ما تقولون في الخواجة ربيع، والخواجة مراد، وأبي الصلت الهروي؟

السلام عليكم سيدنا،

ALSALT02ما تقولون في الخواجة ربيع، والخواجة مراد، وأبي الصلت الهروي، الذين لهم قبور ومزارات في أطراف مشهد المقدّسة، هل هم رجال صالحون تصح زيارتهم؟

الجواب:


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سنتوقّف عند كل شخصية من هذه الشخصيات بما يسمح له المقام، لمعرفة شخصياتهم، وبالتالي معرفة زيارة قبورهم التي تتوزّع حوالي مدينة مشهد المقدّسة.

أولاً: الخواجة ربيع

إن مَن عُرف بالخواجة ربيع، وله قبر في أطراف مشهد المقدّسة، هو الربيع بن خثيم، أبو يزيد الثوري الكوفي ابن عائد.

ربيع بن خثيم، كما يتضح من المعطيات التاريخية ومن توصيفه في كتب الرجال، هو شخصيته ليست سويّة، فقد تخلّف عن نصرة أمير المؤمنين، ولم يذكر يزيد بسوء عند قتله الإمام الحسين (ع)، فهو منعزل عن الصراعات بين الحق والباطل.

فأهم ما يذكر من مواقف في هذا المجال هي التالي:

الموقف الأول: أنه تخلّف عن نصرة أمير المؤمنين (ع) في حرب صفين، وقد أقرّ مع أربعمائة رجل أنه يشك في هذا القتال، وتهربوا بأن طلبوا من الإمام أن يرسلهم بعيداً في بعض الثغور، وقد نقل هذا النص في أعيان الشيعة، جاء فيه:

(فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّا شككنا في هذا القتال، على معرفتنا بفضلك، ولا غنى بنا ولا بك ولا بالمسلمين، عمّن يقاتل بالمسلمين العدو، فولّنا بعض هذه الثغور، نكن به نقاتل عن أهله، فوجّه علي (ع) بالربيع بن خثيم إلى ثغر الري)[1].

ويبدو أن الإمام استجاب لطلبهم تخلّصاً من فتنتهم التي قد تنشب بسبب مواقفهم المتخاذلة عن الحق.

الموقف الثاني: أنه وقف محايداً بين الإمام الحسين (ع) ويزيد، فلم يؤيد الإمام الحسين (ع) بعد مقتله، ولم يقبل حتى أن يسترجع (أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون) لمقتل سيد شباب أهل الجنّة، وزيادة على ذلك، لم يذكر يزيد بسوء، وقال قولاً يدل على أنه يريد الحياد في ذلك وأنه يرى الخلاف بين الإمام الحسين (ع) ويزيد هو خلاف في شؤون الدنيا، فقال: (إلى الله إيابهم، وعلى الله حسابهم)[2].

الملاحظ من سيرة الخواجة ربيع في كتب السيرة لأهل العامّة، أنه ممدوح بتعبّده وزهده واعتزاله عن الدنيا وشؤونها، حتى أنه لا يسأل أحداً شيئاً، وبقي عشرين سنة لم يتحدّث فيها عن شأن الدنيا، فقال لشخص: هل أمك حيّة، طيلة تلك العشرين سنة، وقيل سأل شخصاً عن أبيه، فندم على ذلك.

وهذا يدلّ على أنه كان يعيش إيماناً قشرياً أجوفاً، لا يعي ما هو الدين وما هو الإيمان، وأن قول الكشّي عنه إنه من الزهّاد الثمانية، لا يثبت إلا صفة الزهد التي قد تكون تطبيقاتها خاطئة، فمن الإيمان مخالطة الناس بالحسنى والتعاون معهم في الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف مع الحق ورفض الظلم، إضافة إلى التزام النظام العبادي بإخلاص.

وإن مواقف المرء تدل على مدى بصيرته في الدين، وما ذُكر عن ربيع بن خثيم (خواجة ربيع)، هو انحراف عن جادة الحق، ولو كان بلباس أهل الدين والتقوى.

فإن تخلّفه عن نصرة أمير المؤمنين (ع) كما عن (غير واحد من العامّة والخاصة) كما يقول السيد الخوئي (رحمه الله) في معجم الرجال، وعدم تأييده، وعدم تعاطفه مع مصاب الإمام الحسين (ع)، وعدم إنكاره على يزيد فعله، يكفي في بيان مسلكه المنحرف عن جادّة الإيمان.

