مقال: قيادة العقل الخلاّقة في طريق النجاح

مقال (قيادة العقل الخلاّقة في طريق النجاح) للسيد محمود الموسوي، نشرته مجلة الهدى في عددها لشهر شعبان 1433هـ رقم

alhuda251

.


قيادة العقل الخلاقة في طرق النجاح

 

 

السيد محمود الموسوي

 

 

 

 

عند الحديث عن النجاح وتحقيق المنجزات وطرق الوصول إلى القمّة لا يمكن غض الطرف عن الحديث عن العقل، فقد احتل الحديث عن العقل مكانة مميزة عند العلماء الذين تخصصوا في مجال علم النفس قديماً وفي مجال النجاح البشري حديثاً، فعلم النفس بعد تطوّر كبير في الدائرة الغربية لهذا العلم، أخذ منحى في العديد من بحوثه نحو تعزيز مكانة العقل شيئاً فشيئاً، فبعد أن كان علم النفس يعيش التخبط الكبير، أخذ طريقه إلى بعض البحوث الأفضل، ومن تخبطهم نرى أن تعريفهم لعلم النفس أصبح من المصاعب، وقد عرّفه بعضهم بأنه "البحوث التي يتداولها علماء النفس"، أي أنهم فقدوا السيطرة على الجامع الموضوعي والغاية من هذا العلم، وإن منشأ هذا التيه هو جهلهم بالنفس وجهلهم بالعقل، ذلك أن البحوث العقلية كانت تبحث في ميادين علم النفس بعد أن كانت حكراً على ميدان الفلسفة.

 

وبعد أن أخذوا زمناً طويلاً في البحث عن التفسير للعقل من ناحية عضوية ليكتشفون ماهية العقل وتوغلهم في هذا الاتجاه، نحى علم النفس نحو معرفة العقل بوظائفه، حيث "كان اهتمام المدرسة الوظيفية ـ في علم النفس ـ منصباً على تفهم وظائف العقل بدلاً من الوصول إلى توصيف جامد لمحتوياته، فهم يعتقدون أن أهم وظائفه هي مساعدة الفرد على التكيف مع البيئة. بمعنى اهتمامهم كان مركزاً على وظائفه وفائدته بدلاً من الاهتمام بكنهه أو تركيبه"[1]. وهذا المنحى يعد تطوّراً واقتراباً من الفطرة في معرفة الحقائق، حيث أن إحاطة الإنسان بحقائق الأشياء من جميع جهاتها مستحيلة، ولذا كان عليه أن يتواضع للحقائق ويسعى إلى اكتشافها من خلال المصادر العلمية المستمدة من الله تعالى وهو خالق الأشياء، أو من خلال تتبع الآثار.

 

ونتيجة ذلك التطور اكتشف العلماء القدرة العقلية الهائلة لدى الإنسان، ف"في العام 1980م، كان العلماء يعتقدون أننا نستخدم خمسة بالمائة من إمكاناتنا العقلية. وبحلول أواخر العقد قال الكثير من العلماء إن النسبة المستغلة لا تتجاوز واحداً بالمائة. واليوم، يعتقد الكثيرون أن نسبة ما نستخدمه من إمكاناتنا العقلية أقل من الواحد بالمائة!"[2].

 

العقل وإنارة الطريق

 

            مقولة العقل انتشرت انتشاراً هائلاً، وأخذ الكثير من العلماء والمختصين يشيرون إليه كأحد أهم المحركات نحو النجاح، بل هو القائد إلى صعود القمّة، وهذه الحقيقة صحيحة، ولكن علينا الاستفادة من العقل بشكل صحيح، ويمكن ذلك من خلال التعرّف على مهام العقل ودوره في عملية الوصول إلى النجاح. ففي عملية النجاح ما هو الأمر الذي يحتاجه الإنسان من عقله؟ سيحتاج إلى إنارة الطريق وتبصيره بخطواته الصحيحة للوصول إلى الأهداف، كما يحتاجه في تحديد نوع الهدف الأفضل، وهذا القسم سيأتي الحديث عنه في موضوع "القيم" الذي سوف نتناوله تباعاً.

