْعَمَلِ بِمَا أَحْبَبْتَ وَ التَّرْكِ لِمَا كَرِهْتَ وَ نَهَيْتَ عَنْهُ ، وَ اجْعَلْ ذَلِكَ فِي يُسْرٍ وَ يَسَارٍ وَ عَافِيَةٍ ، وَ أَوْزِعْنِي شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ وَفَاتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ تَحْتَ رَايَةِ نَبِيِّكَ مَعَ أَوْلِيَائِكَ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَقْتُلَ بِي أَعْدَاءَكَ وَأَعْدَاءَ رَسُولِكَ، *وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَ لَا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ.* اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، حَسْبِيَ اللَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ".

 

 

وما أرفعه إليكم رجاءَ أن يسع وقتكم للتفضُّل عليَّ بالإجابة، هو تفسير معنى المقطع الشريف من الدُّعاء: *وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَلَا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ*.

 

إلى مثلكم من العلماء يرجع طالبو العلم والمعرفة.

حفظكم الله، ونسألكم الدعاء.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على النبي محمد وآله الأكرمين.

يمكن أن يكون المراد أن تجعل هوان وذل الآخرين سبباً لكرامتي بحسب تعاملي معهم، فأكون ممن يشفق عليهم ولا ينظر لهم نظرة دونية وأكون في عونهم.

وفي المقطع الثاني أن لا تجعل كرامة أوليائك سبباً لإهانتي وخطأي، فلا أقدّرهم ولا أحترمهم، لأن المرء ينكشف معدنه عند التحديات عند مقابلة الناس المختلفين، ولعل هذا مراد صاحب الوافي في تعليقه على هذا الحديث حيث قال: (أن يجعله محسوداً ولا يجعله حاسداً).

ويمكن أن نتأمل في العبارات بنحو آخر، ونقول:

 

لعل المقطع الأول، وهو (وَأَسْأَلُكَ أَنْ تُكْرِمَنِي بِهَوَانِ مَنْ شِئْتَ مِنْ خَلْقِكَ)، أن يكون المراد منه طلب من الله أن يتشرف بالكرامة التي تجعل المرء يد الله التي يبطش بها الأعداء.

أي أن تكرمني بإهانة من شئت اهانته، وهذا يعني أنه يطلب من الله عز وجل أن يكون عاملاً من عمّاله بل ولياً من أوليائه، الذين يجري علي أيديهم ما يشاء.

وهذا المعنى هو الأنسب لسياق الدعاء؛ لأنه يطلب قبله أن يكون تحت راية نبيه ومع أوليائه.

 

أما المقطع الثاني، وهو (وَلَا تُهِنِّي بِكَرَامَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ)

إما أن يكون مرتبطاً موضوعاً بما سبقه، فيكون المعنى لا تترك إكرامي عند كرامة أحد من اوليائك. أي بأن أكون أنا صاحب الكرامة في مواجهتهم ولا أكون مُهاناً بتركها.

 

وإما أن يكون المعنى متقابل، فيكون المعنى أن لا تجعلني مهاناً عند كرامة أوليائك.

ويمكن أن تكون بأنحاء ووجوه متعددة.

مثل أن تترك كرامتي عند كرامة اوليائك، فأرى الأولياء يعيشون في كرامة وعزّة، بينما أنا مهان ومستضعف.

ومثل: أن لا تكون كرامة أوليائك سبباً في إهانتي أو هواني، ولعل ذلك يكون في سياق العداء من الآخرين أو غير ذلك.

ويمكن تصور وجوه عديدة ضمن هذه المعادلة، ومنها ما ذكره الوافي.

والله اعلم بخفيات الأمور.

السيد محمود الموسوي

 

من مؤلفاتنا