ثانيا: الخواجة مراد

أما مَن يُسمّى بالخواجة مراد، فهو هرثمة بن أعين، أبو حبيب.

فقد كان من خدم المأمون العباسي، إلا أنه كان موالياً للإمام الرضا (ع)، وقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عنه، روايته لشهادة الإمام الرضا (ع) وسمّ المأمون له، وهو الذي روى حادثة السّم، حيث أخبره الإمام بأن هذا أوان رحيله، وعَزْم الطاغي على سمّه في العنب والرّمان، وهو الذي روى للمأمون أن الإمام (ع) أسرّ له بقدوم شخص لِيَلي في تغسيل ودفن الإمام عند موته، وهو الإمام الجواد (ع).

قال عنه الحر العاملي في إثبات الهداة: "كان من خدام الخليفة عبد اللّه المأمون، إلا أنه كان محباً لأهل البيت إلى الغاية، ويعد نفسه من شيعتهم، وكان قائماً بخدمة الرضا، وجمع مصالحه، مؤثراً لذلك على جميع أصحابه، مع تقدّمه عند المأمون وقربه منه"[3].

وذكرته كتب التاريخ ومنها اليعقوبي في البلدان، أنه كان من القادة الشجعان في جيوش بني العباس، وكان يحسن معاملة من يُبعث لمقاتلتهم، وكان له دور في العمران، ولمّا استتب الأمر إلى المأمون بعد شهادة الإمام الرضا (ع)، اتهمه بالخيانة وشتمه وحبسه، حتى مات في السجن، وقيل إن الفضل بن سهل كان يبغضه، فقتله في حبسه سرّاً، وقيل إن المأمون قد سمّه، وكان ذلك سنة 200 هجرية.

ثالثاً: أبو الصلت الهروي

أما من يُسمى بالخواجة أبي الصلت الهروي، فهو عبد السلام بن صالح، وهو من مدينة هراة، إحدى مدن خراسان القديمة في أفغانستان، ولد في المدينة المنورة سنة 160 هـ، وهو خادم الإمام الرضا (ع)، وهو عالم وراو كبير، وكان يناظر الفرق المنحرفة.

قال عنه النجاشي في رجاله: "عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي روى عن الرضا (عليه السلام)، ثقة، صحيح الحديث، له كتاب وفاة الرضا (عليه السلام)"[4].

وقد قال عنه العلامة الحلي في خلاصة الأقوال: أنه ثقة صحيح الحديث[5].

ولعل قول الشيخ الطوسي عنه أنه عامّي، لاتباعه التقية في زمن المأمون، وهذا ما يشهد له في كتب أهل العامة، حيث وثّقه بعض منهم، إلا أنهم اتهموه بالرفض، وبعض رماه بالكذب ليس عن حسّ ومعرفة، وإنما لأنه روى العديد من الأحاديث عن الإمام الرضا (ع) وفي فضائل أهل البيت (ع).

نقل الكشّي مسنداً عن العامّة، إن العباس الدوري قال: سمعت يحيى بن نعيم يقول: أبو الصلت نقي الحديث، ورأيناه يسمع، ولكن كان يرى التشيّع، ولم ير منه الكذب.

وقال الكشّي: قال أبو بكر: حدثني أبو القاسم طاهر بن علي بن أحمد - ذكر أن مولده بالمدينة - قال: سمعت نزلة بن قيس الأسفرايني يقول: سمعت أحمد بن سعيد الرازي يقول: إن أبا الصلت الهروي، ثقة، مأمون على الحديث، إلا أنه يحب آل رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان دينه ومذهبه. (أي كان منهجه أن يروي الحديث في حق وحب أهل البيت (ع)).

وقال التفرشي في نقد الرجال: والظاهر أن أبا الصلت الهروي واحد، وثقة، إلا أنه مختلط بالعامة، وراو لأخبارهم كما يظهر من كلام الكشّي، وكلام الشهيد الثاني رحمه الله، في حاشيته على الخلاصة. ومن ثم اشتبه حاله على الشيخ – الطوسي - قدّس سرّه، فقال: عامي[6].