 

            والعقل كما يشير إليه السيد المدرّسي: " هو ذلك النور الذي نُميَّز به الخير عن الشر، والحسن عن القبيح، وحينما ينحسر عنا عند الغضب والشهوة العارمَيْن، نرتكب القبائح ثم نلوم أنفسنا عندما يعود، هو الذي نفقده عند الصغار والمجانين والحمقى فنرى فيهم نقصاً كبيراً، وهو الذي يحاسب الناس بعضهم بعضاً على أساسه ويحمَّلونهم به مسؤولية أفعالهم، وهكذا يصف الإسلام العقل بصفاته التي تتجلَّى في العقلاء."[3]

 

            لقد جاء في كتاب الله المجيد: (فَبَشِّرْ عِبَادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[4]، فإن الله تعالى وصف أولي الألباب وهم أصحاب العقول، بأنهم عندما يستقبلون القول والآراء والأفكار، فإن عقلهم يرشدهم إلى إتباع الأحسن والأفضل، وقد يقال أن ذلك أمر مسلّم به، ويمكن لكل أحد أن يختار الأفضل وليس من يُعملون عقولهم في الأشياء فحسب. ولكننا لو شاهدنا الواقع سنكتشف خلاف ذلك، فإن الكثير من الناس يحدّدون خياراتهم ليس على مبدأ الأفضل والأحسن، وإنما يحدّدونها على مبدأ اللذة والرغبة والنابعة من قوّة الشهوة، فترى البعض يُقدم على تناول الطعام الذي يعلم بمضرّته على نفسه، وترى آخر يترك التعلم ويفضّل البقاء في مستنقع الجهل، وترى البعض يفضّل التجارة فيما يهدم المجتمع مثل تجارة المخدرات وتجارة الجنس التي هي من أكبر التجارات في العالم، وهكذا في السلوك في التعامل مع الناس، فلماذا يا ترى يتصنّع البعض الكبر، أو يتعمد إهانة الآخرين، أو سرقتهم أو ظلمهم وغير ذلك؟ كل ذلك لأن هذا الإنسان لم يأخذ بهدى العقل.

 

            العقل ينير الطريق وكلما اعتمد الإنسان على قوته العقلية المجرّدة وعقله الذي فطره الله تعالى عليه، ستجد خياراته أكثر نضجاً، قد يفهم البعض أن خيارات الناس وسلوكهم إنما هي نتيجة حتمية لوراثتهم أو لمحيطهم، وإن كان للبيئة أثر وللوراثة أثر، إلا أننا لو التزمنا بإرشادات العقل فسوف يتفوّق على الآثار المتنوعة التي تساهم في تحديد خيارات الإنسان، فمثلاً يقول أحد علماء النفس ملغياً أهمية العقل: "إننا نعتبر الناس "مراكز يخرج منها السلوك"، في حين أن الأكثر دقة أن نعتبر الناس المنتًج النهائي لتأثير العالم عليهم وردود أفعالهم تجاه العالم، إننا لسنا بحاجة لمعرفة حالة المرء العقلية، أو مشاعره، أو شخصيته، أو ما يخطط له، أو هدفه حتى ندرس سلوكه. يقول "سكنر" إننا إذا أردنا معرفة سبب تصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها، فإن كل ما نحتاج لمعرفته هو الظروف التي جعلتهم يتصرفون بهذه الطريقة"[5]. ولعل ذهابه إلى هذا القول هو اعتماده على الملاحظة للواقع الذي يشير بحكم الزمان والمكان إلى هذه الحقيقة حيث تكون غالبة فيه، ولكن بالرجوع للحقائق سنكتشف أن علينا أن نبحث عن ما ينبغي، لا  أن نبحث عن ما هو كائن في مجتمع من المجتمعات، وما ينبغي هو ضرورة الرجوع إلى العقل وتسليمه قيادة الذات لكي تأخذ طريقها الأفضل.

 

القيادة للعقل لا للهوى

 

            ليس كل ما يصدر من داخل الإنسان فهو نتاج العقل، فهناك ما يضاد العقل في قوى الإنسان، إنه الهوى. لقد بيّن علماء الأخلاق أن قوى الإنسان الداخلية متعددة، فمنها القوة العقلية ومنها القوة الشهوانية، وهاتان القوتان تتصارعان وتسعى كل منهما إلى الغلبة على الأخرى، وهنا بعض النصوص الواردة عن الإمام علي (عليه السلام) في تصوير العلاقة بين العقل والهوى، يقول (عليه السلام): "آفة العقل الهوى"[6]، فإن ما ينقص العقل والقرارات العقلائية هو إتباع الهوى.

