في رحاب كتاب...
القدم التي بقيت هناك
مذكرات يومية للأسير السيد ناصر حسيني بور في سجون العراق السرية..
يأخذك السيد ناصر حسيني في مذكراته باتجاه ألوان قاتمة من الحياة، وألوان من الأمل، في سبعمائة صفحة كلها خطوات سطر فيها روح الجهاد والتحدّي، كمقدّمة، ثم تنتقل معه إلى ضفّة المرارة بكل معانيها، وإلى موضع الألم بأعمق إحساس فيه، وإلى ساحة المعاناة بأوسع صورها، وهي مجريات الأيام بل أحاسيس اللحظات التي كان يقضيها في السجون السريّة للطاغية صدام حسين، ضمن أسرى الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات، الطوامير التي كانت تخفي أكثر من مائتي ألف أسير عن عيون الصحافة والصليب الأحمر وكل العالم، فلا يعلم أحد عن وجودها فضلاً عن أشباح أشخاص تسكنها.
سنتان قضاهما سيد ناصر منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانيين، إلى عام التسعين، عندما بدأ أسره في جزر مجنون، توالت عليه أحداث عالمية مهمة، ابتدأت بإسقاط الطائرة الإيرانية المدنية، وتجرّع السم عند إيقاف الحرب، ووفاة قائد الثورة السيد الخميني، واجتياح الكويت، ثم تبادل الأسرى، قد نحتها على صفحاته، بكل ما تعبّر عنه من معاناة فرضتها عليه قساوة العدو وحقده الدفين لمعاني الحرية، والإنسان، والدين، والمذهب، والعرق، وسطّر صنوف المحاكاة، والتعلّم، والتعاون، والتحدّي، والولاء، وبريق الدين وحب القيادة، ونسج في مذكراته كما كان ينسج منسوجات السجن، خيوطاً من أمل تتكلل بلقاء الأحبة الذين فقدوا كل الأمل في الحصول على أي أثر لابنهم الشاب اليافع، ولكنه بفضل من الله عاد دون رجله اليمنى التي بقيت هناك..
س. محمود الموسوي