المحكم والمتشابه وتوليد المعرفة
نموذج تطويري لعلوم القرآن*
محمود الموسوي
(1)
المحكم والمتشابه كآلية لفهم النص
تأتي أهمية دراسة مفردات علوم القرآن الكريم ومنها (المحكم والمتشابه) تبعاً لأهمية القرآن ذاته، حيث أن القرآن الكريم هو الرسالة الخالدة والخاتمة للبشرية، الموجّه للإنسانية من خالقها، وهو الهدى والنور والفرقان وفيه الأحكام والمعارف المتنوّعة المتصلة بالإنسان في إيمانه وحركته في الحياة، فلا يراد للقرآن وآياته أن تحبس وتقيّد بزمان أو بأمم معيّنة،وإلا لماتت الآيات وانتهى مفعولها، فهو النور الذي لابد أن يتسلل إلى كافة القلوب والعقول، ليأخذ طريقه نحو الفعل والحركة تحقيقاً للحق وتمكيناً للقيم الإلهية بما فيها من مرافئ السعادة البشرية الضامنة للسلام والعدل والكرامة.
.فمداخل فهم القرآن الكريم هي علومه، ومنها علم المحكم والمتشابه، هذه المفردة التي جاءت على لسان الروايات الكثيرة في إشارة إلى ضرورة معرفتها وصولاً لمعرفة حقائق النص القرآني المقدّس، وإلا فإن مصير من يجهلها الهلاك والإهلاك إذا ما تحدّث في القرآن وتفسيره، فالنص القرآني تنبجس منه المعرفة من خلال تطبيق القواعد التي ذكرها أهل البيت (ع)، وهي بمثابة عناوين قانونية يمكن الدخول من خلالها لفهم النص القرآني والولوج إلى عالم الرؤية المعرفية، ليس في آيات القرآن وحسب، بل وفي آيات الكون والحياة، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[1].
وسوف نقوم بتفصيل ذلك عبر تناولنا (للمحكم والمتشابه) كنموذج توليدي للمعرفة المتجددة مع تجدّد الحياة.
(2)
مفهوم المحكم والمتشابه
لن ندخل في تفاصيل التعاريف التي أوردها العلماء للمحكم والمتشابه إلا أننا نشير إلى حقيقة هامّة حول الكثير من التعاريف التي وضعوها من ناحية إصطلاحية، وهي أن كثيراً منها افتقر إلى الجانب الإنتاجي للمعرفة وجانب كشف الحقائق والنفاذ بالبصيرة من ظواهر الأمور إلى بواطنها ومآلاتها.
هذه في نظري أهم ملاحظة أخذت على التعاريف الكثيرة التي ساقها العلماء لتعريف (المحكم والمتشابه)، وهذه الحقيقة .. حقيقة الكاشفية والإنتاجية ينبغي أن تكون من أهم المميزات للتعريف، فإذا فقدت، فقد التعريف روحه وتعطّلت عجلته، وبالتالي أصبح فاقداً للصوابية، حتى لو كان في التعريف وجه من وجوه المعنى، إلا أن الجزء المقوّم إن جاز لنا أن نقول هو بعد الإنتاجية وتوليد المعرفة، وذلك لأننا نلاحظ سياق الروايات التي تحدّثت عن مفردات علوم القرآن ومنها (المحكم والمتشابه) أنها تشير إلى ارتباط معرفتها بمعرفة حقائق الكتاب ودلالات النص، وإفاضاته على كل واقع يعاصره، من ذلك نستجلي أفقاً معاصراً متجدداً من قوله تعالى: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً)[2].
وقد التفت إلى هذا البعد الفيض الكاشاني في تفسيره، حيث قال: (وتحقيق القول في المتشابه وتأويله يقتضي الإتيان بكلام مبسوط من جنس اللباب وفتح باب من العلم يفتح منه لأهله ألف باب)[3].
لقد سيقت الكثير من التعاريف للمحكم والمتشابه، فمنهم من قال أن المحكم هو الذي قد استغنى بتنزيله عن تأويله، والمتشابه هو ما لفظه واحد ومعناه مختلف[4]، وقال بعضهم أن المحكم هو الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه هو الخفي الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً، وقيل أن المحكم هو الذي لا يتطرق إليه إشكال، والمتشابه فنقيضه[5]، وعدّ بعضهم الآيات المتشابهات أنها لا تتجاوز المائتين آية فقط[6]، وما إلى ذلك من تعاريف.
إطلالة اللغة
المحكم مأخوذ لغة[7] من الإحكام وهو الإتقان وأحكمه أي أوثقه، وهو أيضاً المنع، فإذا أحكم الفرس منعه وأرجعه. والمتشابه هو التماثل بين شيئين أو أكثر ومنه أخذ الإشتباه، وشبّه عليه الأمر أي لبّسه، والتبس عليه، والشبهة ما يلتبس بين الحق والباطل.
فالمحكم هو المتقن والموثق، فلذلك يمكن التعويل عليه والرجوع إليه.
أما المتشابه فهو المتماثل المؤّدي إلى الإلتباس بين ماهو حق وما هو باطل.
هدى من الروايات
ومن أجل تحقيق المعنى والوصول إلى المفهوم المراد قرآنياً كإصطلاح، يمكن العمل به والتعويل عليه، لابد أن نستضيء بنور الروايات الواردة عن أهل البيت (ع)، لنقرأها ضمن معطيات الآيات القرآنية.
