هل تود أن تعلم من هو القادم من العالم الآخر؟
سأخبرك بالإجابة، ولكن قبل ذلك، أريد أن تثير عقلك وحسّك معي حول الواقع من حولك بنظرة سريعة.
هل لاحظت أشياء في حياتك لم تعجبك؟
في ذاتك.. في أهلك.. في أصدقائك.. في مجتمعك.. في أمتك؟
بكل تأكيد أنت وجدت أن الدين الذي يعتنقه الناس ينادي بشيء، وسلوك الناس تنحى جانباً آخر عنه، فترى مظاهر الفساد عند البعض، وترى مظاهر التقاعس عند بعض آخر، وترى مظاهر الفشل عند آخرين، ومظاهر التفكك والتنازع في بقاع أخرى.
لِم نذهب بعيداً؟ لنأتي إلى أنفسنا، وندقّق قليلاً ونتساءل:
هل أنت راضٍ عن سلوكك؟
لماذا مازلت أحتفظ ببعض العادات السيئة؟ ولماذا يتملكني الشعور بالضيق في أحيان كثيرة؟ ولماذا لا تؤثر عباداتي على حياتي؟ ولماذا لا يستجاب دعائي؟ ولماذا كلما حاولت الرجوع عن الأخطاء أعود لها مرة أخرى؟
وبالرغم من أنك تقدمت في العمر، وتسلحت بالعلم، إلا أنك لا تزال تبحث عن الراحة النفسية، وتفتقد البركة في الرزق، وينقصك التوفيق في الحياة.. وبكلمة فإنك تقرّ أننا لسنا كما ينبغي أن نكون.
لا تفقد الأمل.. فباب الأمل مفتوح، وقبل أن نتكلم عن هذا الأمر، سأخبرك عن إجابة التساؤل الأول، ثم نواصل:
من هو القادم من العالم الآخر؟
إنه أنتَ.. نعم أنت، ستكون كذلك إذا دخلت من باب الأمل الذي سيغيّر من واقع شخصيتك إلى واقع أفضل، فإننا أمام المشاهد التي تحدثنا عنها، نحتاج إلى أن ننفتح على عالم آخر غير عالمنا الذي ملئ بالسلبيات والمساوئ، لنصحّح من مسارنا، ثم نأتي إلى هذا العالم من جديد، وبحلّة جديدة.
لا أشك أنك سمعت عن أشخاص أو قابلت أشخاصاً تعجّبت من سلوكهم وطريقتهم في الحياة، أشخاصاً رأيت في وجوههم نوراً وفي أنفسهم طمأنينة، وفي قلوبهم رحمة، وفي أعمالهم بركة، وفي حركاتهم توفيق!.
وقد تكون شعرت تجاههم أنهم قد جاءوا من عالم آخر، أو أنهم قد لا يكونوا ولدوا من أب وأم مثلنا، أو أنهم لم يمرّوا بما نمرّ به في حياتنا من مصاعب..والحال أنهم بشر مثلنا، وقد يكونوا مرّوا بظروف أشدّ قسوة مما مررنا بها..
الفرق أن أولئك جاؤوا من عالم آخر ليكونوا أشعة وأنواراً في هذه الحياة، لهذا عاشوا الحياة التي يريدونها لا الحياة التي تريدها لهم الظروف، فتغلّبوا على كل المصاعب وتخطوا كل العقبات وأجبروا ظروف الحياة أن تسير معهم.
أن تعيش كشخص تنتمي إلى العالم الآخر لا يعني أنك ستكون معصوماً من كل زلل، بل يعني أنك تحاول أن تكون كذلك، ويعني أنك تعرف كيف تتعامل مع زلّاتك وأخطائك، وإن لهذه الحياة درجات، تتحدّد درجة المرء فيها بمقدار ما اجتهد في استلهامه من العالم الآخر.
العالم الآخر هو العالم الربّاني المقدّس هو عالم الرّوح التي هي من أمر الله تعالى، إنه ـ هنا ـ عالم (الدعاء) وهو انتقال الروح من هذا العالم إلى عالم آخر لتستمدّ منه القوّة لتواجه بها الحياة، أليس "الدعاء سلاح المؤمن"؟[1] كما قال الرسول (ص)، و"الدعاء ـ أيضاً ـ مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح"[2] كما قال الإمام علي (ع)، و" فيه شفاء من كلّ داء"[3]. كما قال الإمام الصادق (ع).
