بسم الله الرحمن الرحيم
آيات ظهور قائم آل محمد (ص)
محكمات وحقائق فوق الشبهات والأباطيل
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعداء أهل البيت من الأولين والآخرين، ثم الصلاة والسلام على ولي أمرنا صاحب العصر والزمان الإمام المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
.منذ غيبة ولينا الأعظم حجة الله على خلقه الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، والمؤمنون يعيشون ثبات العقيدة على ما جاء به النبي الأكرم (ص) في علي وأهل بيته الطاهرين، وآخرهم قائمهم الذي وعد الله تعالى بتحقيق العدالة المطلقة على الأرض على يده المباركة، ولم تمض الأزمنة والعصور دون تحدّيات تواجه العقيدة التي أوصى أهل البيت (ع) شيعتهم أن يقبضوا عليها كما يقبضون على الجمر، عبر ثقافة الإنتظار التي زرّقوا بها الكيان الشيعي، لتمنعه من الضلال والإنحراف ضمن مجريات التمحيص والخربلة الإيمانية، وهي سنة الله تعالى في العالمين، فقد قال تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ). (سورة آل عمران 138 - 142)
وتجري سنة الله تعالى في غيبة صاحب العصر والزمان (عج)، كما في الكافي عَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) جُلُوساً فَقَالَ لَنَا: إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ، فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِهِ. ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: إِنَ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدٌ وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ"[1].
فضمن مجريات السنين أخبر أهل البيت (ع) شيعتهم بأنهم سيلاقون أدعياء المهدوية والسفارة عن صاحب الأمر، وحذّروهم من الإنسياق وراء فتنهم، والصبر على الولاية بالإئمة الإثني عشر دون سواهم.
وقد شهدت الساحة الإسلامية بشكل عام العديد ممن حملة راية المهدوية أو السفارة الخاصة عنه (عج)، وكلهم مع ما جاؤوا به من خداع وفتن، قد أصبحت نسياً من من مخلفات التاريخ، وقد تهاوى بعض ضعاف الإيمان والمعرفة على قارعتها، لقلّة إيمانهم ومعرفتهم.
فتنة الأحمدين (البحراني والحسن)
لقد ظهر في الفترة الأخيرة شخص اسمه أحمد البحراني (من البحرين) يدّعي في بيان له بأن الإمام صحاب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) قد التقى به، وأخبره بأن دعوى المدعو أحمد الحسن (في البصرة) الذي يدّعي أنه رسول الإمام المهدي (عج) للعالم، الذي يقود مرحلة التمهيد للظهور، بأنه على الحق، وأن مرحلة الظهور قد بدأت فعلاً، والدليل على ذلك ـ حسب مدعاه ـ أن إحدى العلامات قد تحققت، وهي (مسجد الصبور) الموجود في البحرين الذي عُرف شعبياً عنه أنه لا يقبل التسقيف حتى ظهور الحجة، ويدّعي أن الإمام قد أخبره بأن يدعوا الناس لتسقيفه كي يشاهدوا أن المسجد سوف يقبل التسقيف بعد أن بقي سنيناً طويلة من دونه.
وقد اعتبر (أحمد البحراني) ذلك علامة على صدق مدّعي الإمامة والمهدوية (أحمد الحسن)، وعلى الناس كافة أن تسلّم له وتطيع، فكيف نتعامل مع أمثال هذه الدعاوى؟
إن الإجابة الشافية والمختصرة عن مثل هذه الدعاوى في عصر الغيبة، هو ما أخرجه الإمام صاحب العصر والزمان (عج) في توقيعه بعد انقضاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، يخبر فيها عن انتهاء زمن المشاهدة المماثلة لما عليه السفراء الأربعة:
"سَيَأْتِي مِنْ شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَر"[2].
فقد أخبر الإمام أنه لن تحصل مشاهدة اتصالية بالإمام كرسول وسفير خاص يخبر عن الإمام للناس بما يريد الإمام منهم، حيث أن الظهور الشريف سيتحقق وفقاً لما أخبرنا به أهل البيت (ع)، أما رعاية وألطاف الإمام لشيعته فهي غير خافية عبر طرق شتى، ليس هذا موضع بحثها.
يمكننا أن نكتفي بهذه البصيرة وهي شافية لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد، إلا أننا سنذكر بعض النقاط التي أثيرت مؤخراً حول موضوع إدعاء الإمامة والظهور، خصوصاً في السياق الذي جاء به أحمد البحراني في بيانه.
