كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء، مناقشة في الشعار

كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء

مناقشة في الشعار

المصدر: كتاب أيام عاشوراء، السيد محمود الموسوي.طبع ٢٠٠٨م

 

Untitledلأن الثورة الحسينية ثورة قيمية تنتج القيم والمناهج لكل من يهتدي بهديها، فإن واقعنا يزخر بمقولات اقتدائية واستلهامية تعبّر عن أفهام أصحابها لطبيعة الثورة الحسينية، ومن الطبيعي أن تلك المقولات قد تتعرض للإستنتاج الصائب أو الخاطئ، إذ هي خاضعة لفهم واجتهادات من أصحابها.  

ومن تلك المقولات شعار (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، وأود هنا أن ألقي نظرة على هذا الشعار من حيث المحتوى ومن حيث مناسبته مع قيم كربلاء، لا من أجل الترف الفكري ولكن ذلك لسببين: أولهما أننا ينبغي أن نعي مقولاتنا وشعاراتنا وعياً واضحاً، لما تتركه من أثر في الوجدان الشعبي والمجتمعي، وهي مسؤولية تدخل في عموميات الوعي وشروطه، تحت قاعدة (ما من حركة إلا وتحتاج فيها إلى معرفة) كما قال الإمام علي(ع).

 والسبب الثاني: الذي دعى لتخصيص الحديث حول هذا الشعار دون سواه، هو أنني لاحظت بعض الآراء في الساحة ترفض هذا الشعار وتعتبره خطأ، بل ويذهبون إلى أنه يئد كربلاء ويلغي خصوصيتها.

وقبل مناقشة هذا الإدعاء لابد أن نلفت الإنتباه إلى أن هذا الشعار أخذ حيزاً واسعاً في الساحة الإسلامية الحديثة والمعاصرة منذ نهاية السبعينات وإلى أواخر التسعينات من القرن المنصرم، خصوصاً عند الحركات الإسلامية السياسية والمطلبية، وهذا ما يكسبه إضافة تستدعي منّا المناقشة.

وكان ممن استعمل هذا الشعار في كتاباته هو المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره) ، والمرجع المعاصر السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله)، -وغيرهما من رواد الصحوة الإسلامية-. 

فقد قال الإمام الشيرازي (إن ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة وقتية لتموت بعد زمان، وإنما كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة مادامت الدنيا باقية، ومادام يتقابل جيشا الحق والباطل والهداية والضلالة، وهذا هو سرّ تحريض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الكرام المسلمين على الاحتفال بذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء والحفلات التأبينية بمختلف أشكالها، طول الزمان، وإلى هذا يشير ما ينقل من أنه : (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء)[1].

 ورجوعاً لدعوى من رفض هذا الشعار، نرى أن اعتماد الرفض (حسب ما ذكر) هو الرواية المروية عن الإمام الحسن (عليه السلام) وهو يخاطب أخاه الإمام الحسين (ع) قائلاً: (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله)، واعتماداً على الروايات العديدة التي تؤكد شرفية أرض كربلاء وتربتها على سائر بقاع الدنيا، فهذا اليوم يوم استثنائي وهذه الأرض هي أرض استثنائية، ويأتي استنكار من يرفض ذلك الشعار فيقول، فكيف يكون (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء)، وتحت طيّاتها كل ذلك الاستثناء والتميّز؟

 فما من شك ولا ريب في أن يوم الإمام الحسين (ع) ليس له شبيه، وقد خلّده التاريخ وسيخلده إلى يوم القيامة، وما من شك في أن أرض كربلاء لا تساويها أرض في طهرها وقداستها، إلا أن هذا الشعار لا يناقض تلك الحقائق، إنما يدعمها ويثبتها، بل هذا الشعار هو من أجلى مصاديق استثنائية أرض كربلاء ويوم الإمام الحسين (ع).

          نستخلص هذه النتيجة عندما نتوجه لمقصود الشعار وماذا يراد منه، فمقولة (كل أرض كربلاء) أصبحت قدوة لكل بقعة ولكل مكان في العالم، وكما دارت الأحداث الكربلائية من صراع الحق والباطل، فإن في كل مكان لابد أن يقف الحق في وجه الباطل، ولذلك (فكل يوم عاشوراء) لأن يوم عاشوراء أعطى من القيم والمفاهيم والمناهج لتطبّق في كل عصر إلى يومنا هذا، وها نحن نشاهد كربلاء (يومها وأرضها) كيف غذّت الحركات الإسلامية في مختلف المناطق وعبر العصور المختلفة بالروح الجهادية وروح الإصلاح من أجل الحق والحرية.