1. عن أبي محمد الهمداني عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال: بعد سؤاله..(.. المحكم ما يعمل به، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضاً)[8].
2. عن أبي بصير قال سمعت ابا عبد الله (ع) يقول: إن القرآن فيه محكم ومتشابه، فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به، وأما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به).
3. عن مسعدة بن صدقة، قال سألت أبا عبد الله (ع).. (والمتشابه ما اشتبه على جاهله).
إيضاح المعنى
الروايات تعطينا دلالالت وضوابط نتعرّف من خلالها على مفهوم المحكم والمتشابه، فالمحكم هو الذي وصل إلى درجة من الوثوق فيتحوّل إلى المستوى العملي والتطبيقي، أما المتشابه فهو الملتبس الذي لم ينتقل إلى حيز التطبيق، لأنه لم يزل مجهولاً، والمتشابه أمر نسبي يتفاوت بين شخص وآخر حسب إنكشاف المعنى له، فكما يقول آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرّسي: (الناس ليسوا سواء في المحكم والمتشابه. إذ إن المحكم الذي يبدو واضحا عند فرد لأنه في مستوى فهمه - يكون متشابها عند فرد آخر،لأنه أعلى من مستواه).[9]
(3)
غاية المحكم إحكام المتشابهات
المتشابه هو مساحات الجهل التي تتولّد من الإلتباس العقلي، والمحكم هو عملية الوصول إلى المعرفة وإتقان الحكم، وهو المرجع العلمي الذي يلجأ إليه حال الإشتباه والإلتباس، ومزاولة عملية إحكام المتشابه هي عملية لتوليد المعرفة واكتشاف الحقائق المتنوّعة. وبتعبير آخر فإن المحكمات هي ثوابت القرآن والدين في جهة من جهاتها، والمتشابهات هي المتغيرات من الحوادث الطارئة والملتبسة.
يقول تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)[10].
فالآيات المحكمات هن (أم) الكتاب، والأم بمعنى الأصل، والأم هي الوالدة، ومن خلال الإستفادة من هدي الروايات السابقة نعي أن المحكمات هي الآيات الواضحات عند العقل البشري في جانب من جوانبها، ويعمل بها، ومجال العمل بها هو فك الإشتباه والإلتباس الحاصل عند العقل نتيجة جهله.
فلابد من أرجاع المتشابهات إلى أمهاتها لتتضح لدينا الرؤية، وتتم العملية كالتالي:
(المحكم) يتجه نحو (المتشابه) فينتج (محكم).
أو يردّ (المتشابه) إلى (المحكم) ليحكمه. فالعملية واحدة.
لذلك فإننا عندما نواجه المتشابه، فعلينا أن نسعى لإيجاد الآيات التي تحكمه وتظهر معناه.
وهذه هي تماماً حركة الحق والباطل التي شبهها القرآن..
(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[11].
(وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)[12].
فالمحكم هو (حق) جلي يقذف به على الإلتباس ليظهر الحق.
لأن اتباع المتشابه هو اتباع للإلتباس وهو (باطل) ولا يتبع المتشابه إلا الذين في قلوبهم مرض يبتغون به الفتنة كما في قوله تعالى:
(فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ)[13].
فالذين في قلوبهم زيغ يتبعون (المتشابه) قاصدين بذلك إيجاد (الفتنة) وهي الباطل. وهي التي توجد الإلتباس في المجتمع، أي توجد (المتشابه في المجتمع) ليضل من اتبعه.
والراسخون في العلم (الذين يعرفون المحكمات) هم الذين يعلمون تأويل الكتاب وصولاً للحق.
وقد جاء في وصف المحكم أنه فرقان، فعن أبي سنان: قال: سألت أبا عبد الله عن القرآن والفرقان، قال: القرآن جملة الكتاب وأخبار ما يكون، والفرقان المحكم الذي يعمل به، وكل محكم فرقان)[14].
والفرقان هو الذي يفرّق به بين الحق والباطل، كما في قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[15].
فالمحكم يفرق بين الحق والباطل، وهو تماماً ما يفعله من إزالة اللبس في العقل البشري. وروي عن الإمام الرضا(ع): (من ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ، ثم قال: إن في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ومتشابهاً كمتشابه القرآن، فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبّعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا)[16].
وهنا نورد آيات من سورة الحج تبين حركة إزالة (الباطل) بإحكام الآيات (سواء آيات الحياة والكون أو آيات القرآن). بعملية ممنهجة، ينبغي أن يحذو العقل البشري حذوها في طريق البحث عن المعرفة وعن الحق.
لنقرأ معاً قوله تعالى، ثم نتدبّر فيها:
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ . وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[17].
المرحلة الأولى: حدوث التشابه وهي (إلقاءات الشيطان).
المرحلة الثانية: عملية إزالة التشابه (فينسخ الله ما يلقي الشيطان)، فالله هو المرجعية.
المرحلة الثالثة: جلاء الحق (ثم يحكم الله آياته). عبر العلم والحكمة.
وبعد انتهاء عملية الإحكام تأتي النتائج كما يلي:
النتيجة الأولى : إن إلقاءات الشيطان (المتشابه أو الملتبس) فتنة يتبعها (الذين في قلوبهم مرض) وهي ذاتها النتيجة التي وردت في آية 7 من سورة آل عمران. (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ).