معيار الكتاب والعترة
1 ـ إن كل مسألة مختلف فيها ينبغي أن نرجع فيها إلى معايير القرآن الكريم، والثابت من السنة الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته الطاهرين، بل وقد أرجعنا أهل البيت (ع) لذلك عندما يختلف علينا حديثان عنهم (ع)، فما وافق الكتاب والثابت من السنة، فهو المأخوذ به، وما خالفها، فهو مردود.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. (سورة النساء 59)
ولذلك فإن من مسلمات العقيدة الحقّة، كما جاءت به السنّة المحمدية، هو الإيمان بإثني عشر إماماً بعد النبي (ص)، للروايات المتضافرة، فكل من جاء بإضافة إمام جديد فقد ابتدع رأياً مخالفاً للسنة، حاله حال من أنقص إماماً كالواقفية، والحال أن من يدعوا له أحمد البحراني، يدّعي بأنه إمام مفترض الطاعة من الله عز وجلّ، بل وبعده 11 مهدياً، فهذا انحراف عقدي صريح عن مسار الإمامة الإثني عشرية، وهذه الحقيقة التي كان ينبغي لأحمد البحراني أن يذكرها للناس في بيانه، وهي موجبة للرفض جملة وتفصيلاً، فلم يعد ما يختلف فيه في أمره، فأمره بيّن واضح كالشمس في رابعة النهار.
إجماع الطائفة على بقاء الغيبة
2 ـ من الأمور الغريبة التي إدعاها أحمد البحراني أن الطائفة مختلفة على نفسها في الإجابة على السؤال: هل انقضت الغيبة الكبرى، أم هي باقية؟ وهذا تأسيس (للشبهة) إن لم يكن (للخداع)، فالطائفة مجمعة على بقاء الغيبة الكبرى، وتعي تماماً أن أمر الإمام (عج) بيّن عند ظهوره، وقد اتفقوا على أن قدّامه خمس علامات واضحات ستدلّ أهل العالم كافة على ظهوره الشريف، من أبرزها الصيحة والنداء من السماء، كما عن شرحبيل، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) وَ قَدْ سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَائِمِ (ع) فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَسْمَعُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى تَسْمَعَهُ الْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا[3].
إن كان هنالك اختلاف في تشخيص بعض العلامات المأمول تحققها، فهذا لا يعني أن هنالك اختلاف على أصل وضوح الظهور المقدّس، فلم يكن هنالك انقسام من هذه الجهة، بل هناك بعض أدعياء الإمامة شذّوا عن ثوابت التشيّع باعتقاداتهم ومنهم أحمد الحسن.
البرهان العقدي أوضح من الحسي
3 ـ يدّعي أحمد البحراني أن رهان تسقيف مسجد الصبور هو معيار حسّي لمن أعيته البراهين، والحال أن البراهين ثابتة واضحة في بطلان إدعاء أحمد الحسن من خلال البراهين التي لم يستطع تحريفها، وقد ذكرنا أحدها وهو ثبات إثني عشرية الأئمة، ووضوح ظهور الإمام (عج)، فلم يكن أهل العلم والبصيرة بحاجة إلى دلائل حسية متشابهة تحرفهم عن عقيدتهم الراسخة.
نعم يمكن أن يقال أن هذا الأمر يلزم أحمد البحراني نفسه، على اعتبار أنه كان صاحب دعوى مغايرة، حيث كا يحمل فكرة (التأويل) كمنهج يدّعي من خلاله المعرفة المعصومة لكافة علوم الدين وعلوم الدنيا، فلم يسعفه منهجه في الثبات على العقيدة، ولجأ إلى المعايير الحسية التي تقوم أوده وتعدل ميله، إلا أنه شط أكبر من شططه الأول، فازداد إيغالاً في الإنحراف عن جادة الصواب.
مفارقة قاصمة بين الأحمدين
4 ـ مفارقة يحتاجها في هذا الموضوع، كل متابع لأصحاب الدعاوى المريبة، وهي أن أحمد البحراني صاحب دعوى سابقة مفادها (اكتشافه لمنهج معرفة علوم القرآن كما يعرفه أهل البيت (ع) تماماً، ويدّعي العصمة لهذا المنهج، حيث ـ حسب دعواه ـ أنه اكتشفه وكل الأمة والعلماء منذ عصر الغيبة الكبرى وإلى وقت اكتشافه في تسيعنيات القرن الماضي كانوا في ضلال فكري)[4]، وفي المقابل جاء أحمد الحسن في العام 1999 (مدعياً أنه رسول المهدي وأول المهديين الإثني عشر من بعده وفي ذات الوقت من قبله كممهد للظهور، ويدّعي أن الشيعة الإمامية كانوا في ضلال منذ الغيبة الكبرى كونهم يعتقدون بإمامة إثني عشراً إماماً فقط، ولا يعتقدون بالإثني عشر الآخرين).