 

ويقول (ع): "الهوى عدو العقل"[7]، وقرارات الهوى مضادة لقرارات العقل ومعادية له، ومخالفة لطريقه.

 

ويقول (ع): "طاعة الهوى تفسد العقل"[8]، فعندما يسلّم المرء القيادة إلى هواه فإنه يعمل على إفساد عقله بحيث يصعب عليه الاستفادة منه فيما بعد.

 

ويقول (ع): "من غلب عقله على هواه أفلح"[9]، فمن يسلّم القيادة إلى عقله فقد قام بالفعل الصحيح وأدى به إلى طريق الفلاح والنجاح.

 

كيف نتجنب قرارات الهوى؟

 

لكي نتجنب غلبة الهوى على العقل، لابد أن نتعرف على حركة القوى والرغبات في داخلنا، فإن الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه مجموعة من القوى الأساسية وكل واحدة لها أسمها الخاص ونزعاتها الخاصة، وهذا ما لم يكتشفه ولم يعرفه علماء النفس الغربيين ولم يعه خبراء النجاح الذين تحدثوا عن دور العقل في عملية النجاح إلا شيئاً يسيراً وأغلبه في العمومات، وهذه القوى هي (النفس، الروح، البدن)، ولنأتي إلى هذه المفردات لنرى كيف تعمل وكيف يمكن أن نديرها من أجل أن تدفع كل قوى الإنسان في طريق نجاحه.

 

1/ البدن: وهو الجسم المادي للإنسان وهو وعاء لحاجات الإنسان الفطرية، وهذه الحاجات تجعل الإنسان يميل دائماً إلى ما تشبعها، فالحاجة إلى الطعام والحاجة إلى الجنس والراحة والنوم وسائر الملذات المتفرعة منها، والبدن وقواه إنما تتطلع إلى الإشباع دون النظر إلى كيف يتم ذلك الإشباع أو بماذا يتم الإشباع، أي أن البدن له حاجات طبيعية وهو في ميل دائم نحو إشباعها.

 

وهذه الإشباعات في حقيقتها أمر طبيعي وفطري، فكل مخلوق يحتاج إلى ذلك، فأنت بحاجة إلى التغذية؛ لذلك جعل الله تعالى عندك الإحساس بالجوع، وأنت بحاجة إلى الماء؛ ولذلك أنت تشعر بالعطش عند فقد تلك الحاجة، وكذلك سائر الناس بحاجة إلى الجنس فهم يشعرون بتلك الحاجة، فالشعور الذي ينبع من البدن يساهم في تكوين الإنسان ونمو الإنسان بل وفي سعادة الإنسان، بشرط أن ينتظم وكل الرغبات تلبّى بالطريق الصحيح وبالكم الصحيح.

 

قال تعالى عن البدن: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ). [الحجر : 29]

 

فالبدن لا يتصف بالخير أو الشر إلا بحسب نوع تحرك قواه فيه.

 

2/ الروح: الروح هي سر حياة الإنسان وهي التي يحيط بها البدن ولكننا لا نعرف كنهها، كما قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً). [الإسراء : 85]

 

وهذا يدل على أننا لا ينبغي أن نتكلّف معرفة حقيقة الروح، وإنما علينا أن نعرف صفاتها وآثارها وكيف ينبغي أن نتعامل معها.

 

فهي من أمر الله تعالى، أي أنها خالصة في الصفاء، فهي تمثل الإفاضات الربانية والخير المحض على الإنسان، وكلما تزوّد الإنسان منها كلما تعالى شأنه وتسامى وصار مساره في الاتجاه الصحيح، وكما أن البدن ينجذب إلى ما خلق منه وهو التراب، فكذا الروح تنجذب إلى الله تعالى، لذلك نجد أن الإنسان يصل إلى مستويات الأنس بذكر الله وبالعبادة ويكون سعيداً عندما يساعد الآخرين أو يقدم خدمة لمجتمعه ونرى البعض يتفانى في بناء مجتمعه وتعليم الناس من أجل دفع عجلة المجتمع نحو الصلاح والخير.