النتيجة الثانية: الذين يتبعون العلم (بالإحكام) يهتدون إلى الحق، فتصل قلوبهم للإيمان.
إن من خطط الشيطان وأعوانه ومرضى القلوب، إيقاع التشابه واللبس بين الحق والباطل، ليتّبع الناس الباطل، أو لتبرير أعمالهم، يقول تعالى: (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[18].
وتجدر الإشارة إلى أن وجود المتشابه في القرآن الكريم ليس أمراً سلبياً حسب ما أوردنا سابقاً، ولا يمكن أن يُعرَض من هذه الزاوية، كما حاول البعض التقليل من شأن المتشابه وتعليل وجوده (بأنه يعود إلى طبيعة لغة العرب، حيث أنها ذات أوضاع، لا تفي بإفادة المفاهيم الراقية والمتسعة سعة الآفاق، فجاءت التعابير القرآنية ـ في مثل هذه المعاني ـ مستعاراُ فيها، وبضرب من التشبيه والتمثيل، ليأخذ القاصر بظاهر التعبيرـ وربما يتغافل عن واقع المراد)[19] ، وهذا التعليل الذي ذكره الشيخ هادي معرفة (رحمه الله تعالى) حاول أن يبيّن أن وجود التشابه إنما هو لعيب في اللغة لا لعيب في صاحب الخطاب، بل وقد حصر الآيات المتشابهات في عدد معيّن وهو مائتا آية فقط، وفي مواضيع محدّدة، وهذا القول إضافة إلى أنه لا دليل عليه، فهو يعرض التشابه في عرض السلب، والقرآن الكريم يشير صراحة إلى وجود المتشابه في القرآن الكريم حتى وصف القرآن كلّه بانه متشابهاً في سياق الوصف والمدح في قوله تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [20].
(4)
علاقة المحكمات والمتشابهات بالواقع
المتشابه حالة تصيب العقل تجاه النص أو تجاه الواقع المنعكس على النص، فموضعها العقل البشري..وموضوعها (النص والواقع). ومن أجل إيضاح ذلك نأتي على مفردات هذه المقولة.
التفكّر في كتاب الحياة
إن القرآن الكريم يرشد الإنسان إلى ضرورة التفكر في الكون والحياة اليومية التي يمارسها الإنسان بحيث لا يكون معزولاً عنها وعن مجرياتها، ونجده في آيات كثيرة يرجع الإنسان إلى مطالعة الكون والإهتمام بالكائنات التي يعايشها أو بالظروف والممارسات التي تحيط به، أو بالحالات والمشاعر الفطرية التي تعتري الإنسان من حزن وفرح واستنفار ومرض وولادة وإستباق وخوف وحسرة وما شابه ذلك.. كل ذلك ليعطي للحياة ومجرياتها أهمية يمكن من خلالها اكتشاف الحقائق. فسنن الله في الكون والحياة لا يمكن أن تتبدّل من زمان إلى آخر.. فإن من يفقد ابنه العزيز على قلبه يعتصر حزناً ويذرف الدموع عليه، فذلك الشعور الفطري موجود منذ أن خلق الله البشر وسيبقى إلى آخر يوم من حياتهم.
وكل ذلك الخلق الكوني وما يحويه من مخلوقات أوجدها الله تعالى وفق نظام دقيق وميزان متطابق مع ميزان الحق، يقول تعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[21].
ومن تلك الحقائق الواضحة أن الله تعالى حدّد أوقات العبادات وفقاً لمقاييس الكون وحركة الشمس والقمر، وقال : (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)[22].
فقرآن الفجر يشهده الجميع ويستشعره كل عاقل، وكذلك آيات السماء والأرض هي آيات لقوم يعقلون.
قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[23].
فتلك الآيات هي سنن لا تقبل التبديل والتحويل..
لذلك فإن العلماء هم الذين يصلون لدرجة الخشية من الله لما عرفوا من حقائق وآيات الكون، في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[24]، فقد جاءت صفة العلم في سياق الحديث عن تعدد المخلوقات وصفاتها، مما يدل على أن العلماء هم العلماء بالطبيعة والكون، والمتفكرون فيها. لما يؤدّي ذلك العلم إلى نور الهداية عن طريق خشية الله تعالى، إذا ما تمّت عملية إيصال هذه المعرفة بنور الحق واتباع دلائل القدرة والعظمة والحكمة.
فمن هنا تبزغ أمامنا حقيقة ساطعة وهي أن حقائق الكون التي يشهدها العقلاء هي آيات محكمات يرجع إليها الإنسان في ضبط الفهم، وتقريب المعاني، وإنتاج المعرفة.
فعندما يريد الله تعالى أن يشعر الإنسان بضعف الحضارة التي تعتمد البعد المادي الشكلي، وتتخلّف عن البعد الغيبي والمضومون القيمي، يشبهها ببيت العنكبوت، لينسبق إلى الأذهان ذلك البيت المنظّم من حيث الشكل والنسق، إلا أنه يتطاير عند مواجهة نفخة بسيطة من فم إنسان، ليسشعر مقدار الضعف وخطر السقوط والإنهيار للحضارات التي ابتعدت عن قيم السماء، يقول تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[25].
وفي المقابل يحجّم القرآن الكريم كل جهود الكفار في وأد الرسالة وقيمها، ويصفها بأنها كالنفخ بالأفواه، والتي لا تؤثر شيئا على المشروع الإلهي لإتمام الرسالة.. حيث يقول تعالى:
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[26].