وقد ذكر السيد الخوئي أن تعبير الشيخ الطوسي بأنه عامي، هو من سهو قلمه الشريف، لأنه اشتهر بتصريحه بالمعتقدات الشيعية.

ولقد روى عنه في سنن ابن ماجة ما يدل على ذلك، قال: حدثنا سهل بن أبي سهل، ومحمد بن إسماعيل قالا: ثنا عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه -وآله - وسلّم: "الايمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان". قال أبو الصلت: لو قرئ هذا الاسناد على مجنون لبرأ.[7]

وقد أبدى أحد محققي سنن ابن ماجة رفضاً للحديث، مبرّراً ذلك باتهام الهروي بالتشيع والرفض، ووصف تعليق الهروي عن بركة أسماء أهل البيت (ع) أنها لو قُرأت على مجنون لبرأ، بأن "هذه مبالغة لا مسوّغ لها، وأبو الصلت رافضي ضعيف خبيث"[8] بحسب ما يدّعي هذا الرجل، لأن أبا الصلت قد روى روايات عديدة عن الإمام الرضا (ع) وفي حق أهل البيت (ع).

وذكر الذهبي عن أسباب تكذيبه لعدّة من علماء العامة بالتالي: إنه يتشيع، وأنه رافضي، وأنه يروي العجائب في فضل علي وأهل بيته، وهو متهم، ويذكر بعض روايات المثالب[9].

وذكره ابن حبّان في المجروحين بهذا الوصف: عبد السلام بن صالح: أبو الصلت الهروي، الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد، لم يشهد له أبو حاتم وأبو زرعة والعقيلي وابن عدي والنسائي والدارقطني، وقال عباس الدوري: سمعت يحيى يوثّق أبا الصلت، وعنه أيضاً: ليس ممن يكذب، ذكر أحمد بن سيار في تاريخ مرو أنه كان من خاصة المأمون، يدفعه لمناظرة المرجئة والجهمية والقدرية. ثم قال ابن سيار: ناظرته لاستخرج ما عنده، فلم أره يفرط، رأيته يقدم أبا بكر وعمر، ولا يذكر الصحابة إلا بالجميل، إلا أن ثم أحاديث يرويها في المثالب[10].

فمن أجل مواقفه ورواياته في فضل أهل البيت (ع) وفي مثالب أعدائهم، وروايته عن الإمام الرضا (ع)، قد اتهمه العامّة بالكذب، إلا أن نقل الكشّي، والعلامة، وتصريحهم بتوثيقه هو الأساس، ووصفه بالعامّي، التباسٌ، لتقيته.

والخلاصة

وعلى ذلك، فلا ينبغي للمؤمنين أن يتوجّهوا إلى قبر أحد من الشخصيات من أجل تعظيمه وزيارته، إلا أن يكون من المعصومين (ع) أو من يسير على نهجهم، لما أمرنا الشرع المقدّس أن نزور سادتنا النبي وأهل بيته (ع)، والصلحاء من مواليهم، صلة لهم وتعظيماً لهم وتبرّكاً بهم.

فإن من زار الخواجة مراد لاعتقاده بتشيّعه ومحبته وخدمته للإمام الرضا (ع)، وتحمله الأذى في سبيل ذلك، ومن زار أبا الصلت لتشيعه وتفانيه في نقل الرواية عن أهل البيت (ع) وعن فضلهم، فهو مأجور على ذلك، أما زيارة الخواجة ربيع وأمثاله، ممن انحرفوا عن جادة الحقّ فهو مما ينبغي تركه من المؤمنين، لكيلا يساهموا في تعظيم من لا يستحق التعظيم.

 ------------------------

[1] - أعيان الشيعة، ج6، ص455.

[2] - انظر معجم رجال الحديث، الخوئي، ج8، ص175.

[3] - إثبات الهداة، الحر العاملي، ج4، ص377.

[4] - رجال النجاشي، ص246.

[5] - خلاصة الأقوال، ص209.

[6] - انظر نقد الرجال، ج3، ص60.

[7] - سنن ابن ماجة، ج1، ص25.

[8] - انظر سنن ابن ماجة، طبعة دار الجيل، ج1، ص89 و90، طبع سنة 1418هـ، تحقيق بشار عواد، ط1.

[9] - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهر والأعلام، للذهبي، ج17، 251.

[10] - المجروحين، ابن حبّان، ج2، ص151.

من مؤلفاتنا