في تحليل لكتاب (الثقافة الرسالية): بملتقى الكتاب.. الموسوي: لا يمكن للمجتمع أن ينهض دون القراءة

1238532538المصدر: مركز بني جمرة الإعلامي.
في إفتتاح ملتقى الكتاب المُنظم من قبل "مركز بني جمرة الإعلامي" وبالتعاون مع مجلس عائلة البدر أستضاف سماحة السيد محمود الموسوي بيوم الخميس مساء الجمعة 26-3-2009م لتعريف وتحليل كتاب ( الثقافة الرسالية ). اذا يعد هذا المشروع (ملتقى الكتاب) نقله من واقع مجتمعي بعيد عن القراءة إلى مجتمع مهتم بالكتاب والقراءة. .

 

وقد أفتتح السيد محمود الموسوي كلمة الإفتتاحية بتوجيه الشكر الجزيل للقائمين على هذا الملتقى الثقافي (ملقتى الكتاب) متمثلاً "بمركز بني جمرة الإعلامي" على هذا المشروع الطيب الذي يعزز مكانة الكتاب بالمجتمع الإسلامي.

وبين سماحته فضل ومكانة القراءة حين قال: إن مكانة القلم والكتابة والتدوين بشكل عام جاءت من أهل البيت سلام الله عليهم ، حيث نرى الكثير من الروايات التي تؤكد على هذا الأمر (قيدوا العلم بالكتاب) و (ما كُتب قر وما حُفظ فر) وأيضاً أنه عمل بني آدم منقطع إلا من ثلاث (ولد صالح يدعو له وصدقة جارية وكتاب علم يُنتفع به) فيبقى الكتاب كالصدقة الجارية لأنها تؤثر بإعتبار أنها تؤثر بالمجتمع، فكلما تأثر شخص من الأشخاص دخل ذلك الميت ايضاً الثواب الكثير، هذا يٌبين لنا مكانة الكتاب بالمجتمع وأيضاً أول آية قرآنية نزلت على الرسول الأكرم (أقرأ) والتي تدعو إلى القراءة،فإنه لا يمكن للمجتمع أن ينهض دون القراءة.

ظروف التأليف
وبعد الإفتتاحية تكلم سماحة السيد محمود الموسوي عن ظروف تأليف كتاب (الثقافة الرسالية) التي كان بداياتها في عام 1967م، في تلك الفترة التي كانت معروفه بعام النكسة التي هزم الصهاينة القوى العربية المكونه من عدة دول عربية والدعم اللوجستي من بقية مجموعة الدول العربية الأخرى، في هذا العام صارت المجتمعات العربية والإسلامية في نكسة كبيرة جداً وبالنتيجة المجتمعات العربية والإٍسلامية كانت في حالة إحباط من القوى العربية المنهزمة.

ففي تلك الظروف ظهرت مجاميع إسلامية بالعراق وكانت هناك مجاميع أخرى في العديد من الدول العربية والإٍسلامية ولكن الكلام حول خصوصية هذا الكتاب وتحديداً في كربلاء سُميت بالمجاميع الرسالية، هذه المجاميع كانت تحت قيادة مرجعية شابه في ذلك الوقت هو الإمام السيد محمد الشيرازي رحمة الله عليه وبعده كان السيد المدرسي القيادة الثانية في تلك الفترة، فكانوا يمررون نشرات سرية خاصة إلى هذه المجاميع تحت مسمى (المرصد الرسالي) وهو عبارة عن مجموعة أفكار إسلامية مستنبطة من الكتاب والسنة تعبر عن فكر نهضوي حضاري سُمي بالفكر الرسالي.
وبعد هذه المرحلة جاءت مرحلة أخرى وأمتدت من 1967م إلى 1979م سنة إنتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الامام الخميني رضوان الله تعالى عليه،
ومن عام النكسة وحتى عام إنتصار الثورة الإسلامية في إيران كان تداول هذه الأفكار على نحو من السرية وبطرق محدودة وأيضاً كان التداول نفسه لم يكن تداول الأفراد وإنما تداول جماعات وحتى بعد أن ظهر الكتاب إلى العلن، فقد كانت تتداوله المجاميع بالتدريس أكثر من تداول أفراد.

