ماهو الأفضل أن يقوم العالم بالذهاب إلى الناس وتوعيتهم، أم أن الناس هم الذين ينبغي أن يتوجهوا للعلماء والإستفادة منهم؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم 

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول عن رسول الله (ص): (طَبِيبٌ‏ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ)‏، أي أنه يبثّ علمه في الناس أينما حل وارتحل، وكذا الروايات تشير إلى أن في يوم القيامة تتوجه المحاسبة إلى العلماء ويسائلهم الله تعالى عن تقصيراتهم في التبليغ والتعليم قبل أن يحاسب الجاهل المقصّر عن تقصيره وجهله.

فهذا يثبت أن العلماء أمامهم مسؤولية التوعية والتثقيف وعليهم أن يبثوا علومهم في الناس بشتى الوسائل، ولا ينحصر ذلك في أن يذهب العالم إلى كل فرد فرد لتوعيتهم، بل يكفي أن يقوم بمهامه ليصل العلم إلى الناس بصور متعددة كالدروس والمحاضرات والتأليف وتأسيس المجاميع التعليمية والنشر بشتى صوره، أي أن مجمل الروايات تثبت ضرورة تبليغ العلم، أما الكيفية فهي مرهونة للظروف والإمكانات التي يستدعيها الزمان. بل هنالك من الأساليب ما يحقق إنتشاراً أوسع من الجهد في الحدود الجغرافي للفرد، فعندما ينشر كتاباً مثلاً، فإن ذلك الكتاب ممثل عن مؤلفه في بلدان متعددة، فهو يعطي بمجهود الجماعة، ولهذا نجد أن الدين أعطى لمن يترك كتب العلم من بعد موته خاصية استمرار العمل كما عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ‏ ثَلَاثٍ‏ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ صَدَقَةٍ تَجْرِي لَهُ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه‏).وكذلك عندما يحاضر على المنبر أو على القنوات الفضائية أو الإلكترونية وغير ذلك من سبل الإنتشار.

ويبدو لي أن هذا وجه من وجوه قول النبي (ص) لعلي (ع): (يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد)، لأن العالم وإن نام فإن علمه نور منتبه ينتشر في الأرجاء.

هذا كله لا ينفي دور الناس وضرورة توجّههم واختلافهم إلى العلماء للإستفادة من علومهم، بل الأصل أن الناس عليهم أن يتوجّهوا للعلماء ويبحثوا عنهم ويزاحموهم بركبهم على موائد العلم والبصيرة.

وقد قال تعالى:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَفإن الإنسان عليه أن يملأ فراغات الجهل لديه بالتوجه للعلماء.

ولذا نرى الحث على التوجه للعلماء وزيارتهم وما له من الثواب الكبير والعظيم، فضل تتوق له النفوس، فقد جاء عن أمير المؤمين (عليه السلام):

(جُلُوسُ‏ سَاعَةٍ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَحَبُ‏ إِلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَ النَّظَرُ إِلَى الْعَالِمِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنِ اعْتِكَافِ سَنَةٍ فِي بَيْتِ الْحَرَامِ- وَ زِيَارَةُ الْعُلَمَاءِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبْعِينَ طَوَافاً حَوْلَ الْبَيْتِ وَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً وَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً مَقْبُولَةً وَ رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ سَبْعِينَ دَرَجَةً وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَ شَهِدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ الْجَنَّةَ وَجَبَتْ لَهُ).

من هنا ينبغي أن نعي ضرورة الإهتمام بالعلماء والجلوس إليهم والإستفادة منهم، وما على العالم إلا أن يبدي استعداداته لتلقي الناس والتفاعل معهم، وعدم الإنزواء عنهم ومقاطعتهم.

السيد محمود الموسوي

www.mosawy.com

من مؤلفاتنا