مقال : طواف الملائكة

مقال: طواف الملائكة mail.google.com

السيد محمود الموسوي

.

طواف الملائكة

محمود الموسوي

يبدأ طواف الحاج عند أول خطواته التي يخطوها عند الحجر الأسود بعد أن عقد النية على أن يطوف ببيت الله الحرام سبعة أشواط قربة لله تعالى لحج أو عمرة، وهكذا سائر الحجاج يطوفون كموج هادر، كلٌّ منهم يروم إتمام أشواطه السبعة ليقضي ما لزمه من واجب بالإحرام.

ولكن، هل هذا تمام الطواف فعلاً؟

كلا..

إن ذلك ظاهر الطواف، وتلك أعمال الأبدان والجوارح، ويبقى ما هو من أعمال القلب والجوانح فيما يرتبط بمضامين الطواف وآدابه وكيفية الارتقاء وصولاً إلى ألطاف الله، وتعرضاً لعذوبة رحمته، ومن التمام البدء في التزوّد بخير المنافع، وهي التقوى.

قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ). [البقرة : 197]

فالغاية هي أن يتزوّد الإنسان من زاد التقوى قدر الإمكان وكل حسب جهده وسعيه، ولكن تلك الغاية لابد لها من سبيل واضح ونهج يحقق المساعي نحوها، ومن تلك السبل أن جعل أهل البيت (عليهم السلام) ضمن وصاياهم، وصية "التشبّه" بالملائكة في طوافهم حول عرش الله تعالى، ومن خلال ذلك التشبّه يمكن للطائف أن يرقى ويترقّى إلى معارج الرحمة، متعرضاً لنسائمها، فيحقق بذلك تمام الطواف، فيخرج بخير الزاد مضيفاً له على شخصيته ومكللاً بها حياته.

طواف الملائكة هو ما ينبغي أن يشغل فكر الطائف حول بيت الله الحرام، وهذا هو نهج القلب، وطريق الفكر، وشغل النية، وهي تقنية عملية لتحقيق غاية الطواف، ويشير أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عملية التشبّه بالملائكة في وصفه للحجاج الذين لبّوا دعوة الله بصدق، حيث يقول:

"وفرض عليكم حجّ بيته الحرام، الّذى جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام، ويألهون إليه ولوه الحمام، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته، وإذعانهم لعزّته، واختار من خلقه سمّاعا أجابوا إليه دعوته، و صدّقوا كلمته، و وقفوا مواقف أنبيائه، و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه: يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته، جعله سبحانه وتعالى للإسلام علما، و للعائذين حرماً، فرض حجّه، و أوجب حقّه، وكتب عليكم وفادته فقال سبحانه:

(وللّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْه سَبيلاً، وَ مَنْ كَفَرَ فإنَّ اللَّه غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).

فالحجاج الذين أجابوا دعوة الله حقاً هم الذين "تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه" ولذلك حصلوا على الغاية وحققوا المطالب فهم كما يقول الإمام (ع): "يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عند موعد مغفرته".

ومن وصايا الإمام الصادق (ع) للحاج في طوافه حول البيت، قال:

"وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت".

في هذه العبارة يختصر الإمام تقنية التشبه، موجهاً نداءه للحاج لكي يتخذها آلية للاستفادة المثلى من الطواف، ومن هذه الوصايا تحقيقاً لمنهج التشبه بالملائكة في الطواف، لابد أن نعي أمرين، وهما جزءان يحققان القدرة على ممارسة تقنية التشبه:

الأول: المعرفة والإيمان بعمل الملائكة.

الثاني: المعرفة والإيمان بعمل القلب.

المعرفة والإيمان بعمل الملائكة

معتقدات الإنسان تجاه الملائكة اختلفت اختلافات متباعدة، فمنهم من أنكر وجود الملائكة أساساً،  وحصروا إيمانهم في كل ما هو جسم محسوس مادي، وهؤلاء هم اللذين لم يؤمنوا أصلاً بالله ولا بالمعاد، ومنطقهم هو منطق من قال عنهم القرآن الكريم:

(وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً). [الفرقان : 21]

فقد أرادوا أن تتنزل عليهم الملائكة كأجسام مرئية ومحسوسة، وكذلك شرطوا أن يكون الرب مرئياً بعيونهم التي تحدّ وتحجّم كل ما تراه.