 

والروح والبدن هما الجزءان الأساس في الإنسان فكل منهما له انجذاباته وخصوصيته، ولكنهما مندمجان كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "الروح في الجسد كالمعنى في اللفظفإذا تصورت لفظاً منطوقاً دون معنى فكأنك تشاهد جثة هامدة بلا روح.

 

3/ النفس: النفس جاءت في القرآن الكريم بمسميات عديدة، مثل النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة، وكل هذه التسميات لوجود واحد وليست وجودات متعددة، وأن اختلاف مسمياتها راجع إلى الاختلاف في أحوالها، فإن حال النفس الأمارة التي قال عنها ربنا عز وجلّ: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [يوسف : 53]، تأمر بالسوء وتتأمر على الإنسان وتدعوه إلى فعل الشرور، كمن يمتهن السرقة أو يمتهن خداع الناس أو من يؤسس جماعة أو مؤسسة أو أداة إعلامية لإظلال الناس وإفسادهم، فمثل هؤلاء أصبحت أنفسهم أمارة بالسوء وهي تسعى نحو تحقيق أهدافها في هذا المجال السيئ.

 

والنفس اللوامة التي قال عنها ربنا عز وجلّ: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)[القيامة : 2]، إنها متقدمة شأناً على النفس الأمارة فعندما تخرج النفس من أسر السوء والانجذاب غير المشروط نحو الأخطاء والشرور، وتبدأ تتساءل عن جدوى ذلك الفعل وتلوم الإنسان على ارتكابه هذا الفعل أو ذاك، وتشعر بالندم، حينها تصبح لوّامة، أي أنها تقوم بفعل المراقبة فتجعل الإنسان يعيش التجاذب بين فعل الخير وفعل الشر. تماماً كمن يسعى للثراء مقابل حرمان الآخرين أو ظلمهم، ومن ثم يراجع نفسه ويحاسبها على فعلها فيسعى لتعويض من ظلمهم، والاعتذار عما بذر منه. أي أن النفس اللّوامة تصحّح مسار الإنسان كلما مالت إلى الانحراف عن الصواب وعن الخير.

 

والنفس المطمئنة التي قال الله تعالى عنها: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي). [الفجر : 27 - 30]، وهي عندما تكون النفس في حالة إذعان كامل لنداء الرب عز وجل وإلى ما يدعوا إليه من الخير والصلاح، فلا تقدم على فعل ما يوجب الغضب الإلهي وبالتالي فهي لا تفعل إلا الخير الذي يعود عليها أو يعود على المجتمع من حولها.

 

لنصل الآن للإجابة على التساؤل: كيف نتجنب قرارات الهوى؟

 

الإجابة يمكن أن تكمن في تصوير معادلة قوى الإنسان كالتالي: النفس تتصف بالصفات الثلاث (الأمارة بالسوء ـ اللوّامة ـ المطمئنة) حيث تكون في تجاذب وحركة بين (البدن) وقواه ورغباته، من جهة، وبين (الروح) وانجذاباتها من جهة أخرى، فإذا اقتربت من قوى البدن والتصقت بها دون غيرها، أصبحت نفساً أمارة بالسوء، وإذا التصقت بالروح واستجابت لها ستصبح نفساً مطمئنة، وإذا بقيت مرددة بين الروح والبدن فإنها تكون نفساً لوّامة. 

 

إذاً هذه العملية تحتاج إلى إدارة، وهي تتشكل بحسب نوع الإدارة التي تتلقاها، وهنا تحديداً يأتي دور العقل ليكون مديراً لهذه العملية، فيتحكم بقرارات النفس ليجرّها نحو كل خير تدعوا له الروح، ويلبي للنفس رغباتها الفطرية من انجذابات البدن، فعندما يشعر بالجوع فالعقل يدعوه إلى أن يلبي تلك الرغبة بالكم الذي لا يضر، وبالنوع الذي لا يضر، وبالكيف الذي لا يحرم، وهكذا يدعوه العقل إلى أن يلتزم بالروح الداعية إلى الخير فيساعد الناس ويعلّم الناس.