أمام هذه المفارقة تبرز العديد من التساؤلات والإكتشافات والردود الدامغة عليهما، ومنها حالة الضلال التي ادعياها وكيف تعامل معها الإمام صاحب العصر والزمان طيلة هذه السنين، مما يؤسس لصدمة لأحمد البحراني من خلال مقارنته واعترافه بلقاءات الإمام ببعض علماء الطائفة ورعايته الشريفة لهم، وكيف كان ـ يدعم الضلال السائد ـ والعياذ بالله، فإما أن يؤمن برعاية الإمام في قصة مسجد الصبور وغيره، وإما يؤمن برعاية الإمام لنهج أحمد الحسن، فلا يصح أن يرعى الإمام الحق والضلال في آن واحد.
كما وتشير هذه المفارقة إلى مسألة دقيقة تهدم بنيانهما من أساسه، وهي أن روايات أهل البيت (ع) دائماً تشير إلى بعد (الثبات)، و(البقاء)، على العقيدة في أزمنة ظهور الضلالة والمضلين، مما يعني أن هنالك نور الحق متصل في الطائفة حتى ظهوره (عج)، كما عن الباقر (ع): "وكذلك شيعتنا يميّزون ويمحّصون حتى (تبقى) منهم عصابة لا تضرها الفتنة"[5].
ولعمري إن هذه الإشارة لكافية في هدّ ما سطروه من أفكار خاوية، وللقارئ الحصيف أن ينطلق بفكره في هذه المفارقة كي يكتشف نوع الهوان والهشاشة الفكرية المؤسسة لمثل هذه الدعوات.
مسجد الصبور قبال علامات الحتم
5 ـ علامات الظهور المقدّس للإمام صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، هي علامات قد ذكرها أهل البيت (ع) في العديد من الروايات، بل وقسّموا ما جاء منها إلى قسمين: قسم حتم متحقق أصل وجوده، وقسم غير حتم، يمكن أن يكون لله بداء فيه.
وفي المقابل تأتي القصة الشعبية لمسجد الصبور، وكونه إحدى العلامات، وبغض النظر عن صحتها من عدمها، وبغض النظر عن المسلّمات التي ساقها أحمد البحراني في بيانه بأن القصة (فوق الشبهات وأن الجميع يتلقها بالقبول، وأنها فوق النقد)، وهو أمر مجانب للصواب، كوننا نعلم أن هناك من يشكك فيها ومن يعتبرها ضمن الاحتمالات وليس الحقائق، بغض النظر عن كل ذلك، فإننا لو اعتبرنا قبول السقف علامة من العلامات، هل ستصنف ضمن العلامات الحتمية أو غير الحتمية؟
بلا أدنى شك أن العلامات الحتمية ذكرها أهل البيت (ع)، والمعيارية عند الاختلاف تكون من نصيبها وحسب، لذلك فرهان البحراني رهان موغل في الإشتباه.
فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّهُ قَالَ: لِلْقَائِمِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ ظُهُورُ السُّفْيَانِيِّ وَ الْيَمَانِيِّ وَ الصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ وَ قَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ وَالْخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ[6]. وعنه (ع) في كمال الدين: "قبل قيام القائم خمس علامات محتومات"[7].
فقه الفتنة والمعيارية الحسيّة
6 ـ لدى أحمد البحراني خلط منهجي في وعي البراهين الحسية، (ونحن هنا لا نتكلم عن المعجزات)، وقد ساق بعض الأمثلة القرآنية كي يوهم القارئ بانسيابيتها وتأييدها لمساق البحث، لقبول المعيارية الحسية المدعاة في (التسقيف) لكتون فرقاناً بين الحق والباطل، فقد ذكر "إن آية مسجد الصبور تأتي في سياق السنن التي جرت مع الرسل من قبل، فآية المسجد بمثابة القربان الذي أمر كل من هابيل وقابيل بتقديمه، ليقطع نزاعهما، وهي بمثابة قميص يوسف الذي ثبت من خلال معرفة أنه قدّ من دبر على صدق يوسف، وبمثابة تابوت السكينة المؤيد لطالوت، إلى أن قال: "وهكذا جرت آية سقف مسجد الصبور، فان ثبت السقف فان أمر الطائفة بيد رسول المهدي احمد، وان سقط السقف فان أمر الطائفة بيد المراجع!".