وبعض آخر تطرفوا إلى جهة مقابلة، واتخذوا الملائكة  آلهة، فزعموا أن هنالك آلهة متعددة هي آلهة الرياح وآلهة المطر وآلهة الرعد وكل شيء في حركة الطبيعة التي تسير بأمر الله تعالى بواسطة ملائكته الموكلين، وقد نهى ربنا عزّ وجل عن تأليه الملائكة بقوله جلّ شأنه:

(وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ). [آل عمران : 80]

إلا أن الإيمان الصحيح الذي يعتنقه من يؤمن بالله واليوم الآخر هو ما ذكره لنا الله تعالى في كتابه، وما جاء على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، لأن الإيمان بالملائكة هو ضرب من ضروب الإيمان بالغيب، والغيب علمه عند الله تعالى، ويعلّمه للنبي (ص) وأهل بيته (ع)، وقد قال تعالى عن الملائكة كتوصيف لهم:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر : 1]

فلقد "خلق ـ الله تعالى ـ الملائكة من نور" كما يقول الرسول (ص)، وهم بخلقهم النوراني "لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون وإنما يعيشون على نسيم العرش"، كما يقول الإمام الصادق (ع)، ويقول الإمام علي (ع) عن عملهم ونشاطهم: "وملائكة خلقتهم ـ يارب ـ وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بطاعتك، ولا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان.."، ويقول (ع): "يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً، وتزداد عزّة ربهم في قلوبهم عِظَماً".

ذلكم هم الملائكة الذين قال عنهم ربنا عز وجل:

(وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، [الزمر : 75].

فليس لهم قول مستقل عن إرادة الله تعالى:

(لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، [الأنبياء : 27]،

وليس لهم عمل مخالف لأمر الله:

(لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، [التحريم : 6.

فهذا أول جزء من أجزاء فهم عملية التشبّه بالملائكة لكي يطوف الحاج طواف ملائكي، عليه أن يعي أنهم لا يفترون من العبادة لله تعالى، ومحور عبادتهم الطواف حول العرش، يزادون بعبادته علماً، ولا يشغلهم شيء غير الله تعالى.

المعرفة والإيمان بعمل القلب

على الحاج أن يعي تماماً مكانة القلب ودوره في تحقيق الطواف الملائكي، فإن القلب هو القائد وهو الذي يوجه اهتمامات الإنسان وتفكيره، كما يقول الإمام الصادق (ع):

"إن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس".

فلابد من السعي إلى إعمال قوة القلب النافذة والمؤثرة في توجه الإنسان وتعلّقه، والاهتمام به لا يقلّ عن الاهتمام بسائر الشروط التي تحقق صحة الطواف، كالقدرة وسلامة البدن، والطهارة في اللباس والبدن، وكالكيفية في الطواف، فالإمام الجواد (عليه السلام) يقول:

"القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال".

فالقلب هو مركز الشعور والإحساس، سواء قلنا بأنه هو العقل نفسه أو قلنا أن القلب هو الذي في الصدر ولكن العقل هو المخرج والأداة التي ينطلق منها، فإنه على أي حال هو مركز الاستشعار والذي يُقبل على أمور، ويُدبر من أمور، فإن هذا القلب يمكنه أن يوصل الإنسان إلى مصاف الملائكة، ويمكنه أن يحوّل نفسه إلى نفس بهيمية، وإن أصبح قوياً فإن الإنسان يستمد منه المدد القوي، فيكون شجاعاً طموحاً ومقداماً، وإن أصبح القلب ضعيفاً فإنه يصبغ الإنسان بداء الضعف والخوف والجبن وما إلى ذلك..

وعن تحولات القلب إلى القسوة التي تفوق الحجارة صلابة، يقول ربنا عزّ وجل:

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). [البقرة : 74]

فيمكن للإنسان أن يتحوّل إلى قاس أقسى من الحجر، إذا توالت الأغشية والحجب على قلبه، فلا يستمد منه الشعور والإحساس.

ويمكنه أن يترفّع ويصل إلى مصاف الملائكة في شعوره وإيمانه، كما يقول الإمام علي (عليه السلام):

"تكاد القلوب تطلّع على سرائر الغيوب".

ويقول (عليه السلام):

"إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها".

