كذلك سار الأصحاب الأوفياء وخيرة أهل الأرض في ذلك الزمان، حيث تشهد لهم كتب التاريخ والمقاتل بأنهم لم يقصروا في تبيان الحق وأداء النصح وبعضهم نقلت له أكثر من خطبة رغم الاستجابة الضعيفة جدا–إن لم تكن معدومة- والرد بالسلاح من المعسكر المقابل في أحيان كثيرة.لم تكن ممارسة النصيحة محاولة لقلب موازين القوى وتحقيق الغلبة، فنتيجة المعركة كانت محسومة سلفا وقد أخبر الإمام الحسين(ع) عامة الناس بمصيره قبل مسيره، ولكنها كانت محاولة لإنقاذ الغافلين والمغرر بهم من الطرف الآخر، وترسيخا لمبدأ الأمر بالمعروف وإلنهي عن المنكر في نفوس الأجيال المتعاقبة لمركزيته في حفظ الدين وصلاح الشؤون الدنيوية، وأداء للواجب الإنساني والديني في تبيين الحقيقة والتذكير بها "لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ"(5).
لحظة تفوق الخيال!!بلغت رحمة الحسين(ع) وتفانيه في إنقاذ البشرية وتخليصها من شرورها درجة تعجز العقول عن إدراك كنهها، وتكل الألسن عن وصفها، ومن صور هذه الرحمة وهذا التفاني لحظة فاقت الخيال وتجاوزت حد التصور. لحظة قابلت فيها الرحمة والطهارة الوحشية والدنائة.
عندما كان إمامنا الحسين(ع) ملقا على رمال كربلاء الملتهبة غارقا في دمه الطاهر، تربّع الشمر على صدره المقدس وقبض على لحيته الطاهرة ليحز رأسه الشريف، لكن الإمام(ع) مع ذلك بذل مسعاه الأخير وما بقي من جهده في نصح عدوه! الحسين(ع) على صخرة المنحر ينصح ناحره! يا له من موقف تقف له الإنسانية إجلالا وإعظاما مدى الدهر. خاطب الإمام(ع) شمرا اللعين محاولا ثنيه عن أكبر جريمة، قائلا: "أتقتلني ولا تعلم من أنا؟ فقال: أعرفك حق المعرفة: أمك فاطمة الزهراء، وأبوك علي المرتضى، وجدك محمد المصطفى، وخصمك العلي الأعلى أقتلك ولا أبالي"(6) وفي رواية أخرى: "..فقال(ع): أيما أحب إليك، الجائزة من يزيد، أو شفاعة جدي رسول الله(ص)؟ فقال اللعين: دانق من الجائزة أحب إلي منك، ومن جدك"(7).
فلنسر على درب الحسين(ع)إحياء ذكرى الحسين(ع) لا يتم باعتبارها أحداثاً تاريخية نقرؤها ونسمعها كل عام، فالقراءة والاستماع ومراسيم العزاء هي وسائل لغايات عملية تؤثر في واقع الأمة عبر العمل بسيرة ومبادئ الحسين(ع). ذكرى الحسين(ع) ترسم برنامجا شاملا يتطلب تحركا عمليا -لا عاطفيا فقط- ممن يحيي هذه الذكرى لينصر إمامه الحسين(ع) ويحيي مبادئه وسيرته.
فلنبالغ في النصيحة لأمتنا ولنبذل غاية المجهود في الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فلتكن همتنا أعلى من كل الجرائم والانحرافات، ولا تثنينا الإحباطات والمواقف السلبية عن أداء هذا الواجب المقدس، فقائدنا الحسين(ع) الذي أعذر في الدعاء وبذل مهجته في الله ليستنقذ العباد من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى والرشاد، ونحن على خطه سائرون إن شاء الله تعالى حتى نلقى الله وقد أدينا الأمانة.===================
* كاتب من السعودية
(1) تحف العقول، للشيخ أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، ص174(2) مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي، زيارة العباس(ع) ص509(3) لسان العرب، مادة بلغ(4) بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج45، عنوان: فيما قاله مولانا الحسين(ع) في يوم العاشورا لجماعة الكوفي من النصايح والمواعظ.(5) سورة الأنفال، الآية42(6) بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج45، عنوان: في شهادة الامام أبي عبد الله الحسين(ع).(7) موسوعة كلمات الإمام الحسين(ع)، إعداد قسم الحديث في معهد باقر العلوم(ع)-منظمة الإعلام الإسلامي، عنوان(آخر لحظات عمره(ع)).
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 49029 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35949 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33875 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 32125 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28589 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20507 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 20037 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19918 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19851 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15918 مرُة