لماذا لا يجوز تقليد الميت عند بعض المراجع؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطاهرين.

إن مسألة (تقليد الميت) من المراجع، مكونة من شقين، شق هو مسألة البقاء على تقليد الميت بعد أن كان يقلده في حياته، ومسألة تقليد الميت ابتداء، أي أنه في بداية تقليده يختار مرجعا من الأموات، فهل هذا يجوز أو لا يجوز؟

والمسألة الثانية هي الأساس كما يبدو لأنها تشكل الحالة التأسيسية لبقية الفروع، إلا أن هناك من رأى العكس. ويبدو أن (تقليد الميت ابتداء) هو موضع السؤال، ولأن المسألة وقع فيها الخلاف، فإن المباحث الاستدلالية فيها طويلة جداً، لكثرة عرض الأدلة فيها، ومناقشتها، فمن الصعوبة بمكان اختصار كافة جوانب المسألة والوفاء بحقها علمياً، إلا أننا نحاول أن نلقي الضوء على ملامح المسألة كخلفية ثقافية، وتبقى المسألة موضع البحث في ميدان تداول الفقهاء لها، على الأخص بين المدرسة الأصولية التي انتصرت في مشهورها إلى عدم جواز تقليد الميت ابتداء، والمدرسة الأخبارية التي انتصرت لجواز تقليد المجتهد الميت على نحو الابتداء، والكل موضع تقدير وفيما طرح في تفاصيل المسألة وجوه وجيهة.

ولكن كما يبدو أن أهم محاور متبنّى عدم جواز تقليد الميت ابتداء، هي ثلاثة:

الأول: أنهم استدلوا بعموم الآيات والروايات التي توجّه الإنسان إلى العلماء، والتي تبين مهامهم، مثل (فاسألوا أهل الذكر)، ومثل (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم)، فقالوا أنه لا يمكن السؤال إلا من الحي، ولا يمكن الرجوع للقوم وإنذارهم إلا من الحي، ولا يمكن ذلك للميت.

وكذلك في الروايات، مثل توجيه أهل البيت (ع) ب (ينظران من كان منكم)، و(من كان من الفقهاء صائنا لنفسه... فللعوام أن يقلدوه)، فإن ذلك ظاهر في إرادة الحي.

الثاني: من الأدلة الروائية المصرحة بالرجوع للعالم الحي، مثل: ما ورد عن يعقوب السراج قال لابي عبدالله (عليه السلام): (تبقى الارض بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال (عليه السلام) لي: إذاً لا يعبد الله يا أبا يوسف).

الثالث: أن الحي يمكنه أن يفتي حسب تجدّد الواقع، فإن الأحكام وإن كانت ثابتة، إلا أن هناك الكثير من الأحكام المتغيرة بحسب تغير موضوعها، بل يمكن أن يقال أن الاجتهاد في أغلبه هو تطبيق الآيات والروايات والقواعد على الواقع، وهو ما يستدعي الحاجة إلى الفقيه الحي.

إضافة إلى ما يمكن أن يتجدّد في كل عصر من معاملات وما يراد استنباط حكمه من الشريعة التي تتسم بأنها صالحة لكل زمان.

نعم، لقد ناقشوا في هذه الأدلة وغيرها، وأيضاً هناك ردود على المناقشات، ومن إفراز تلك المناقشات رأى أكثر الفقهاء أنه يمكن البقاء على تقليد الميت إذا كان قد رجع إليه وهو حي، وأما المسائل المستجدة فيرجع فيها إلى الحي.

هذه مجرد إطلالة على موضوع السؤال، وليس انتصاراً لرأي.

وفقكم الله لماضيه.

السيد محمود الموسوي

من مؤلفاتنا