هنا يكون الواقع شارحاً ومبيناً لمقاصد النص، ليستوعبه العقل البشري استيعاباً محكماً.
وفي مثال يدل على إنسجامية آيات القرآن، وآيات الكون، يضرب الله لنا الأمثال لتعيها أذن واعية، فيقول تعالى:
(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ)[27].
فهكذا يضرب الله الأمثال فيكون ماء السماء بالنسبة للأرض، كنور العلم بالنسبة للقلوب، يستوعب كل بقدر سعته، فتسيل المياه في الأودية الأرضية بقدر إستيعابها، ويسيل العلم في الأوعية القلبية مستقبلة العلم كل بقدرها، وخيرها أوعاها كما في الحديث.
فخلق الله تعالى هو أمر واضح معروف ومشهود لكل الناس، لذلك هو مرجعية يحتج بها عليهم، كما في قوله تعالى:
(قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[28].
فالخلق واضح غير متشابه إلا أن الإنسان هو الذي قد يفقد البصيرة، ولا يستوي الأعمى والبصير.، وتنشأ المتشابهات في الواقع نتيجة اتباع الهوى والفتن والإستجابة لحالات الضعف، ونتيجة التحديات الناتجة عن تدافع الإنسان وصراعه..كما ذكرنا ذلك فيما مضى من إلباس الحق بالباطل في الواقع الخارجي، بل ينشأ التشابه في الواقع نتيجة الحاجة عبر التساؤل عن الأحكام وأفضل السبل وأجدى الخيرات وما شابه ذلك.. وقد عبّر المرجع الديني السيّد المدرّسي عن هذه الحالة من رد (المتشابه في الواقع إلى المحكم) برد الفروع إلى الأصول لمعرفة الأحكام[29].
مفهوم الحزن
إضافة إلى الأمثلة التي ذكرناها ندرج هنا مثالاً حول مفهوم الحزن في القرآن وكيفية الإستفادة من الحياة الفطرية للإنسان في بلورة المفهوم، يذكر هذا المقال المرجع المدرسي في حوار معه، ويقول :
"أضرب لكم مثلا حول (الحزن) في مورد ان من الفضائل عدم الحزن والخوف عند الموت (لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) فما هو معنى الحزن الذي لا يصيب الإنسان في تلك الحالة هل هو الكآبة، أم الإنقباض أم الندم أم ماذا، فكيف نفهم من الناحية الشرعية ان هذه الحالة حزن أم لا، وما هو مصدر هذا الفهم؟
أتصور أن بإمكاننا ان نعرف ذلك من خلال الآية المباركة على لسان النبي يعقوب (ع) (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) [يوسف : 13] ـ فهذه الحياة مليئة بالآباء الذين لديهم أبناء واذا غاب هؤلاء الأبناء عن أبائهم أو ضاعوا تصيبهم حالة عبر عنها القرآن بالحزن، ورغم ان الحزن ليس مفهوما غامضا وإنما هو من المفاهيم الواضحة، إلا ان في القرآن دائما ما يمكن ان تستنبط منه المعاني حتى في الأمور الواضحة، فعلاقة الإنسان بإبنه علاقة فطرية، وغياب الإبن عن أبيه يسبب شيئا ما في نفسه، هذا الشيء يطلق عليه القرآن (الحزن) فمن هنا نفهم ان هذه الحالة التي تحصل لدى الأب هنا لا تصيب المؤمنين يوم لقاء ربهم إذ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف : 13] ـ وهذه هي طريقة القرآن في كثير من الألفاظ إذ هو يوضحها في الأمور الحياتية اليومية التي يعيشها الناس حتى نفهمها في الأمور المعقدة"[30].
الفهم الخاطيء للواقع
لا يخفى أن مقصودنا من إتصال الواقع بفهم النص الديني والعكس، هو بالآلية التي طرحناها سابقاً ودللنا عليها، وليس المقصود هو ما يطرح في بعض البحوث المعاصرة من حاكمية الواقع الإستحساني أو الواقع الثقافي المعتمد على قيم قبليّة، وليس هو الواقع المعتمد على الفهم السطحي للأمور، كما يدّعي البعض من أن الواقع له حاكمية ومدخلية في فهم الخطاب والنص، من دون ضوابط تذكر، فيورد قوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)[31]. فيقول "حيث يلاحظ من جهة الواقع أن الريح لا يمكنها أن تدمّر كل شيء في عالم التكوين والخلق وما تدمّره هو أشياء بسيطة مقارنة مع ما هو موجود على سطح الأرض"[32].
وهنا وإن كانت النتيجة أن الريح المقصودة لم تحطّم كل شيء فعلياً، إلا أن جهة الفهم لا ينبغي أن تعوّل على الفهم القاصر للحقائق، فهو قد عوّل ذلك على عدم إمكانية الريح فعل ذلك، غافلاً عن قوله تعالى (بأمر ربها)، و(إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، فينتفي الإستدلال هنا في مقام الثبوت، حيث أن الله تعالى قادر على فعل كل شيء، ومن هنا ففي مثال الآية ينبغي أن يكون (كل شيء) متشابه ينبغي البحث عن أصله ومحكماته. أي ينبغي البحث عن متعلّق العموم الذي شمله التدمير، فملاحظة سياق الآية يقول تعالى عن نتائج ذلك التدمير (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) ، فإذا نظر إلى واقعهم لن يشاهد إلا المساكن خاوية من دون بشر أو متعلقات أخرى، فكل شيء (أي أنفسهم وأموالهم ماعدا المساكن لتدّل على أثرهم).. فتحكيم مساحات الجهل هو عين المشكلة التي تحدّث عنها القرآن في إتباع المتشابهات والتي تؤدّي إلى الإنحراف.
