هل يصح تضمين الرثاء الحسيني في دعاء الندبة؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين.

في البدء وقبل الإجابة على ذلك، ينبغي التأكيد على احترام وجهات النظر الأخرى، ما دامت تبيّن دليلها في تبنّي الرأي، وعلينا التفريق بين ما هو شأن ذوقي أو مجرد وجهة نظر يرى أفضليتها المنطلقة من اعتبارات معينة، وبين ما هو شأن علمي فقهي، مبتن على أدلة علمية، يمكن أن ننسبها إلى الدين.

فقد يعبّر الخطيب عن وجهة نظره ضمن أولويات معينة أو بالنظر لواقع معين، ولكنه لا يقصد بذلك التأسيس العلمي أو المنع الشرعي، وهذا يفعله الكثير من الخطباء، قوة وضعفاً، ونحن لا ينبغي أن نحمّل الرأي ما لا يحتمل عندما نخالفه فيه، كما أن على الخطباء أن يميّزوا في توجيههم للناس بين ما له مستند شرعي وغيره، فلا يقطعوا ويمنعوا ويقسوا في النقد ما لم يكن هناك مخالفة شرعية متفق عليها.

أما عن أصل الموضوع، فإننا تحدّثنا فيه في عدة محافل، ونعيد التأكيد على نقاط مهمة في ما يختص بإدخال الكلام أو النعي الحسيني في الأدعية، منها:

النقطة الأولى: الأدعية هي نصوص واردة عن أهل بيت العصمة والطهارة، فلا يصح تغييرها على نحو يُدّعى أن ذلك منها، فيكون قد نسب قولاً للمعصوم وهو لم يقله، وهذا معلوم الحرمة بلا خلاف.

أما التغيير على نحو لا يدّعي أنه من قول المعصوم، فقد أفتى الفقهاء بجوازه، ولكن مع التنبّه إلى عدم نسبته للإمام، وبذلك سيتغير الدعاء من دعاء وارد عنهم (عليهم السلام) إلى دعاء عام من إنشاء الداعي نفسه.

النقطة الثانية: عندما يذكر الداعي شيئاً من الكلام، لا على نحو الجزئية من الدعاء الذي يتلوه، وإنما يتوقف في منتصفه، ثم يقرأ دعاءً آخر أو يقرأ توسلاً، أو شرحاً، أو يقرأ أبياتاً من النعي الحسيني، ثم يقوم بمواصلة الدعاء، كما يحدث في دعاء الندبة أو غيره، فهذا لا يوجد دليل يمنع منه، لأنه لم يضف للدعاء كلاماً على أنه من الدعاء وهو ليس منه، إنما كان يتلو الدعاء ثم توقف ثم رجع وأكمل الدعاء، وفي التوقف، قد يقوم بأعمال متعددة، مثل أن يشرب الماء أو يشرح العبارات كما يفعله من لا يعرف العربية، ليتفاعل الناس مع المضمون، أو يستذكر مصائب أهل البيت (ع) للمناسبة في مقاصد الدعاء، فيبكي الناس. فهذا النحو من التضمين لا دليل على المنع منه، وحتى في الصلاة يمكن للمصلي أن يذكر بعض الأذكار الإضافية بنحو الذكر المطلق لا بنحو الجزئية، وبحيث لا تكون كلاماً غير الذكر.

وعموم هذه الطريقة هي ما اشتهرت عند جمع من المؤمنين وفي بيوتات العلماء وفي المراقد المطهرة، وهي ليست مختصة بشخص أو جهة، بل يقرأ بها أشهر قرّاء دعاء الندبة في العالم الشيعي الذين يقرأون في محضر مراجع الدين.

وبعبارة أخرى كما ذكر بعض العلماء، أنه لا يشترط في الأدعية الموالاة، فلا محذور من قطعها ثم الرجوع إليها وإكمالها.

النقطة الثالثة: يبدو لي وبحسب التتبع القاصر، أننا ينبغي أن نفرّق بين الأدعية وبين الأذكار الخاصة التي تقرأ لحاجة ويتطلب منها أثراً دنيوياً، أو غير ذلك، مما يتطلب كيفية خاصة في أدائها، مثل التسبيح بعدد معيّن، والذكر بكيفية خاصة، أو في زمان معين أو في مكان مخصوص، فمثل هذه الأذكار لابد أن يُلتزم بها لكي يتحقق المطلوب منها، لأن السرّ يكمن في الذكر الخاص بالكيفية الخاصة.

كما ورد أن الإمام الصادق (ع) في دعاء الغريق ليأمن قارئه من الفتن، أنه يقول (يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك)، فقال الراوي: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي)، فرد عليه الإمام: (إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك). فمع أن الكلام الذي قاله الراوي حق، إلا أن الزيادة فيه لن تؤدي المطلوب.

فالأدعية التي يضر بكيفيتها استقطاعها وعدم تتابعها فلن تؤثر أثرها المرجو منها، أما الأدعية التي لا يضر بها ذلك، ولم يرد نهي أو التزام بكيفية مخصوصة فلا بأس بالتضمين فيها. ومثل هذه الأدعية دعاء كميل والندبة وغيره.

النقطة الرابعة: في الجانب التفضيلي، فالناس لديهم السعة فيما لا يضر بأصل الأدعية، فيمكن لهم أن يأخّروا النعي الحسيني إلى الختام، أو يقللوا منه، بحسب ما يقبله الناس، وما يساهم في تفاعلهم وإقبالهم على الدعاء، وكل ما يذكر في تفصيلات هذا الجانب فهو جانب إداري، الاختلاف فيه ليس اختلافاً شرعياً.

فمن يعرض وجهة نظره في ذلك، فلا ينبغي أن يحملها الدين دون دليل، ولا ينبغي أن يقسو على الذين يخالفونه الرأي.

وكوجهة نظر نحبذها في هذ المجال، أن الإنسان عليه أن يسعى لتحقيق التفاعل في نفسه مع سياق الدعاء في أجزائه، كما ورد، ويمكنه أن يؤدي الإضافات بعد الدعاء.

نعم، قد تعرض على القارئ حالات روحية يرى أنه يحتاج إلى التكرار لمزيد من التفاعل، أو تصيبه حرقة على مصاب الإمام الحسين (ع) فيندب الإمام ويبكيه وينشد فيه شعراً معبراً عن المصاب، أو تطرأ عليه حاجة للتوسّل أو لذكر حاجته عند انكسار قلبه، فيمكنه أن يقطع الدعاء ثم يرجع إلى إكماله.

والله ولي التوفيق.

السيد محمود الموسوي

من مؤلفاتنا