إذاً ينبغي أن نغيّر من نظرتنا إلى الدعاء، فإنه ليس مجرّد لقلقة لسان نتلفظ بها، بل إنه رحلة عروج الروح إلى العالم الرباني، لنقتبس منه القوّة، ونستنزل منه الرحمة، ونستورد منه الخير، ونسترفد بركات الله وتوفيقاته من أجل تغيير حياتنا إلى الأفضل.
إضافة إلى كل ذلك فإن نصوص الدعاء هي أنوار معرفية صدرت من أفواه ساداتنا الأطهار النبي محمد (ص) وأهل بيته (ع)، وهم معدن العلم وبيت الوحي وهم أمراء الكلام ومخزن البصائر، لهذا فإن التدبّر في نصوص الدعاء من شأنه أن يعطينا ـ إضافة إلى التوجّه والخشوع ـ عدة أشياء:
- عمق المعرفة واكتشاف الحقائق.
- خارطة الحياة الطيبة وسننها الثابتة.
- مناهج التفكير السليمة.
- خطط التدبير الصحيحة.
- طرق المجد وسبل النجاح.
- مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات النفسية.
- التسديد الإلهي والتوفيقات الخفية.
وأكثر من ذلك..
إذا كنت تريد أن تكون القادم من العالم الآخر، فلنمضي خلال هذا الكتاب في رحلة نورانية مع أدعية شهر رمضان اليومية القصيرة، التي وردت عن نبينا الأكرم (ص)، لنعيش بصائرها ونرتدي حللها الربّانية، ثم نأتي إلى عالمنا هذا من جديد.
بين يدي الدعاء
نتناول ثلاثين دعاء موزعة ومرتّبة على أيام شهر رمضان المبارك، وقد رويت كل الأدعية في رواية واحدة، عن ابن عباس عن النبي (ص)، وقد ذكر لها فضلاً كبيراً ، وقد ذكرها العلماء في أشهر كتب الأدعية، كتقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي، في كتابه (البلد الأمين)، وذكره في كتابه الآخر (المصباح: جنة الأمان الواقية، وجنة الإيمان الباقية)، وذكر نص الأدعية السيد بن طاووس في كتابه (إقبال الأعمال)، وكذا نقله العلاّمة المجلسي في (بحار الأنوار)، إضافة إلى العلماء المتأخرين،كالمحقّق الشيخ عباس القمّي في كتاب (مفاتيح الجنان)، والمرجع الديني السيد محمد الشيرازي في كتابه (الدعاء والزيارة)[4].
بين يدي المنهج
- النظر لكل دعاء كوحدة موضوعية، جرياً مع فقراته على الأساس الموضوعي المختار، ولا يعني ذلك الانحصار في السياق الذي جرينا عليه في البحث.
- اعتماد خواتيم الدعاء كمنطلق موضوعي للموضوع باعتبارها مواد متوسّل بها أو غايات منشودة.
- إيضاح مفردات الدعاء ضمن المتن وفي سياق عرض الأفكار، للمحافظة الشكل الموضوعي.
- دعم فكرة الدعاء بالآيات والروايات، واستيضاح الآفاق الموضوعية منها.
- الاقتصار على الاستفادة من نصوص الأدعية والاكتفاء بذكرها دون ذكر ثوابها، لعدم تشعّب موضوع الأدعية.
- اعتماد العرض والأسلوب التربوي للاستفادة من بصائر الدعاء.
وختاماً نسأل الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفع به الناس، إنه الموفق والمستعان، بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
محمود الموسوي
البحرين/ بني جمرة
10رجب الأصب 1433هـ
[4]
/ لنا رسالة في اعتبارية هذه الأدعية المروية مرسلاً، مستفادة من آراء العلماء الأعلام، رأينا عدم تضمينها الكتاب لعدم التشويش على هدف الكتاب.
|