وفي ختام هذا المبحث ننقل رواية مهمّة توجه إلى الرجوع إلى كتاب الله عندما تلتبس الأمور في الواقع.
روى جعفر بن محمد بن مسعود عن أبيه عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس انكم في زمان هدنة وأنتم على ظهر السفر، والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المفاز.
فقام المقداد فقال : يا رسول الله ما دار الهدنة؟
قال: دار بلاء و انقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله امامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو [كتاب فيه] تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل، ليس بالهزل، له ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنازل الحكمة ودليل على المعروف لمن عرفه)[33].
(5)
الإحكام بين النص والواقع
عملية الإحكام التي ذكرناها وهي رد المتشابه إلى المحكم في النص القرآني، لا تنحصر في حدود النص، فقد تتم عمليتها داخل النص من أجل فهم النص، وأحياناً تتم داخل النص من أجل فهم الواقع، فهنا هي عملية إفاضة المحكمات من النص القرآني على متشابهات النص القرآني، وعلى متشابهات الواقع. كما أن محكمات الواقع يستفاد منها في معرفة متشابهات النص أيضاً، أما أثر محكمات الواقع على متشابهات الواقع فنترك الحديث عنها لعدم إرتباطها بمعرفة النص الذي هو مدار حديثنا، وإن كان الحديث فيها ذا فائدة.
وتأسيساً على ما سبق يمكن وضع تخطيط لمعادلات عملية الإحكام كالتالي:
· النص المتشابه ــ يردّ إلى ــ النص المحكم ــ ينتج ــ (الحق ، العلم).
· النص المتشابه ــ يردّ إلى ــ الواقع المحكم ــ ينتج ــ (الحق ، العلم).
· الواقع المتشابه ــ يردّ إلى ــ النص المحكم ــ ينتج ــ (الحق ، العلم).
آلية إحكام المتشابهات
من أجل تطبيق عملية إحكام المتشابه نحتاج إلى قواعد عامّة ندخل من خلالها إلى الأفق التطبيقي لمزاولة المعرفة وإنتاجها، خروجاً من البحث المفهومي إلى البحث التطبيقي، وعملية التقعيد هي العملية التي تمكننا من نقل المفهوم من العالم النظري إلى عالم التطبيق، ومن أجل ذلك نتعرّض لقاعدة قرآنية في بحثنا، نتطلّع إلى أن تفتح لنا أفق النص على الواقع وأفق الواقع على النص، نعرضها كمثال، ونسأل الله أن نوفق للمزيد.
والقاعدة هي بمثابة الدليل الذي يدل على الحدود والمفاهيم، كما في رواية عن عمرو بن قيس عن أبي جعفر (ع) سمعته يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله، وجعل لكل شيء حدّاً وجعل دليلاً يدل عليه..)[34].
الولاية (النموذج) محور الآيات المحكمات
للولاية (كنموذج) الأثر الكبير في معرفة المحكم من القرآن الكريم، ليمكن إرجاع المتشابهات إليها، والولاية التي نقصدها هي المستمدّة من ولاية الله تعالى على سبيل التعيين كما في قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[35].
فولاية الله والذين آمنوا في سياق هذه الآية هم أهل بيته الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
فلم يقتصر الله عز وجل على إرسال الكتب السماوية للبشر ليدعوهم إلى الهدى، وإنما بعث فيهم رسلاً منهم، وعيّن بعد الرسل أئمة يهدون بأمره، ليجسّدوا واقع الكتاب على الأرض، فيصبحوا قرآئين ناطقة ببيّناته وهديه، حيث قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)[36].
لذلك فإن معرفة الولاة الحقيقين هي بمثابة التسلّح بالنور وبمصابيح الهداية، أمام نص القرآن الكريم ذلك الكتاب المبين، فيتحد النور مع النور، ويكون مصداقاً للآية الكريمة:
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[37].
فمن خلال معرفة أهل البيت (ع) ومعرفة سيرتهم الإجمالية المتواترة يمكن التعرّف على حقائق هامّة ويمكن أن تنفتح أمامنا الأبواب المغلقة، وتتضح المبهمات وتنقشع السحب الملبّدة من سماء العقل والقلب، ليلامس الحقائق.
من هنا يتكوّن الإرتباط بين الولاية وبين (المحكم والمتشابه) في النص القرآني، فولاية أهل البيت (ع) هي محكمات وثوابت ولها ارتباط أساسي بمحكمات القرآن الكريم التي إذا عرفت أزيل اللبس وابتعد عن الزيغ، وهنا نورد بعض الروايات التي تدل على هذه الحقيقة المعرفية العظيمة.
· عن أبي عبد الله عليه السلام: ان الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن، وقطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، وبها نوهت الكتب ويستبين الايمان، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتدى بالقرآن وآل محمد، و ذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها: انى تارك فيكم الثقلين: الثقل الأكبر، و الثقل الأصغر، فاما الأكبر فكتاب ربى، واما الأصغر فعترتي أهل بيتي فاحفظوني فيهما فلن تضلوا ما تمسكتم بهما[38].
· عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن جده (ع) قال : خطبنا أمير المؤمنين (ع) خطبة فقال فيها: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، أرسله بكتاب فصله وأحكمه وأعزه وحفظه بعلمه وأحكمه بنوره، وأيده بسلطانه)[39].
قاعدة (المثل الأعلى)
من خلال المقدمة المذكورة يمكننا إكتشاف قاعدة تطبيقية يستفاد منها في معرفة المحكمات لرد المتشابهات إليها، ونطلق عليها، قاعدة (المثل الأعلى).
إن الله تعالى أوجد النموذج الأمثل والأعلى والأفضل والأكمل في القرآن الكريم، مقابل الأمثال الدنيا وأمثال السوء، والمثل الأعلى والأفضل هو النموذج الذي ينبغي أن يحتذى ومنه تنكشف الحقائق التطبيقية، وهذا هو الفرق بين الحقائق النظرية البحتة وبين الحقائق العملية التي تقوم بمهمّة الإيضاح والتعريف كمقاربة واقعية للعقل.
والقرآن الكريم لا يطرح قضية نظرية مجرّدة وحسب، وإنما يطرحها من جانب عملي أو واقعي، وفي سياقها الفاعلي في الحياة ، "فإنالقرآنالحكيملايحدثناعنقضيةفيجانبهاالنظري،إلا وتطرقإلىجانبهاالعمليأيضا،فلايدعالنظرياتبلابرامجعملية،كمالايتركالمناهج العمليةمندونجذورنظرية.
ولمسؤوليةالإنسانفيالحياةالدنياعلاقةبالمناهجالتيجاءتبهاالآيات،ولذلكقال بعضالمفسرينبأنالسورة (الكذائية) قدخصصتللبرامجالعمليةوقالبعضهم: بأنهاتبحث القضاياالنظرية.وكلاهماصادقفيتفسيرهلأنالسورةتحدثناعنالواقعكواقع،سواءكان نظرياأمعمليا"[40].
وقاعدة (المثل الأعلى) أو النموذج الأمثل، نجدها على مستوى حركة الإنسان وتوصيفاً له، في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[41].
كما نجدها في حركة الطبيعة وتوصيفاً لها، كسنة ثابتة ومشتركة، حيث يقول تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[42].
• ففي البشر يبيّن المثل الأعلى السلوك الأمثل من خلال النموذج الأكمل.
• وفي الكون، المثل الأعلى هو مظاهر الحكمة والجمال والعطاء كلها من الله تعالى.
• إذاً فآثار السوء في حياة الإنسان هي من سوء فعل الإنسان، وآثار الخلل في الطبيعة ونظام الحياة أيضاً يتحمله الإنسان، لأنه شذّ عن السلوك القويم، والصراط المستقيم.
فأهل البيت (عليهم السلام) الذين استمدوا ولايتهم من الله تعالى أعطاهم ربهم الصفات الحاكمة والمحكمة التي تكوّن (المثل الأعلى) كحالة تطبيقية، فمن هنا جاء تعبير (القرآن الناطق) كدلالة على الحركة العملية المجسّدة لقيم الله على الأرض، وفي القابل (مثل السوء) هو لأعدائهم، الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، وجسّدوا الرذائل بشتّى صورها.
ونذكر هنا مجموعة من الأحاديث تؤكّد هذه الحقيقة، وهذه القاعدة.
• عن مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (ع) عن ابيه عن جدّه قال: قال أمير المؤمنين (ع) سموهم بأحسن أمثال القرآن يعني عترة النبي (ص)، هذا عذب فرات فاشربوا، وهذا ملح أجاج فاجتنبوا)[43].
• عن أبي الجارود قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول (نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع في فرايض وأحكام، وربع سنن وأمثال ولنا كرائم القرآن)[44].. وفي رواية (نزل القرآن أثلاثاً ثلث فينا وفي عدونا..). وفي رواية (ثلث فينا وأحبائنا..).
• عن محمد بن مسلم قال : قال أبو جعفر عليه السلام : يا محمد إذا سمعت الله ذكر أحدا من هذه الأمة بخير فنحن هم. وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممن مضى فهم عدونا"[45].
مثال بارز
· قال تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)[46].
فإن الرسول (ص) يشهد الله على صدق نبوته أمام أهل الكتاب، والظاهر من الآية أنه أشهد قوماً آخرين من جنس البشر وهم (من عنده علم الكتاب)، فمن هم هؤلاء؟.
الظاهر القرآني يفيد أن هنالك مجموعة من العلماء كان لديهم علم الكتاب الذي يؤمنون به، فلديهم دلائل النبوّة، ويمكن لمن ينكرها أن يرجع إليهم، وهذا المعنى وجه من وجوه الآية، إلا أن هنالك وجه آخر يمكن الركون إليه من خلال قاعدة (المثل الأعلى) فمن عنده علم الكتاب هم أهل البيت (ع) فتكون شهادتهم للرسالة شهادة مستديمة غير منقطعة، وخصصناهم لأنهم قد أشير إليهم كمرجعية للشهادة وكعلماء بالكتاب.