طواف القلوب

بعد أن وعينا عمل الملائكة وتقديسهم لله تعالى وتسبيحهم وأنهم لا يفترون من عبادته، ولا يشغلهم شاغل عن الله تعالى، ويستمدون من عبادة الله قوتهم، وبعد أن وعينا دور القلب في تحريك الإنسان ومدى استشعاره للأمور، فإن هذا يقرّب لنا وصايا أهل البيت (عليهم السلام) التي دعت إلى التشبّه بالملائكة في الطواف، تحقيقاً للغايات الكبرى للطواف، ولكي يكون الطواف عملية عبادية تنطلق من القلب، وتضيف إلى القلب النور الذي تمشي به في الحياة.

يقول تعالى:

(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). [الرعد : 28]

ويمكن أن نضع بعض النقاط التي تساهم في إتقان عملية التشبّه بطواف الملائكة، والتي قد لا تأتي دفعة واحدة، وإنما بالتدريج عبر ترويض النفس، لتعتاد على هذا المسلك:

1/ ابتعد عن الموانع

للممارسة العامة للإنسان في الحياة دور وأثر كبير، فإن السلوك الملتزم يجعل القلب على استعداد للانطلاق ولتلقي النور بكل سهولة، أما إذا أصبح عليه غشاوة وحجاب فإن ذلك يمنعه من الانطلاق، ويمنعه من التلقّي، فلا يؤثر لأنه لن يكون قادراً على التركيز في المعاني الربانية السامية التي ينبغي أن تكون محور تفكيره، ولن يتأثر بالأنوار والفيوضات التي تتنزل على الطائفين، لأن هناك مانع وحجاب يمنع من وصول النور إلى القلب.

والموانع هي الذنوب التي يرتكبها الإنسان، خصوصا تلك الناشئة من شدة تعلّقه بالدنيا، لذلك يقول الرسول (صلى الله عليه وآله):

"إياكم واستشعار الطمع فإنه يشوب القلب شدّة الحرص، ويختم على القلوب بطابع حب الدنيا".

ويقول تعالى عن الذين يتبعون شهواتهم:

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ). [الجاثية : 23]

فإن المحافظة على السلوك السليم واجتناب المحرمات والآثام، والابتعاد عن الشهوات التي تجرئ الإنسان على الله، كل ذلك يجعل القلب مستعداً للانطلاق والتلقّي.

2/ صفِ نيتك

لابد أن تعتني بنيتك منذ البداية وقبل دخول الحرم الشريف، وتعي أنك تفد على الله تعالى، فلا يشغلك شيء آخر، وأي متعلقات واهتمامات مع البشر في ذلك الوقت، عليك أن تبعدها عن قلبك ولا تنشغل بها، فأنت أمام مهمة أهم وموعد أعظم من مواعيد البشر، سواء كانت تلك المواعيد البشرية إيجابية أو سلبية، فإذا قصدت الطواف بالبيت فلابد أن تنشغل برب البيت.

في حديث الإمام زين العابدين (ع) مع شبلي، الذي سأله الإمام عدة أسئلة عن الحج، وبيّن له أن خلو القلب من تلك الاهتمامات لا يعدّ حجاً، يشير إلى البداية وتعلق القلب، وصرف الاهتمام عن غيبة الناس.. فمما قال (عليه السلام)، سائلاً شبلي:

أدخلت الحرم ورأيت الكعبة  وصلّيت؟ قال: نعم.

قال (عليه السلام): (فحين دخلت الحرم  نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإِسلام؟ ) قال: لا.

قال (عليه السلام): (فحين وصلت مكّة نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟) قال: لا.

قال (عليه السلام): (فما دخلت الحرم ولا رأيت الكعبة ولا صلّيت!).

ثم قال (عليه السلام): (طفت بالبيت ومسست الأركان  وسعيت؟)  قال: نعم.

قال عليه السلام: (فحين سعيت نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علاّم الغيوب؟) قال: لا.

قال عليه السلام: (فما طفت بالبيت ولا مسست الأركان ولا سعيت!).