وأشير هنا إلى مقولة للمفكر الإسلامي الكبير آية الله السيد هادي المدرسي وهو أحد رواد الصحوة الإسلامية المعاصرة ، يقول في كتابه (الإمام الحسين ثورة لا تنتهي): (كل موقف وقفه الحسين في ساحة كربلاء تحوّل إلى خطة كاملة لانتفاضة كاملة.. كل ضربة سيف في يوم عاشوراء تحوّلت إلى إعصار من سيوف التمعت من هناك في وجه السلطات.. كل نقطة دم تحولت إلى فتيل في نهضة.. كل كلمة لفظها الحسين تحوّلت إلى (كلمة سر) في أكثر من انتفاضة وأكثر من ثورة) ويقول قبل ذلك) القضية أن كربلاء امتدت من تحت الأجساد الثائرة وامتدت معها ثورة الحسين وأهدافها ومقاييسها وأحداثها.. وامتدت حتى أصبحت (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء).  

أقول، لأن يوم الإمام الحسين (ع) أصبح مناراً وشعاعاً لكل أيام الناس فهو استثناء، ولأن أرض كربلاء أصبحت قدوة لكل أرض في العالم فهي استثناء، بالإضافة للاستثناءات والخصائص الأخرى. 

         فالشعار هو تعظيم لشأن الإمام الحسين ويومه وأرض كربلاء لأنه يعبّر عن حالة الإقتداء في كل مكان وزمان، وهو ليس سرقة لخصوصيات كربلاء كما قد يعتقد البعض.

وقد نناقش دليل من رفض الشعار من وجهة أخرى، أكتفي بالتلميح لها، وهي أن الحديث الذي ورد عن الإمام الحسن (ع) في يوم الإمام الحسين (ع) ينظر لحالة عظم المصيبة والفاجعة التي ستقع على الإمام في يوم العاشر من محرم في السنة التي يقتل فيها الإمام (ع) ، كما هو حال السياق من الرواية التي تقول بنصها: (جاء إليه ـ الإمام الحسن ـ أخوه الإمام الحسين (عليه السلام) فلمّا رأى حاله بكى، فقال له الحسن (عليه السلام): ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي على ما أراك فيه. فقال له الحسن (عليه السلام): إن الذي يأتي إليّ بسمّ يدبّر فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنهم من أمة جدنا، وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك، وسبي ذراريك ونسائك وأخذ ثقلك، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار).[2]

والشعار المذكور إنما ينظر لجانب الثورة التي كانت قمتها حادثة كربلاء التي تمثل صراع الحق والباطل، فهنا اختلاف في الموضوعات فلا يصح الاستدلال بمختلف الموضوع.

وفي الختام نؤكد على أن شعار (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء) لهو شعار يخلد كربلاء وكرّس ثقافة عاشوراء، ويبسط تأثيرهما إلى كل العالم وعبر كل العصور.

         وليس له علاقة بخصوصية أرض كربلاء في قداستها وفضلها ولا في عظم يوم عاشرواء الذي لا يختلف عليه مواليان، وإلا فيمكن عبر ذلك المنهج أن يأتي من يرفض إحياء عاشوراء في سائر البلاد، باعتبارها (يوم) لا مثيل له، فمن هنا يتضح أن ذلك الشعار لا ينتقص من خصوصية كربلاء، بل هو تطبيق للإقتداء بالإمام الحسين (ع) الذي قال: (ولكم فيّ أسوة).

 _____________

* هناك العديد من أوجه المناقشة لهذا الشعار، الذي كان تعبيرا قديما في قصائد بعض الشعراء في القرون القديمة، ومن تلك الجوانب، بحث المقصد منه عند قائله، ليتبين المعنى المقصود، وأما من رفضه باعتباره نصاً بشريا، فهذه عمومية لا ينبغي أن تقال لأن الرافض إنما يرفض بنص بشري كذلك، فالكناقشة في المفهوم، ومادام المفهوم له قصد صحيح، فيسوغ استعماله، بعيداً عن حساسية القائل والرافض.

[1] ـ الحسين (ع) أسوة، الإمام الشيرازي..

[2] ـ أمالي الصدوق، ص 101

من مؤلفاتنا