(وقد وردت الروايات الكثيرة من المعصومين (ع) التي تؤكّد أن المعني بهذه العبارة هو أمير المؤمنين (ع) والأئمة المعصومين من ذريته(ع)، ولا ريب في أن أئمة أهل البيت (ع) هم أبرز مصاديق (ومن عنده علم الكتاب)، فقد سئل الإمام الباقر (ع) عن هذه الآية، فقال: (إيانا عنى، وعليّ أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي(ص))[47].
وفي رواية معبّرة تعبيراً صريحاً بما نحن بصدده، فقد جاء عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) عن قول الله (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) فلمّا رآني أتتبع هذا وأشباهه من الكتاب، قال: حسبك كل شيء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنى به)[48].
قال الفيض الكاشاني بعد بحث لطيف عن هذا الحديث: (وقد فتح هذا الحديث باباً من العلم انفتح منه ألف باب)[49].
· عن الإمام أبي عبد لله الصادق (ع): (من أراد أن يعرف حالنا وحال أعدائنا فليقرأ سورة محمد (ص)، فإنه يراها آية فينا وآية فيهم)[50].
· وتطبيقاً لقاعدة (المثل الأعلى) يمكن بكل يسر أن نعالج آية (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَن جَاءهُ الْأَعْمَى) التي اختلف فيها المفسرون، وقد اشتبه اشتباهاً عظيماً من قال أنها نزلت في رسول الله (ص)، فالعبوس فعل منفّر، فلا يتطابق مع (الخلق العظيم) الذي تحدّث عنه القرآن الكريم منسوباً للرسول (ص)، فتطبيق قاعدة المثل الأعلى يقتضي صرفها عن الرسول (ص)، وإن قال بعض أن الخطاب في السورة جاء موجهاً إليه (ص)، فالقرآن الكريم (نزل بإياك أعني واسمعي ياجارة) كما قال الإمام الصادق (ع)، فأي ذم أو تقريع أو عمل سلبي في القرآن الكريم لابد أن يعرف فيمن هو، فهي مصاديق (للمثل السيء) والتي هي من صفات أعداء أهل البيت (ع).
ما هي فوائد هذه القاعدة؟
1/ معرفة طريقة تطبيق الأحكام من ناحية بشرية. (كان خلقه القرآن) و (تخلّقوا بأخلاق الله).
2/ معرفة أبعاد خفية في الآيات وآفاق اخرى غير ما يستفاد من الظاهر. (القرآن الناطق).
3/ معرفة حقائق تاريخية يمكن الرجوع إليها وتحكيمها عند ورود الاختلاف.
4/ معرفة حقائق عقيدية من خلال معرفة مقامات أهل البيت (ع) وفضلهم.
شمولية قاعدة (المثل الأعلى)
ولا تقتصر قاعدة المثل الأعلى على معرفة السلوك الأمثل من خلال أهل البيت(ع)، وإنما هي قاعدة عامة تشمل كافة الأفكار القرآنية والمعارف والأنظمة، مقابل الأفكار البشرية الضالة أو الأنظمة المبتدعة الشاذة عن النظام القرآني، كما قال تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)[51].
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً)[52].
فقاعدة المثل الأعلى هنا تجترح جانباً آخر من توليد المعرفة، متصلاً بإرجاع النماذج والأنظمة البشرية في كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والإقتصادية، إلى النماذج والأمثال القرآنية لتحكمها. وهو من قبيل (إرجاع المتشابه الواقعي) إلى المحكم القرآني.
وننقل في هذا السياق كلاماً للمرجع المدرسي في تفسير (من هدى القرآن) من دون زيادة أو نقصان، لما رأينا أنه يلبّي المطلوب..
(ربنا الرحمن شافى بالقرآن أمراض المجتمع البشري المتمثلة في الثقافات الجاهلية. فكلما طرحت فكرة جاهلية غامضة جاء الوحي بالحق المبين:
(وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)[53].
ما هو المثل؟
يبدو أن كل مجموعة فكرية يعبر عنها بمثل (أو حسب تعبيرنا اليوم بشعار) والأمثلة عند الناس تختزل حشدا متناسقا من الأفكار، وتعبر عن سلسلة فكرية متشابكة.
ولتوضيح ذلك دعنا نضرب مثلا:
ألف: العشائرية نهج اجتماعي، وقيمة فكرية كان شعارها " أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي على الغريب "
ولكن القرآن يقول: (ُكونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)[54] ،إن هذا هو الحق يواجه ذلك المثل الشائع.
باء: القومية إطار سياسي يعبر عنه المثل ينفيه القرآن بقوله (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ)[55] وتقابلها العالمية الإسلامية التي يقول عنها الرب: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[56]
جيم: وهكذا عبادة الأصنام منهج سياسي عبرت عنه قريش بشعارهم في غزوة أحد: قال أبو سفيان: (اعل هبل) وقابلها الرسول بالحق حيث قال-: الله أعلى وأجلّ».
وهكذا في سائر الحقول جاء الوحي منجّما لكي يواجه الثقافات الجاهلية مثلاً بمثل أحسن، وفكرة باطلة بحق واضح ذا تفسير حسن بليغ"[57].
ومن هنا يجد السيد المدرّسي أن (أسباب النزول) عبارة ليست دقيقة على نزول القرآن منجّماً، فالوقائع لم تكن سبباً لنزول الآيات، وإنما كانت مصاديق وتأويلات لها[58]، وهذا المفهوم يتناسق مع فهم قاعدة (المثل الأعلى) وما يقابلها من (مثل السوء).