وفي تاريخ الكتاب حيث لم يكن هناك تاريخ دقيق يعرف منه سنة الإصدار، إلا أن قراءات السيد محمود الموسوي توصلت إلى أن تاريخ الكتاب كان أوائل السبيعينات، وتكوين الفكر في نهاية الستينات، وينقل عن الشيخ عبدالغني عباس في كتاب (تطلع أمة) يتكلم عن الكتاب ويقول في بداية السبعينات أصبح متداولاً في العديد من الدول الإسلامية وكان التداول تداول حركات أكثر ما كان تداول أفراد وحتى على المستوى السني رغم بداياته طرح صريح للتشيع ولكن كان يُنتخب منه بعض الأفكار، والحركات الأخرى في لبنان وتحديداً تُدرسه المقاومة الإٍسلامية لأفرادها، وأخذ حيز كبيراً من التداول وكما هو معلوم بأن السبعينات والثمانينات كانت هناك ظروف أمنية كبيرة.

ظروف التداول

وحيث أن في تلك الفترة كان الوضع الأمني حساساً وتداول مثل هذه الكتب التي تتحدث على التشيع وعن النهوض شيء خطير، تحدث سماحته عن ظروف تداول الكتاب ومعايشته لبعض هذه الظروف، وكشف عن أن الكتاب يحمل اسم مؤلف مستعار وأكد على أنه المؤلف الحقيقي للكتاب هو سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي: أن تداول هذا الكتاب  في بداياته كان في ظروف سرية وكان تداول محدود للمجاميع وليس للأفراد ولأنه نخبوي فكان يتداول بين النُخب ولو كان نوعي سيكون متداول بشكل مختلف للأفراد والمجامع، وبعد ذلك تم التداول للأفراد، وأيضاً ظروف التداول للأفراد كانت تحكمه الحالة الأمنية التي كانت تحكم البلدان العربية والإٍسلامية في ذلك الوقت، كانت بدايات إنتصار الثورة الإسلامية في إيران بدايات استنفار في العديد من الدول وخوف من المد الإسلامي القادم بفكر نهضوي وتحديداً المد الشيعي وكانت الشعارات التي حملتها الثورة الإسلامية في إيران من شعارات التحرر وشعارات دعم قوى المقاومة والحركات التحرر فأصبح لدى المنطقة خوف شديد، لهذا كان تحت ظروف أمنية حساسة وشديدة، واتذكر أنني عايشت بعض هذه الظروف، حيث كنا ننقل الكتاب بأواني الطبخ (القدور)، فكنا نستغل شهر رمضان بحكم أن الأهالي يتبادلون الطبخات فيه، فكنا نخبأ الكتاب أو الكُتب بشكل عام بين هذه الآواني والصحون ولكن ليس مألوفاً في تلك الفترة أن يتجول أحد وهو يحمل كتاب ما، ولهذا طُبع الكتاب بأسم الكاتب (أحمد ناصر) ولكن هو بالحقيقة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي، هو كتبه في بدايات العشرينات من عمره، وما زال لهذا اليوم يصدر بأسم (أحمد ناصر) وطُبع منه العديد من الطبعات وتعبر بعض الطبعات عن قدم الكتاب وتعبر عن ظروف التداول، وكان يُطبع في العديد من الدول بحسب موقع الكتاب المُتداول، وأحدى الطبعات كُتب عليها آية قرآنية كحرز (بسم الله الرحمن الرحيم. لا تخاف دركاً ولا تخشى ) وهذا يدلل على حساسية الظروف في تلك الفترة.