3/ استحضر ثواب الطواف

كدافع لك نحو الاهتمام، ولكي يتعلّق القلب بنحو أفضل، عليك أن تتذكر الثواب الذي يحصل عليه الطائف بالبيت الحرام، فإضافة إلى رمزيته التي تعني أن كل أعمال الإنسان تدور حول رضا الله تعالى، يحتاج أيضاً إلى تذكّر الثواب الكبير ليحرص على حصوله باستحقاق، وكمثال للثواب جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

"كان أبي يقول من طاف بهذا البيت أسبوعاً ـ أي سبعة أشواط ـ وصلّى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء، كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستة آلاف حاجة، فما عجّل منها فبرحمة الله وما أخّر منها فشوقاً إلى دعائه".

4/ التزم بالمأثورات

إن المأثورات عن أهل البيت (ع) فيما يستحب للحاج وللداخل إلى بيت الله الحرام، والالتزام بالأدعية التي تقرأ في أشواط الطواف، تعين على توجّه القلب إلى أسمى المعاني، وتعلّقه بأفضل الأسباب، فترديدها مع وعي مضامينها إنما ترسم طريقاً وسلّماً ينتقل به القلب إلى السماء.

يقول الإمام الباقر (عليه السلام):

"إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت وباللات والعزى وبعبادة الشيطان وبعبادة كل ند يدعى من دون الله ". 

ومن آداب الدخول للحرم في وصية الإمام الصادق (ع)، تجد المعاني التي ذكرناها سابقاً، كأن يصف الإنسان نيته، ويتخلّى عن كل السلبيات، ويستغفر منها، ويستحضر أهمية الموضع الذي هو فيه، ليبدأ رحلة العروج إلى الله تعالى بكل صفاء ودون موانع، لنقرأ هذه التوصية عن معاوية بن عمار عن الإمام الصادق (ع):

"إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع.

وقال: من دخله بخشوع غفر الله له إن شاء الله، قلت: ما الخشوع؟ 

قال: السكينة، لا تدخله بتكبر، فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورسله، والسلام على رسول الله، والسلام على إبراهيم، والحمد لله رب العالمين". 

فهذه المعاني وسائر المعاني الواردة في الأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) تساعد في تحقيق الطائف لتقنية التشبّه بطواف الملائكة ليصل إلى معدن الرحمة الإلهية.

5/ اصرف كل اهتمامك لله

كما الملائكة، الآن اصرف اهتمامك كله لله تعالى، وابتعد عن كل الشواغل الأخرى، كالزحام وكل العلائق المتعلقة بالناس، واترك الوسواس، لأن تلك المتعلقات تأخذ مساحة من الاهتمام وتشغل مكاناً من القلب.

عليك أن تختار الوقت المناسب للطواف، الوقت الذي لا يدعوك للتفكير في الضيق مع الصلاة، ولا لحاجتك لبيت الخلاء، ولا تكن جائعاً أو شبعاناً، ولا تهتم لظروف سكنك، ولا أي شيء آخر، فأنت هنا مع الله تعالى، وكما هي الملائكة مستغرقة في الله وفي تسبيحه، عليك أن تفعل ذلك وتفكّر في عمل الملائكة وكيف أنهم دائبون في حركتهم حول العرش مسبحين، ليكن الطموح منطلقاً نحوهم، لكي تحصل على بعض ما لديهم من استغراق في الله.

إذا استمر التفكير وانشغال القلب في هذا الاتجاه، فإن الطائف سوف يتعلق قلبه بالله الكبير المتعال، ولن يشعر بما يجري حوله من زحام أو وقت.

في إحدى المرات التي كنا نهمّ بالطواف مع بعض الشباب، تكلّمتُ معهم عن تقنية التشبه بالملائكة وعدم الاكتراث بالزحام، وبعد الانتهاء من الطواف، سألتهم : كم استغرقنا من وقت؟، فقال أحدهم هذا أسهل طواف طفته في حياتي، لعلنا استغرقنا عشر دقائق أو ربع ساعة. والحال أننا استغرقنا ساعة إلا ربع تقريباً، وكان الزحام شديداً لكنه لم يشعر به، لأن قلبه تعلّق بشيء أكبر وأصبح منشغلاً به.

بتقنية التشبّه هذه يكون الحاج في طوافه في الطريق الصحيح، وكلما مارس هذه التقنية كلما تمكّن منها، لأن النفس تحتاج إلى ترويض وتمرين.

"جعلنا الله وإياكم مّمن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته". الإمام علي (ع).

 

 

 

 

من مؤلفاتنا