ونبيّن ذلك في نقاط:
أـ خلط أحمد البحراني بين الخلاف في أصل المعتقد، والخلاف في المصداق بعد ثبوت المعتقد، فلم تكن الطائفة بعلمائها متفقة في أصل الفكرة كي يسوقها إلى الرهان ببرهان حسّي على مصداق ما، فالاختلاف في أسس البناء العقدي المتبنى من قبل أحمد الحسن الذي زاد في عقيدته أئمة آخرين، فلا يعقل لمحاور أن يدعوا لإمامة أحمد الحسن دون سواه، والحال أن الطائفة لا تنتظر إلا إمامها الغائب (عجل الله فرجه الشريف).
ب ـ البراهين الحسية التي ستصاحب الظهور المقدّس هي مؤيدات وعلامات، ستدل على ظهوره الشريف دون أدنى ريب، وسوف يعلم القاصي والداني بها، وقد عمل أهل البيت (ع) على تثقيف شيعتهم بما سيجري فيها، فما هو كبراهين الأنبياء، هي الصيحة في السماء، وتأييده بالرعب، وما سيقوم به الإمام من إكمال عقول أصحابه وغير ذلك مما ستسكت له العقول وتنساق له الأنفس كأحداث عالمية كونية غير خافية.
ج ـ إن أحمد البحراني، قد ساق مجموعة أمثلة على البراهين الحسيّة التي ادّعى فيها أن تسقيف المسجد هو آية لصاحبه أحمد الحسن ودعواه، ومن خلال هذه الأمثلة يعي القارئ مدى الخلط بين هذه البراهين الحسية وتلفيقه للماثلة، (فأما في قابيل وهابيل فهما متفقان في أصل ضرورة الإصطفاء (العقيدة) واختلفا في المصداق، كما اشرنا سابقاً)، و(أما قصة نبي الله يوسف، فهي قضية جنائية في حادثة محاولة إمرأة العزيز مراودته عن نفسه، ولم تكن في أمر الإعتقاد بنبوة يوسف أو معتقده، فكان قدّ القميص من الخلف دلالة على عزوفه عن المراودة)، وفي إثبات نبوته جاء من عند الله بما لا يقدر عليه بشر، و(أما في مثال طالوت، فإن القوم ينتظرون (ملكاً) يقودهم بعد طلبهم (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا)، فلما أراد الله أن يبعث لهم الملك اختلفوا في مصداقه، فظنوا أنهم أحق منه بالملك، فجاءت المعيارية الحسية من النبي في تشخيصه، حيث قال: (قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فالنبي الذي يؤمنون به هو الذي حدّد لهم المعيار.
الخلط في المعيار الحسي حسب الأمثلة القرآنية المسوقة من قبل أحمد البحراني، يشكك في قدرته على فهم القرآن الكريم، فضلاً عن قدرته على اكتشافه لمنهاج معرفة تأويله.
د ـ إن البراهين الحسيّة لم تكن فارغة عن اليقين العقدي، فلم تأتي آية قرآنية لتقول للناس آمنوا بهذا الأثر المحسوس دون أن تسوق لهم المبنى الفكري للعقيدة المؤيدة من قبل الله تعالى بالمحسوسات، ولذلك فإننا لو نظرنا لعكس المعادلة، سنجد أن الأثر الحسّي هو مدخل للشيطان أحياناً لإغواء بني البشر، وهو مثار تحدّ لمدى ثبات المؤمن على إيمانه وعقيدته، كالسحرة الذين قال الله عنهم: (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) وكعجل السامري الذي كان مادة الغواية، فقد قال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}.
ولقد عمل أهل البيت (ع) على تثقيف شيعتهم بشأن الإمام الهدي (عجل الله فرجه الشريف) كي لا يلبس عليهم الشيطان بفعله، وسوف يمحّص الناس حينها، ففي الوقت الذي سيسمع الناس الصيحة في السماء بذكر الإمام المهدي (عج) بصوت جبرائيل، سيليها صوت آخر من السماء من عمل الشيطان سيدّعي أن الحق في أعداء الإمام، فمن كان صاحب عقيدة راسخة سيكون من الثابتين عليها.
إدعاء الرؤية في المختلفين
7 ـ حول إدعاء أحمد البحراني اللقاء بصاحب العصر والزمان (مناماً أو عياناً)، والذي استشرف تكذيبه من قبل العلماء، فعمد إلى معيارية تسقيف المسجد كبرهان على كلا الأمرين، على لقائه وعلى حقانية المدعو أحمد الحسن، لن ندخل في التشكيك في صحة وعدم صحة اللقاء كي لا يرد بإمكانية الصدق، وعدم وجود دليل على الكذب، ومع افتراض الصدق سيأتي التشكيك في شخص المرئي، ثم يأتي البحث في تأويل المضمون، ولكننا نشير إلى حقيقة مهمة في هذا المجال، وهي أنه على أحمد البحراني أن يعي أن هناك دعاوى عديدة باللقاء بالإمام، فمنها ما يؤيد المعتقد السائد لدى الشيعة وهو الأكثر، ومنها من يدّعي البابية والسفارة عنه (عجل)، ومنهم من إدّعى المهدوية نفسها، فبالتالي هذا لا يدخل في الدليلية المناقش فيها أصلاً.
