بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وآله الطاهرين.

لقد ورد في عدة مصادر أن الخيل الذي ارتحل عليه الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة إلى كربلاء وخاض به غمرات القتال حتى استشهد هو من خيول النبي (صلى الله عليه وآله)، بحسب ما رأينا في موضعين:

الموضع الأول: عند خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة، وضمن استعداداته للرحيل، قال: ائتوني بفرس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع بعض مختصات النبي (صلى الله عليه وآله) مثل السيف والدرع. جاء في موسوعة الإمام الحسين (ع): " فلمّا تهيّأ عليه السّلام للرّكوب من المدينة إلى مكّة أمر بإحضار فرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم". ج1،ص369

الموضع الثاني: عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أخذ يلطّخ ناصيته بدم الإمام عليه السلام. نقلته بعض المصادر بصورةٍ وكأن الراوي هو الذي يذكر أنه من خيل النبي (صلى الله عليه وآله)، كما في مقتل الحسين لأبي مخنف: "فلما نظر عمر بن سعد إلى فرس الحسين قال: يا ويلكم آتوني به، وكان من جياد خيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فركبوا في طلبه"، ونقلته بعض المصادر على لسان عمر بن سعد (لعنه الله)، كما في مقتل ابن المقرّم: "وأقبل الفرس يدور حوله ويلطّخ ناصيته بدمه فصاح ابن سعد دونكم الفرس فإنه من جياد خيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأحاطت به الخيل فجعل يرمح برجليه حتى قتل أربعين رجلا وعشرة أفراس". ص297

أما فيما يتعلّق بالتعجّب عن كيف يكون من خيول النبي (صلى الله عليه وآله) مع طول المدة بينهما، فهنا نقاط:

النقطة الأولى: لقد ذكرت بعض المصادر أنه فعلاً من خيول النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد انتقل لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم للحسين (عليه السلام)، ومما جاء فيها: "فلمّا تهيّأ عليه السّلام للرّكوب من المدينة إلى مكّة أمر بإحضار فرس رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم يدعى المرتجز فركبه، وهو الفرس الّذي شهد به خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين، وكان صاحبه رجلا من بني مرّة اشتراه صلّى اللّه عليه واله وسلّم بالمدينة بعشرة أواق، وأوّل غزوة غزا به صلّى اللّه عليه واله وسلّم غزوة أحد، وكان من جياد خيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله سلّم، على ما رواه ابن قتيبة في المعارف. ثمّ انتقل بعده إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وهو ركبه يوم صفّين، على ما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفّين. ثمّ انتقل بعده إلى ابنه الحسين عليه السّلام، فركبه يوم الطف". موسوعة الإمام الحسين (ع) ج ١، ص ٣٦٩

وعلى ذلك، فنفس الفرس كان عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا ليس غريباً من الناحية البيولوجية، من جهة أن أعمار الخيول المتعارفة في زماننا تتراوح بين 25 سنة إلى 50 سنة، وقد سجّل لبعض الخيول أعمار فاقت الستين سنة، وهذا يعتمد على أصالتها وطبيعة صحتها، ومع المعطيات التاريخية عند شراء النبي لها في السنة الثالثة للهجرة، ومع معرفة أن سن بلوغ الخيول من 4 إلى 5 سنوات، فإنه يمكن أن تكون عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) بعمر 63 سنة، وهو أمر ممكن.

النقطة الثانية: أن أعمار الخيول في الماضي يمكن أن تكون أطول بكثير من الآن، فيكون الأمر أكثر اعتيادية.

النقطة الثالثة: لو فرضنا عدم إمكان بلوغ الخيل لهذا العمر بيولوجيا، فهو ممكن في قدرة الله تعالى، وهو أمر واضح جداً، خصوصاً أن بعض المصادر تذكر أن هذا الخيل سيظهر عند ظهور الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)، فإن صح الخبر فلا غرابة، فإن الله بيده مقاليد الأمور.

