المرجع المدرّسي
الفقاهة المبكرة ونبوغ الفكرة
السيد محمود الموسوي
تقديم
إن طريق العلوم الدينية ممتد من دون حدّ، وأن سَبْر غوره يستنزف الوقت ويستوعب العمر المديد، فلا يمكن أن تجد عالماً نحريراً، ممعناً في العطاء، إلا ويقرّ بقصر الباع وقلّة الحيلة لبلوغ ما يأمل الوصول إليه، فتلك الحقيقة وهذا الإحساس، ما هو إلا دليل علم بجهل بالأكثر من الكنوز التي تستبطنها الآيات، وتتفرّع عنها الروايات، وما يمكن أن يكشفه نور العقل حول آفاق الحياة واحتياجات البشر من حقائق الوحي، فيما يرمي إليه الدين في حياة الإنسان.
فتلك سيرورة لا ينتهي نهمها، ولا تتناهى إفاداتها، ما دام العالم ممسكاً بزمام البحث، عارفاً بمضانّه، قادراً على مطاوعته، متقناً لبيانه. فيرتقي ذلك الشعور، وتتعاظم تلك الدرجة، كلّما تقدّم العالِم في علمه، وتبحّر في مطالعاته، ومن أبرز مصاديقها، حيازته على ملكة الفقاهة والإمساك بقدرة الاستنباط، وهي أعلى المراتب المنهجية في طور الدراسة الحوزوية، وآخرها في سلّم التحصيل، وهي – من جهة أخرى- بداية الانطلاق في أفق البحث الواسع لصياغة المعرفة وتفجّر العلم.
على ذلك، فإن معرفة المقام العلمي يظهر في جهتين:
1 - في جهة التسلّط على الأدلة بالقدرة المعرفية.
2 -وجهة سعة الاطلاع وتفعيل العطاء وامتداده.
وكل دائرة من دوائر المعرفة يمكن أن تُحكم بهذا المناط ضمن مدياتها العلمية وإفاداتها لواقع الحياة، إلا أن الفقاهة والاجتهاد هي سنام المعرفة الدينية، لأن الفقه في مدلوله العام، هو الفهم العميق للعلم، أي أنه ليس مجرد العلم بالنتيجة والمعلومة، بل هو علم بعد تأمّل وتفكّر وفهّم، وفي الاصطلاح قالوا بأنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية.
وبذلك التعريف المشتهر، وبغض النظر عن المستدركات عليه، فقد حدّدوا الفقه الاصطلاحي في حدود ثلاثة، هي:
1 – أنه العلم الذي يندرج ضمنه حكماً شرعياً، من الأحكام الخمسة المعروفة في الفقه (الوجوب والحرمة، والاستحباب والكراهة والإباحة).
2 – أنه العلم الذي يهتم بالفرعيّات من شؤون الدين، وهذا يعني تمايزه عن أصول العلم كالاعتقادات.
3 – أن يكون ذلك العلم عن استدلال علمي، وليس أي نوع آخر من العلوم الإلهامية والكشفية وغيرها.
هذه المحدّدات إنما وُضعت ضمن جهود لصياغة العلوم المفردة كلّ على حدة، فيأخذ كل علم هويته من أجل تسهيل التخصّص، وبروز نتائجه المقرّرة في غاياته، ووضع المنهج المتوافق معها.
إلا أن علم الفقه في تقييمه وتراتبيته بين سائر المعارف الدينية، يأخذ مكانة القمة من حيث النتائج، وذلك لسببين:
الأول: أن نتيجته تقع في سياق التطبيق العملي، وصياغة القانون من أجل رسم مسار الحياة في تعاملاتها وتعاقداتها وحقوقها وواجباتها، وفي ما ينبغي أن تندفع نحوه، وما ينبغي أن تُحجم عنه وتمتنع عن القيام به، مما يعني أنه يصيغ السلوك العام للفرد والمجتمع، ويصيغ قوانين التعامل بين الناس.
وما يقع نتيجته في مقام العمل والتطبيق، فهو يكتسب أهمية كبيرة، لأنه يحمل صفة الإلزام في تراتبياته ضمن الأحكام الخمسة المشتهرة في الفقه.
الثاني: إن الفقه في حقيقته هو الصياغة القانونية لقيم الدين التي أفرزت من أصوله الاعتقادية، فالفقه يعود في هذا البند ليأخذ العمق الدلالي في اللغة، لأنه يرتبط بمجمل معتقدات الإنسان ومفاهيمه وقيمه، وبتعبير آخر: يرتبط بمفهومه للدين، وهذا ما عبّرت عنه الرواية عن أبي عبد الله (ع) في إحدى جوانبها، (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا)[1].
ولأنه يرتبط بفهم الدين، فإن الفقه هو آخر ما يعمد الفقهاء إلى الاشتغال به والاستنباط فيه، فحتى لو لم يكن ذلك نتيجة منهجية محدّدة سلفاً، إلا أنه الواقع المعتمد في السيرة العملية والعرف الخاص، فلذلك فإن من أعلى درجات السلّم العلمي في الحوزة العلمية، هي أن يكون الطالب فقيهاً قادراً على استنباط الحكم الشرعي من أدلته المعتمدة.
