شعار السلمية.. مقاربة حسينية

ashr مقالات عاشوراء (4): شعار السلمية.. مقاربة حسينية

السيد محمود الموسوي

 

.

 

 

شعار السلمية.. مقاربة حسينية

السيد محمود الموسوي

يناقش منظرو الحركة الإسلامية مبدأ السلمية في التحرك المطلبي أو عند القيام بعمليات التغيير الحضاري والسياسي تحديداً، ويأتي في مقابل ذلك خيار القوّة والعنف كأساس للتحرّك، ولكلّ منحى من هذه المناحي استدلال، سواء يستلّ هذا الدليل من الإرث المعرفي النصوصي العقدي، أو من خلال المقاربة الواقعية والمنطقية.

فقد قالوا أن مبدأ السلمية واللاعنف، يعتمد على قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وفي الجانب الواقعي فإنهم يقولون أن هذا النهج أقل ضرراً وأبلغ للحجة، واستدلّ من قال بالتحرك الذي يلجأ للقوّة والعنف، أن قوله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ هي الدليل على ذلك، كما أن الواقع يحتّم عليك أن تتبنّى مقولة: ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة.

وقد يبدوا للوهلة الأولى أن التمايز بين النهجين من الواضحات، وأن التباين والتباعد بينهما بيّن، إلا أن الحقيقة ليست كذلك، فهنالك تداخل بينهما، وهنالك ما هو أصل وما هو فرع، وهنالك مسألة الابتداء ومسألة الدفاع، فلا يمكن الحديث عن النهجين بنوع من التسطيح والتغافل، فهذه المسيرة الحسينية المباركة توضّح لنا الفروق والخطوط الفاصلة بين النهجين، فقد كان الإمام الحسين (ع) مع أخيه الإمام الحسن (ع)، في تحرّك سياسي وحضاري سلمي، وعندما وجد الإمام أن الأمر استلزم رفع درجة المواجهة من أجل الدين، فقد نهض وحشّد لذلك رجالاته واستدعاهم للوقوف إلى جنبه، ومع كل ذلك لم يبدأ القوم بقتال، إلا أنه عندما اعتدي عليه قام وجرّد سيفه وسيوف من معه لنصرة الدين والدفاع عن الحرمات.

إن الخطاب المغالط الذي يصف الحراك الجماهيري بالعنفية عندما تدافع الجماهير عن نفسها أو حتى عندما تقوم باحتجاجات سلمية بحسب الفهم السياسي الدولي، يأتي ـ ذلك الخطاب ـ من مصادر تريد وأد أي تحرّك للشعوب ضد الظلم والعدوان، ليكون الناس في سبات ليلعب أمثال يزيد بمقدرات الأمة ويستعبد طائفة منهم، فترى عمق المغالطة واضحة حال احتياج الدول والحكومات إلى صدّ التحركات بالعنف، فإنها تبرر لنفسها بألف تبرير.

فمن هنا يمكن أن نتخذ الخارطة الحركية المتوازنة بين النهجين، في قول الله تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). 

وفي الحدث التاريخي نستلهم من سيرة الإمام الحسين (ع) بشموليتها المؤشر التصاعدي للحراك الجماهيري ونوعه.

من مؤلفاتنا