النقطة الرابعة: مع فرض عدم توفّر المعلومات التاريخية عن الخيل بأنه هو عينه الذي كان عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فيمكن أن يفهم ذلك بأن خيل الإمام الحسين (عليه السلام) الذي يسمّى الميمون والمرتجز ويسمّى ذو الجناح، هو من سلالة خيل النبي (صلى الله عليه وآله)، فيمكن أن يطلق عليه أنه خيله، كما كانت العادة بأن بعض الخيول ذات السلالات الأصيلة يتم المحافظة عليها. إلا أن الأفضل حمل الكلام على ظاهره وهو أن الخيل نفسه هو خيل النبي (صلى الله عليه وآله).

تكلّم خيل الحسين (عليه السلام)

أما حول تكلّم الخيل في يوم الطف عند توجهه لمخيم الإمام الحسين (عليه السلام) بعد أن سقط الإمام روحي فداه من فوق ظهره، فهو من جهة الثبوت والإمكان هيّن، وقد ورد في القرآن الكريم أمثلة ذلك من تكلّم النملة وتكلم الطير، وقد قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}. (سورة الإسراء 44)، ولا شك أن هناك لغات لمختلف الحيوانات تتفاهم بها فيما بينها، ولكن الإنسان لا يعلم تلك اللغات إلا من علّمه الله تعالى كالنبي سليمان (عليه السلام)، أما ظهور كلامهم للإنسان بنفس لغته، فهو أيضاً قد جرى في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من باب الإعجاز وبيان الحق مما لا مجال لذكرها.

أما من حيث الوقوع فقد ورد في مصادر متعددة بأنه عند رجوعه للمخيم كان يقول (الظليمة الظليمةمن أمة قتلت ابن بنت نبيها)، ويبدو أن هذه الكلمات لم يسمعها الناس حينها، ولكنها إخبار من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) وذلك لسببين:

الأول: أن الخيل قام بتلطيخ ناصيته بدم الإمام كي تعلم النساء في المخيم أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد قتُل، وبالفعل هذا ما فهمنه عند قدومه، وهذا ما نقلته كتب المقاتل. فهو قد قام بحركة رمزية ظاهرية مع تأثره البيّن وخلو سرجه من الإمام فعلمت النساء من ذلك شهادة الإمام، وهذا ما يفهم أيضاً من عبارة زيارة الناحية المقدّسة:

"أَسْرَعَ فَرَسُكَ شَارِداً، وَإِلَى خِيَامِكَ قَاصِداً، مُحَمْحِماً بَاكِياً. فَلَمَّا رَأَيْنَ النِّسَاءُ جَوَادَكَ مَخْزِيّاً، وَنَظَرْنَ سَرْجَكَ عَلَيْهِ مَلْوِيّاً، بَرَزْنَ مِنَ الْخُدُور".

الثاني: أن عبارة تكلّم الخيل بتلك الكلمات، قد وردت في عدة مصادر عن معصومين، أي أنهم هم الذين أخبروا الناس فيما بعد ما كان يقوله الحصان في حمحمته وصهيله حال رجوعه للخيام، فنقل العلامة المجلسي في البحار عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "فَقَالَ ذَكَرْتُ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ عَطْشَاناً بِطَفِّ كَرْبَلَاءَ حَتَّى يَنْفِرَ فَرَسُهُ وَ يُحَمْحِمَ وَ يَقُولَ الظَّلِيمَةَ الظَّلِيمَةَ لِأُمَّةٍ قَتَلَتِ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا".  ج‏44، ص: 266

ونقل في البحار أن الله تعالى يُخبر النبي موسى (عليه السلام) عن كلام الفرس، ونقل المقرّم في مقتله عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، أنه كان يقول: "الظليمة الظليمة، من أمة قتلت ابن بنت نبيها". ص283

السيد محمود الموسوي

من مؤلفاتنا