إشكال في خمس الأجير والموظف

KOMMSالسلام عليكم سيدنا، ورحمة الله وبركاته،

كنتُ في أحد المجالس، وطرح أحدهم إشكالاً حول الخُمس، وهو أنه لم يرد عن أن الأجير عليه خمس، كالموظفين في زماننا، فلم تذكر الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، وكذا كتب العلماء القدماء، فقد ذكروا أن الخمس في المعادن والزراعة والتجارة والكنوز، فكيف أفتى الفقهاء المعاصرون وجوب الخمس على الأجير؟


الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لم يقل أحد من الفقهاء أن الأجير يخمس ما يحصل عليه بنفس معنى التجارات والكنوز وما شابه ذلك، 

لأن بحث التجارة والكنز، هو تخميس ما يحصل عليه بمجرد حصول الكنز أو حصول الربح في التجارة مطلقاً، وعلى قول البعض أنه يُخرج بعد النصاب، ولم يقل الفقهاء أن الأجير يخمّس ما يحصل عليه بنفس هذا المعنى، وإلا لأوجبوا تخميس كل راتب فوراً عند استلامه، أو عند بلوغه نصاباً معيناً.

فواضح أنهم لم يقولوا بذلك.

فتوضيح هذه المسألة مهم، لمعرفة أن الإشكال لا يحصل بهذه الطريقة، لأنه بسبب لبس في فهم خمس الكنوز وأرباح التجارات من أساس.

أما العنوان الذي يشمل تخميس غير تلك الموارد (الكنز وربح التجارة)، فهو (الفائدة بعد المؤونة).

فهو يخمس ما زاد على مؤونة سنته، وليس ما يحصل عليه في سنته.

ودليله واضح من العموم في معنى الغنيمة من الآية الكريمة: (وَٱعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِّن شَیءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا یَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ یَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ)، ففي الوقت الذي خصّصها أهل السنّة في غنائم الحرب، إلا أن الشيعة قالوا إن الغنيمة هي مطلق ما يحصل عليه المرء من مال، فدلالة اللغة واضحة في أن ذلك مغنم.

وقد دلّت على ذلك الروايات الشريفة، منها:

في التهذيب، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (ع)، أَخْبِرْنِي‏ عَنِ‏ الْخُمُسِ،‏ أَعَلَى جَمِيعِ مَا يَسْتَفِيدُ الرَّجُلُ، مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، مِنْ جَمِيعِ الضُّرُوبِ، وَعَلَى الصُّنَّاعِ، وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ[1].

فالرّاوي سأل عن جميع الضروب، يعني كل أنواع ما يدخل بسببه المال على الإنسان، سواء كان قليلاً أو كثيراً، فأجابه الإمام أنه يخمس بعد المؤونة، أي يجب في كل ضروب الكسب من قليل أو كثير، بشرط أن يكون زائداً على مؤونته.

وفي الصحيحة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَلِيِّ بْنُ رَاشِدٍ، قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِي بِالْقِيَامِ بِأَمْرِكَ، وَأَخْذِ حَقِّكَ، فَأَعْلَمْتُ مَوَالِيَكَ بِذَلِكَ. فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: وَأَيُّ شَيْ‏ءٍ حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِيبُهُ. فَقَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُمُسُ. فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ شَيْ‏ءٍ؟ فَقَالَ: فِي‏ أَمْتِعَتِهِمْ‏ وَصَنَائِعِهِمْ‏. قُلْتُ: وَالتَّاجِرُ عَلَيْهِ وَالصَّانِعُ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَمْكَنَهُمْ بَعْدَ مَئُونَتِهِمْ[2].

قوله في أمتعتهم وصنائعهم، وفي نسخة (ضياعهم) تدل على عموم مال الإنسان بعد مئونته.

وعن الإمام الباقر (ع): في حديث: فَأَمَّا الْغَنَائِمُ‏ وَالْفَوَائِدُ، فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى‏ وَالْيَتامى‏ وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى‏ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ)، فَالْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَالْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا...[3]

وهنا توضيح من الإمام أن الغنيمة ليست خصوص غنائم الحرب، بل تعمهم لجميع الغنائم الأخرى.

وهذا ما قاله الفقهاء أعزهم الله.

* السيد محمود الموسوي

*  www.mosawy.com

 ------------------

[1] - تهذيب الأحكام، ج4، 123.

[2] - وسائل الشيعة، ج9، ص500.

[3] - وسائل الشيعة، ج9، ص502.

من مؤلفاتنا