ومن خلال مضمونه المدّعى أسس أحمد البحراني حكماً شرعياً من خلال فهمه للعبارة التي قال أن الإمام قالها له وهي (ادع إلى تسقيف المسجد)، بل وشطح به إلزام الحكم للعماء وأهل البحرين، فما لم يثبت العرش فلا يمكن النقش، ولا يمكنك أن تكتب على الماء.
همسة لمنهج التأويل (رد أحمد على أحمد)
8 ـ من خلال قراءة كلا المنهجين الذين جاء بهما الأحمدان، (التأويل)، و(رسول المهدي)، ستكتشف أن كلا المنهجين يكذب الآخر، فأحمد الحسن يدّعي الإمامة المعصومة وبالإثني عشر مهدياً بعد الإمام المهدي، ويدّعي أن القرآن لا يفهمه إلا هذه السلالة دون غيرها، وهذا ينسف ما جاء به أحمد البحراني في كتابه التأويل من منهج يدّعي فيه امتلاك أي أحد لمعرفة التأويل كما يعرفه أهل البيت (ع)، ويتبع بعض الأشباه والنظاهر في القرآن والسنة كي يعرف الحق من الباطل، ـ حسب دعواه ـ والحال أن البحراني قال أنه توسّل بالإمام لمعرفة الحق في أحمد الحسن، أي أن منهجه أعياه عن الوصول للحق، وفي المقابل نذكّر أحمد البحراني بعدد نقباء بني إسرائيل الذين قال النبي (ص) عنهم أن عدة الأئمة إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل، من باب المماثلة العددية، وفي ناحية أخرى يذكر لنا الإمام الصادق (ع) في عصر الغيبة والتمحيص: (لَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً)، ألا يصح أن يكون الإثنا عشر المدّعاة الذين أضافهم أحمد الحسن هي الرايات المشتبهة؟!! فتبطل دعواه.. فكلا المنهجين يبطل الآخر.
ختاماً.. أمر القائم أبين من الشمس
نكتفي بهذا العرض السريع في رد الشبهات المذكورة حول أدعياء الظهور والإمامة، ونختم بذكر رواية تكفي في رد كل ما لديهم كالرواية التي صدّرنا بها الموضوع، وهي:
عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ أَمَا وَاللَّهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ وَ لَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ وَ لَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَتُكْفَؤُنَ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ وَ كَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ قَالَ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ فَكَيْفَ نَصْنَعُ قَالَ فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَرَى هَذِهِ الشَّمْسَ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ[8].
السيد محمود الموسوي
www.mosawy.com
[1] / الكافي (ط - الإسلامية)، ج1، ص: 336، للمزيد في الإنتظار وعلاقته بالتمسك بالعقيدة، انظر: الإمام المهدي الغيب الشاهد، للسيد محمود الموسوي. 2002م.
[2] / كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ؛ ج2 ؛ ص530
[3] / الغيبة للنعماني، ص257
[4] / راجع كتاب التأويل : منهج الاستنباط في الإسلام، الشيخ أحمد البحراني.
[5] / الغيبة للنعماني، ص218
[6] / الغيبة( للنعماني) ؛ النص ؛ ص252
[7] / كمال الدين، للشيخ الصدوق، 2/650
[8] / الكافي، ج1، ص336
مقالات ذات صلة:
- محاضرة: هل يمكن الحديث عن إمرأة قوية؟ - 2014/10/28
- العودة إلى الغدير - 2014/10/11
- ماهو الأفضل أن يقوم العالم بالذهاب إلى الناس وتوعيتهم، أم أن الناس هم الذين ينبغي أن يتوجهوا للعلماء والإستفادة منهم؟ - 2014/09/03
- ما هي حقيقة إدعاء البعض أن الدعاء لا يكون إلا فردياً ولا يكون جماعياً؟ - 2014/08/01
- معنى (رب بما برأتني فعدلت فطرتي) في دعاء عرفة - 2014/07/30
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 48822 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35928 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33233 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 31476 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28371 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20474 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19747 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 19616 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19533 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15799 مرُة