مضامين الكتاب

ولخص السيد الموسوي الكتاب بشكل سريع عبر تخليصه بالأتي: كتاب (الثقافة الرسالية) ينطلق من النظره إلى الواقع بالمجتمعات الإسلامية والواقع المتخلف السائد في ذلك الوقت الذي يعيشه المجتمع الإسلامي، فانطلق الكتاب من هذا الواقع وتفسير هذا الواقع وسبب التخلف الذي وقع فيه المسلمون وأنتهى إلى أن هناك حالة طلاق سماها الكتاب بين (الشيعة والتشيع) وهو تحديداً تناول المجتمع الشيعي، بإعتبار أنه المجتمع الشيعي هو التعبير الصادق عن التوحيد وهو الإمتداد الحقيقي لرسالة التوحيد وهو بالنتيجة يريد لهذا المجتمع أن ينهض، الانفصال بين الإسلام وثقافة المسلمين، هناك ثقافة للمسلمين يعيشها المسلمون وهناك ثقافة للإسلام، هذا الانفصال سبب حالة التخلف.

لذلك جاء الكتاب ليؤسس مجموعة من المفاهيم التي أختص بها الفكر الشيعي تحديداً، هناك مفاهيم مثل التقية والإمامة والإنتظار، مثل الفقيه والتقليد والشفاعة، هذه المفاهيم هي خاصة بالفكر الشيعي، وجد الكتاب أن هذه المفاهيم بالواقع الشيعي فُهمت على خلاف ما يريد لها الفكر الإسلامي، فعلى سبيل المثال فُهم الإنتظار على أنه التقاعس والإنزواء بالبيوت حتى يظهر الإمام الحجة "عج"، لهذا جاء الكتاب ليعطي مفاهيم جديدة مؤسسة من الكتاب والسنة لهذه المفاهيم، وأيضاً دراسة تاريخية لهذه المفاهيم، فيعبر الكتاب على أنه مفهوم الإنتظار هو على العكس إنتظار الامام الحجة"عج" لشخصه الناهض علينا أن نكون ناهضين، وينبغي أن نعد العدة لنكون من رجالات الإمام الحجة"عج"، ينبغي أن نغير وأن نحمل رسالة الإمام"عج" في المجتمع، وكذلك مفهوم الفقيه، وتقليد الفقيه ورسالة الفقيه وقيادة الفقيه، يعني زمن الغيبة هل هو زمن إنقطاع الإمامة وليس للإمامة إمتداد، بالطبع لا لأن لها إمتداداً، وهم الفقهاء الذين يتصدون للقيادة، الفقهاء الذين يستوعبون الإسلام بكل شمولي ونهضوي، هؤلاء هم الإمتداد لأهل البيت"ع"، فالإمتثال لهم والإنقياد لقيادتهم.

جاء الكتاب ليعطي هذه المفاهيم كالشفاعة، فهماً رسالياً ناهضاً، فهل الإنسان يتكل في أعماله ولا يكون مسئولاً ولا يقترب من الطاعات وإنما يعتمد على شفاعة أهل البيت"ع" في الآخرة؟ ، بالطبع لا، لأن الشفاعة هي فكرة مسئولة بإعتبار الإنسان يجب أن يؤهل نفسه للحصول على الشفاعات وكما في الحديث (لا ينال شفاعتنا مستخفاً بصلاته) فلا يمكن لأي انسان مقصر أو متعمد بالتقصير أن ينال شفاعة أهل البيت"ع"، كل تلك المفاهيم جاء الكتاب وقال أن لها (شكل ومحتوى) لها إطار ومضمون، كل تلك المفاهيم لها رسالة ولها مقاصد وغايات، جاءت لتطبقها بالمجتمع، لذلك الإسلام جاء بمجموعة من العبادات، وهذه العبادات ليست مجرد طقوس، الشعائر الدينية بكل عام، سواء الحج أو الشعائر الحسينية ليست هي فقط حالة شكلية أو فلكلورية، وإنما فيها مضامين جاءت لتعززها بالواقع الإسلامي، كل شعيرة .. كل عبادة.. كل مفهوم يطرحه الدين له رسالة واضحه جاء ليحققها في الواقع.