خاتمة
عندما نقرر أن بعد التوليد المعرفي هو البعد الأهم، بل هو سر وجود المتشابه القرآني لتتفرّع منه الأحكام والمعارف، فإن بحوثنا في المحكم والمشابه يمكنها أن تأخذ أشكالاً مختلفة عن السائد في التعاطي مع علوم القرآن الكريم، لذلك فإن عين الباحث ستكون موجّهة نحو إكتشاف مزيد من القواعد التوليدية التي تنفتح منها كثير من الأبواب، وبناء على ذلك نشير إلى ضرورة التالي:
· النظر لعلوم القرآن الكريم كأدوت معرفية لإنتاج المعرفة.
· الإنتقال من البحث المفهومي، إلى البحث الآلي (البحث عن القواعد العملية والقانونية).
· ضرورة البحث عن المحكمات كأصول ترجع إليها الفروع المتشابهة.
· توسع البحث بين (النص والواقع) لإكتشاف علاقة (الإحكام والتشابه) بينها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد (ص)، وعلى آله الهداة الميامين (ع)، وأصحابه المنتجبين.
v ورقة مقدّمة لمؤتمر العودة إلى القرآن الكريم، المنعقد في سوريا برعاية (حوزة القائم (عج) العلمية)، بتاريخ 2-4/2008م ـ عنوان العام للمؤتمر: فهم النص بين الحاضر وهيمنة التراث.
[1] / سورة فصلت : 53
[2] / سورة الكهف : 109
[3] / تفسير الصافي، للفيض الكاشاني، ج1،ص31.
[4] / راجع تفسير القمّي، علي إبن إبراهيم، ج1.
[5] / راجع "مناهل العرفان في علوم القرآن" الشيخ محمد عبد العظيم الزماني"طبق لما قرره مجلس الأزهر في دراسة تخصص الكليات الأزهرية" المجلد الثاني.
[6] / رأي الشيخ محمد هادي معرفة في كتاب (التأويل في مختلف المذاهب والآراء)، ص14
[7] / راجع لسان العرب، والمحيط ، والمنجد.
[8] / الروايات الواردة هنا جاءت في تفسير العياشي، وتفسير الصافي، والبحار، والوسائل وغيرها من الكتب المعتبرة./ راجع تفسير العياشي ج1، ص10.
[9] / راجع تفسير (من هدى القرآن) للمرجع المدرسي، ج1،ص77 ـ الطبعة الجديدة.
[10]/ سورة آل عمران : 7
[11]/ سورة الأنبياء : 18.
[12] / سورة الإسراء : 81
[13] / آل عمران : 7
[14] / تفسير العياشي، ج1،ص9
[15] / سورة البقرة : 185
[16]/ وسائل الشيعة ، الحر العاملي، ج27،ص115
[17] / سورة الحج : 52 - 54
[18] / سورة البقرة : 42
[19]/ التأويل في مختلف المذاهب والآراء، المحقق الشيخ محمد هادي معرفة، ص 15.
[20]/ سورة الزمر : 23
[21]/ سورة الحجر : 85
[22] / سورة الإسراء : 78
[23] / سورة البقرة : 164
[24] / سورة فاطر : 28
[25] / سورة العنكبوت : 41
[26] / سورة الصف : 8
[27]/ سورة الرعد : 17
[28] / سورة الرعد : 16
[29] / راجع التشريع الإسلامي، ج2،ص 172.
[30] / مجلة البصائر الدراساتية.
[31] / سورة الأحقاف : 25
[32] / جدلية الخطاب والواقع ، يحي محمد، ص44
[33]/ تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 2 – 3
[34] / تفسير العياشي/ ج1، ص6.
[35] / سورة المائدة : 55
[36]/ سورة المائدة : 15
[37] / سورة النور : 35.
[38] / تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 5.
[39] / تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 7 – 8
[40] / تفسير من هدى القرآن ، المرجع المدرسي، ج4/ص429 ـالطبعة الجديدة.
[41] / سورة النحل : 60.
[42] / سورة الروم : 27
[43] / تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي ج1، ص13.
[44] / العياشي، ج1، ص9
[45] / تفسير العياشي - محمد بن مسعود العياشي - ج 1 - ص 13
[46] / سورة الرعد : 43
[47] / تفسير (من هدى القرآن) المرجع المدرسي ،ج4،ص222
[48] / تفسير العياش/ج1/ص13.
[49] / تفسير الصافي/ج1/ص28
[50] / (من هدى القرآن) عن تفسير نور الثقلين، ج5، ص 25
[51] / سورة الفرقان : 33
[52] / سورة الكهف : 54
[53] / سورة الفرقان : 33
[54] /النساء : 135
[55] / فصلت: ٤٤
[56] / الأنبياء : 92
[57] / تفسير من هدى القرآن ، المرجع المدرسي، ج6،ص124.
[58] / راجع تفسير من هدى القرآن، ج12،ص29.
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
- دراسة: دعاء أهل الثغور: بين ملابسات الواقع السياسي، والدور الحضاري للإمام السجاد (ع) - 2016/10/26
- بينات من فقه القرآن.. منهجية جديدة في عالم التفسير - 2012/04/12
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30
- بحث: السنن وحركة العقل البشري - 2010/09/28
- المجال الرسالي في تفسير من هدى القرآن - 2009/10/11
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 49029 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35949 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33874 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 32123 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28589 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20507 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 20036 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19918 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19851 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15918 مرُة