 

وقد قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا). [الشمس : 7-10]، فإن الله تعالى بيّن للإنسان طريقي الخير والشر، والنفس التي تسير في اتجاه التزكية والتطهير هي النفس التي تكون وعاء للخير والصلاح، وبالتالي هي التي تسير نحو النجاح.

 

وكل الحديث الذي يجري في النفس وحركتها ووصولها نحو صلاحها وإن كان بعضه يشير إلى الآخرة، إلا أن الدنيا وسائر الأهداف الشخصية والأهداف الاجتماعية مشمولة به أيضاً، كما يقول السيد الشيرازي (قدس سره) في فقه الاجتماع: "و (أفلح)، و(خاب) في الآية الكريمة ليسا للآخرة فحسب، وإنما للدنيا أيضاً، فإنه وإن كان مطرح نظر القرآن الحكيم الآخرة وأن الدار الآخرة هي الحيوان، لكنه ينظر إلى الدنيا كقنطرة، ولذا ورد في القرآن الكريم: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)[10].[القصص : 77]

 

الآلية العملية لقيادة العقل

 

في طريق تحقيق النجاح نحتاج إلى آلية عملية واضحة لعمل العقل ليعيننا نحو بلوغ النجاح، ولكي يكشف لنا سبيله، ويدفعنا ويحثنا للعمل طبقاً لمعطياته الصائبة،البعيدة عن تأثيرات النفس ورغباتها أو كسلها وتخاذلها، وهنا نكتفي بما ذكره السيد هادي المدرسي في كتابه القيّم حول النجاح، يقول:

 

"إن دور العقل يمكن تلخيصه في ثلاثة مجالات:

 

الأول: التجارب.

 

الثاني: توضيح الطريق.

 

الثالث: التدبير.

 

ففي المجال الأول ـ يقوم العقل باستخلاص العبر من الماضي فهو يعطيك الخبرة. يقول الحديث الشريف: "العقل حفظ التجارب"، و"خير ما جرّبت ما وعظك "لأن "العاقل من وعظته التجارب".

 

وفي المجال الثاني ـ فإن العقل يوضح فعلاً الطريق ولكن بشرط أن تستشيره، بعيداً عن الهوى والعاطفة والأحكام المسبقة.

 

يقول الإمام علي (ع): "ليست الرؤية كالمعاينة، مع الإبصار، وقد تغش العيون أهلها، ولا يغش العقل من استنصحه". ويقول: "كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيك من رشدك". ويقول: "استرشدوا العقل ترشدوا، ولا تقصوه فتندموا".

 

وفي المجال الثالث ـ فإن التدبير والتخطيط هما من أهم ما وكّل به العقل.

 

يقول الإمام علي (ع): "لا مال أعود من العقل، ولا عقل كالتدبير"[11].

 

ويبدوا أن العمل الأساس  للعقل هو توضيح الطريق ولكن من خلال الاستفادة من العبر التاريخية والنصوصية والحقائق المختلفة، ليصنع منها خطة سليمة وخلاّقة للمستقبل، لتدفع الإنسان نحو نجاح حقيقي ذي مواصفات خيرة وصالحة وذات فائدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1] / حصاد القرن: المنجزات العلمية والإنسانية في القرن العشرين، ص712  المشرف العام: فهمي جدعان

[2] / القائد الذكي، ص38، توني بوازان، توني دوتينو، ريشتشارد آي.

[3] / التشريع الإسلامي ج1، ص 9، آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي.

[4] / سورة الزمر، آية 18 و18

[5] / أهم 50 كتاباً في علم النفس، ص 306، عن كتاب "ما وراء الحرية والكرامة"

[6] / غرر الحكم ودرر الكلم، 3/101

[7] / غرر الحكم ودرر الكلم، 1/68

[8] / غرر الحكم ودرر الكلم، 4/249

[9] / غرر الحكم ودرر الكلم، 3/56

[10] / الفقه الاجتماع، ص6، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي.

[11] / تعلّم كيف تنجح 1، مفاتيح النجاح، ص 30، هادي المدرسي، الدار العربية للعلوم ـ المركز الثقافي العربي ـ بيروت.

 

من مؤلفاتنا