الإمام الرضا (ع) والحضور الحيوي للنبي (ص) في واقع الأمة

127907464الإمام الرضا (ع)

والحضور الحيوي للنبي (ص) في واقع الأمة

السيد محمود الموسوي

     لقد ذكرت كتب التاريخ أن الإمام الرضا (عليه السلام) بعدما أرسل له المأمون من يصطحبه من مدينة جده رسول الله (ص) إلى مرو؛ لتنصيبه كرهاً لولاية العهد، أنه قام بمجموعة مهام قبل الخروج النهائي من المدينة، وينبئ عن بدء مرحلة جديدة من تاريخ الأمة الإسلامية وتاريخ الإمامة في بعدها السياسي.

.

ومن تلك المهام التي أنجزها الإمام الرضا (عليه السلام) هي زيارته لقبر جده المصطفى (ص)، حيث تدوّن المصادر التاريخية أنه كان يلجأ إلى القبر ويعلو صوته بالكباء والنحيب، فكانت زيارة وداع وشكوى، ثم أخذ ولده الإمام الجواد (ع) وكان حينها طفلاً صغيراً، فأدخله على قبر رسول الله ووضع يده على القبر، فكانت تلك زيارة استحفاظ ورعاية وتوصية.

نقرأ في هذا الحدث التاريخي أن النبي (ص) كان حاضراً في حياة الإمامة، لم يكن القبر حاجزاً عن التواصل معه، فاليقين يدعوهم للتواصل المستمر مع النبي (ص)، كما فعل ذلك الإمام الحسين (ع) قبل خروجه من المدينة في وداعه الأخير متوجهاً نحو كربلاء.

فكانت الدلالات عديدة لحدث تواصل الإمام الرضا (ع) مع قبر النبي (ص) عبر الزيارة، فهي رسائل سياسية تخبر عن تحولات قادمة، وهي رسائل عقائدية تتضمن معاني الولاية ونوع الوصايا التي يريد الإمام أن يبثها للمجتمع آنذاك.

من خلاصة التواصل الحيوي مع قبر النبي (ص) نتفهّم ذلك اليقين لحضور مفهوم (الزيارة) في واقع الأمة الإسلامية، ومدى الأهمية التي ينبغي أن تعطى، فالرسائل السياسية والفكرية مازالت قائمة وستبقى في كل زمان، لذلك جاءت الروايات بالحثّ على زيارة الأئمة بشكل ملفت ومؤكد ومتعدّد.

إن مفهوم الزيارة في دلالته اللغوية فيه معنى الإنتقال من الزائرإلى المزور، وفي الروايات فيه معنى (شدّ الرحال)، وفي القرآن الكريم فيه معنى القصد والمجئ (جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)، كل ذلك ليعطي أهمية للتواصل الروحي والجسدي بالمعصومين في كل آن، لذلك ورد في الزيارة أنهم (اَعْلامُالْهُدى)، فهم الأعلام في كل زمان حتى بعد شهادتهم، ولهذا يرجع قول السيدة زينب (ع) لزين العابدين (ع) عن قبر الإمام الحسين (ع) (ينصبون علماً لقبر أبيك الحسين لا يدرس اثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام..)، فمشاهدهم المقدّسة وعلوّ شأنها، حقيقة قرآنية ثابتة كما في الآيات: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، رفعة تكوينية كما أنبأت السيدة زينب (ع)، في مقابلها مسؤولية الرفعة من كافة المؤمنين عبر عمارتها مادياً عبر البناء وتعاهد الزيارة والمشاركة في مواسم الزيارة المستمرة ودون انقطاع، وعبر العمارة المعنوية بذكر الله وتجديد العهد مع النبي (ص) وأهل بيته(ع) والإقتداء بمنهجهم القويم.

_______________________

[1]- إن كافة المفاهيم التي سقناها كإشارات سريعة في هذا المقال المقتضب، قد حققناها بتفصيل في كتابنا الثاني حول الزيارة والذي نأمل أن يرى النور قريباً.

من مؤلفاتنا