فعندما ينفصل المحتوى عن الإطار تكون الحالة قشرية، فجاء الكتاب ليتكلم عن الحالة القشرية بشكل مركز عليه، فوصولنا للحالة القشرية يعني إنتزاع هذا المحتوى والإبقاء على الشكل والإطار والشعار دون المطلوب، فعالج الكتاب هذه المشكلة لكي يصل إلى الغاية وهو التغلب على التخلف ليصنع مجتمعاً ذا شخصية رسالية ناهضة ببذل ثقافة اسماها بالثقافة الرسالية.

مفهوم الثقافة الرسالية

تكلم في البداية عن الثقافة ودور هذه الثقافة في المجتمع، الثقافة لها دور بشكل عام عرف الثقافة انها المعارف التي تعطي الإنسان البصيرة في الحياة ونور يضيء به الناس، ثم جاء ليتكلم عن الثقافة الرسالية ما الذي تتميز به على الثقافة بمفهومها العام، الثقافة الرسالية عرفها بالتالي: ( الثقافة السليمة، الإنسانية، الشجاعة، التي تنتج الاصلاح الجذري لمشاكل الأمة اليوم) ثقافة بهذا التصور جاء الكتاب ليقول أنها لابد أن تأخذ منبعها من ومفاهيمها وتوجيهاتها من فكر إسلامي أصيل، هذا الفكر الأصيل منبعه القرآن والقرآن لا بمفهومه التقليدي ايضاً وإنما ايضاً جاء الكتاب ليعطي القرآن تصوراً على أنه كتاب حياة، فليس القرآن الكريم كتاب تبرك فحسب .. وليس هو كتاب أخلاق فحسب.. وليس كتاب أحكام فحسب ..وليس كتاب قصص تاريخية فحسب.. وإنما يتصل بحياة الإنسان بشكل شامل، فلخص كتاب (الثقافة الرسالية) على أنه القرآن الكريم كتاب حياة ويعني يتكلم عن الاقتصاد ويتكلم عن السياسة يتلكم عن الاخلاق ويتكلم عن التاريخ، يتكلم عن كل ذلك بما يتصل بالحياة، فهو كتاب حياة وناهض ويبعث الحياة في الانسان، لذلك هناك توجيهات كثيرة يعرضها الكتاب للقرآن نفسه وللرسول"ص" وللأئمة عليهم السلام، وقال رسول الله"ص" (اذا ألتبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن) هذا نموذج من الروايات للرسول وأهل بيته الطيبين الطاهرين.

المسؤولية

وأبرز الميزات التي تطرق لها السيد محمود الموسوي للكتاب هو: مسألة المسؤلية من أبرز مميزات الثقافة الرسالية، والحديث فيها بشكل عميق وواسع جداً من ناحية علمية ايضاً ومن ناحية تشريعية، ولكن بشكل عام أقول أن الانسان خُلق وجاءت الرسالات لتكلف الانسان بمسئولية ما، والرسالات لم تأت لتعطي الانسان حالة عبادية فردية وحسب، بل جعلت له مسئولية ايضاً تجاه هذه الرسالة.

وأنتهت الندوة التي أتحف السيد محمود الموسوي الحضور بتحليل وتلخيص رائع ومفهوم واضح للكتاب، جعل من شرحه وندوته نهاية نقاشية حول الكتاب والعديد من النقاشات التي تصب في نفس الإتجاه الذي ظهر به الكتاب وخصوصاً في ذلك الوقت، وعن مدى حضوره ومدى الاستفادة منه في الوقت الحاضر والمستقبل، والأهمية القصوى لمثل هذه المؤلفات على واقع الشيعة والتشيع والمفاهيم الشيعية التي فهمها البعض بشيء ناقص في حين وضحها الكتاب بشكل أفضل وشموليه ليغير واقع عاشه المسلمون بشكل عام والشيعة بشكل خاص في تلك الفترة والنتائج التي أحدثها الكتاب بعد إنتشاره في شتى بقاع العالم.

من مؤلفاتنا