الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين..

من مسلمات العقيدة الإمامية أن النبي وأهل بيته هم معدن العلم وخزان الوحي، وهم أعلى مراتب الراسخون في العلم، كما جاء في الحديث:

عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) قال: الراسخون في العلم أمير المؤمنين والأئمة من بعده. الكافي ج1ص 213

وقد أودع الله تعالى العلم في صدورهم عليهم الصلاة والسلام، كما جاء عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول في هذه الآية (بل آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) فأومأ إلى صدره. (الكافي، 1/213

ولمعرفة مصادر العلم وكيفية جريانه عند أهل البيت عليهم السلام، يمكننا أن نرسم خارطة لتقرّب الفهم وتحدّد المفاهيم الواردة في العديد من الروايات وتضعها موضعها، لتتسق الرؤية، ولتصدق الآيات والأخبار بعضها بعضها.

1/ مصدر العلم هو الله عز وجل، وهو الذي أودعه في قلوب أهل البيت (ع) كما ذكرنا في الروايات السابقة.

2/ وقد أجراه الله تعالى بكيفيات، أهمها:

أ/ علم القرآن الكريم، الذي فيه تبيان كل شيء، فعن عبد الأعلى مولى آل سام قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: والله إني لأعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره، وكأنه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل (فيه تبيان كل شيء). الكافي 1/229)

ب/ علم الأنبياء والكتب السماوية عن طريق الوراثة من نبي إلى نبي حتى وصل إليهم عليه السلام، فعن زرارة والفضيل عن أبي جعفر (ع) قال: إن العلم الذي نزل مع آدم (ع) لم يرفع والعلم يتوارث، وكان علي (ع) عالم هذه الأمة وإنه لم يهلك منا عالم قط إلا خلفه من أهله من علم مثل علمه أو ما شاء الله. (الكافي 1/223)

عن الفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله (ع): إن سليمان ورث داود وإن محمداً ورث سليمان وإنا ورثنا محمداً وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور وتبيان مافي الألواح، قال: قلت إن هذا لهو العلم. قال: ليس هذا هو العلم إن العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة. (الكافي 1/225)

ج/ العلم الحادث بالوقائع وبما يستجد في الحياة المعاصرة للإمام، وهذا العلم يعلمه الإمام عبر تعليم الله له من خلال القذف في القلوب والنقر في الأسماع، بالإلهام أو عبر الملائكة، كما جاء عن أبي الحسن الأول (ع).. أما الحادث ـ من العلم ـ فقذف في القلوب ونقر في الأسماع). الكافي 1/264

ولهذا جاء في الحديث: عن أبي عبد الله (ع) قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم عُلّم. (الكافي 1/258)

وقد تولّد من هذه المصادر العلمية وعلى الخصوص من القرآن الكريم وارث الأنبياء عدة أسفار علمية فيها أحكام تفصيلية وأخبار بالوقائع، ذكرتها مجموعة من الروايات الشريفة، ومنها:

الجامعة: وهي صحيفة بإملاء رسول الله (ص) وخط الإمام علي (ع)، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاجه الناس إليه حتى إرش الخدش. فالجامعة بمثابة القوانين التي تنظم حياة الناس في عباداتهم ومعاملاتهم.

الجفر: وهو عبارة عن وعاء يشتمل على علوم الأنبياء الماضيين وعلماء بني إسرائيل المتصلين بالرسالات السماوية.

مصحف فاطمة: ويحتوي على معارف بحجم القرآن ثلاث مرات، وتتركز أكثر شيء على ما يجري من أحداث مستقبلية، وفيها حول الحكام وتحولات السياسة.

وهذه الأسفار العلمية المباركة تنتقل من معصوم إلى معصوم، وهذا ليس على سبيل الحصر ولكن هذا ما اشتهر في لسان الروايات الصادرة عن أهل البيت (ع)، ولعل هناك المزيد من الأسفار العلمية، كما كانت (الصحيفة السجادية) التي هي زبور آل محمد، وقد أملاها الإمام زين العابدين عليه السلام على ابنه زيد رضوان الله عليه، وتوارثها الأئمة بعده.

وإن استفادة المعصوم من أحد تلك الأسفار لا يعني أنه لا يقدر على الاستفادة المباشرة، ولكنه يعتمد ما جاءه وورثه من المعصوم الذي سبقه، ومثاله عندما ينقل بعض الأئمة حكماً من الأحكام ويذكر رواية عن رسول الله (ص)  أو عن المعصوم الذي سبقه، فهو يتمكّن من معرفة الحكم من القرآن الكريم مباشرة ولكن يأتي أحياناً برواية، وهذا الأسلوب له أسباب عدة، منها علمية كالاستفادة من العلم التفصيلي الحاضر، لعدم الجهد الإضافي مثلاً، ومنها مراعاة للظروف المحيطة..

ومن هنا يمكننا معرفة كيفية معرفة أهل البيت (ع) لعلم الغيب الذي يطلعهم الله تعالى عليه عبر الوسائل المختلفة، خصوصاً إذا عرّفنا الغيب بأنه ضد الشهود، وكل أمر خفي عنا سواء في التاريخ الغابر أو في الحاضر الذي لم نشهد مكانه أو المستقبل الذي لم يأت زمانه فهو غيب، وبذلك فإن أهل البيت يعلمون الغيب، وهناك غيب اختص الله به ولم يطلع عليه أحداً، كما دلت الآيات المباركة في هذا الشأن.

والله العالم والموفق

محمود الموسوي

 

من مؤلفاتنا