ولذا فقد اعتاد العلماء أن يدوّنوا وينشروا في حقول المعرفة المختلفة، كلما شعروا بالقدرة على ذلك الحقل، وبقي حقل الفقه الاستدلالي آخر ما يؤلف فيه العلماء بالنظر للسلّم المنهجي، إلا أن يكون مراناً يختص العالم بمدوناته لنفسه أو تبقى في دائرة التداول بينه وبين أساتذته أو أقرانه، بلى، قد يقوم العالم الذي لم يتخطّ بعض مراحل درس البحث الخارج، بالتدوين والنشر في الحقل الفقهي وما يتصل به بحسب مرحلته وقدرته، فينشر شرحاً لمتن، أو تحقيقاً له، أو استظهاراً أو تنظيماً أو بحثاً من نواح تاريخية أو عقدية أو غيرها، مما لم يصل إلى نشر استنباط فقهي بقبول رأي أو رد آخر، وذلك دفعاً للخلل الذي يمكن أن يقع فيه الباحث باعتباره لم يبلغ مرحلة البحث الاستدلالي مع فقيه خبير، وهو أمر عرفي عقلائي قد تخرج منه حالات النبوغ المبكر.
انضباط النبوغ المبكر
إلا أن النبوغ المبكر الذي صادفته الحوزات العلمية طيلة تاريخها، لم يقفز عليها من خارج إطارها، ولم يكن نتيجة الأحداث الفجائية أو الإلهامات الكشفية، وإنما نبت النبوغ وترعرع في ظل توفّر الأرضية الذهنية لدى الطالب، وتوفّر الأستاذ الكفء، ثم السلوك في هذا الطريق بقوة وبصيرة، إضافة إلى الاستعدادات النفسية والتربوية، فيتخطّى الدرجات العلمية بسرعة فائقة، ويقدّم الإبداعات العلمية في هذا السبيل.
في ظل هذه الظروف قد جادت الحوزة العلمية في تاريخها بنماذج النبوغ المبكر، وظهرت قدرات علمية رائدة، وصلت إلى درجات الاجتهاد في حداثة العمر وريعان الشباب، كنادرة زمانه الشيخ الطوسي (محمد بن الحسن) (385هـ-460هـ ) الذي انتهل من العلوم المتنوّعة في مدينته طوس حتى بلغ الثالثة والعشرين من عمره، انتقل منها إلى بغداد، لينضمّ إلى درس الشيخ المفيد، فتتفتق حينها قدراته العلمية، وتظهر للعيان في كتاب (تهذيب الأحكام) الذي قدّم فيه استدلالات روائية على نصوص فتاوى أستاذه، وهو ما بين عمر الخامس والعشرين والثلاثين، فقد كتب بعضه في حياة أستاذه وبعضه الآخر بعد وفاته. يُعتبر كتاب التهذيب علامة بارزة في النبوغ المبكر للشيخ الطوسي، لما احتواه من جهد علمي وقدرة على التوفيق بين الروايات، وتتبّع للتفريعات، قد تنامت هذه القدرة بلا شك مع مرّ الزمان وتراكم الخبرة العلمية لدى الشيخ (رحمه الله) بعد أن تتلمذ على يد الشريف المرتضى مدة ثلاث وعشرين سنة أخرى، فآلت إليه الزعامة العلمية بعد وفاة أستاذه الثاني.
ومن أمثلة الفقاهة المبكرة في سماء التشيّع، هو العلامة الحلي، جمال الدين حسن (648هـ - 726هـ)، النابغة الذي توفّرت له ظروف العيش في البيوتات العلمية، حيث تشرّب بماء العلم منذ نعومة أظفاره، وارتوى من معينه شاباً، فأبوه سديد الدين من فقهاء الحلّة، وخاله المحقق الحلّي نادرة زمانه، فنبغ في صباه، وذاع صيته شاباّ عالماً، قد وصلت له الزعامة الدينية وهو في سن الثامنة والعشرين من عمره، حمل رايتها بجدارة، فصبّ مداده على أوراق العلم، فكانت شاهدة على براعة العطاء، ومعدن الفقاهة.
وآخراً وليس أخيراً، فإن الشهيد الأول، محمد بن مكي العاملي (734هـ - 786هـ)، الذي نال شهادة الاجتهاد من فخر المحققين في الحلّة بعد أن أمضى أول سنة له فيها، حيث وصل إليها بعد تأسيس علمي رصين في بلدته في جبل عامل، وبعد مضي خمس سنوات له في حلّة العلم والفقاهة، قفل راجعاً إلى دياره، وهو ابن الواحد والعشرين عاماً، فقيهاً يتردّد صيته في الآفاق، ويختلف إليه العلماء.
وغير هذه الأمثلة الكثير، ممن ظهر نبوغهم للعيان مبكراً، وممن كان نبوغهم المبكر يترجمه العلم والهمّة العالية، فتظهر آثاره بعد حين، فلا تظهر في سني حياته الأولى، بل تكون عطاءاته اللاحقة دليلاً عليه. ونحن إذ نذكر أمثلة النبوغ المبكر، فلا نحصر النبوغ والآثار العلمية العظيمة في هذه الفئة من العلماء، فمن الأعلام من شرع في حضور الدرس العلمي وهو في سن الأربعين، إلا أن يراعه جاد بأروع المؤلفات وأجود التقريرات، ولكننا نذكر ذلك، لأننا في صدد استظهار النبوغ المبكر والفقاهة المبكرة في هذه المقالة المقتضبة لأحد مراجع الدين وأعلام الأمة الإسلامية المعاصرين، وهو المرجع الديني السيد محمد تقي المدرّسي (مد الله في ظله الشريف).
المرجع المدرّسي في بيئته
ولد المرجع الديني السيد محمد تقي المدرّسي في عام (1364هـ/1945م)، في مدينة كربلاء المقدّسة، ونشأ في أسرة الإيمان والتقوى، وترعرع وسط كوكبة من العلماء الأجلاء، في جو تحوطه الحوزة العلمية، وترعاه المرجعية الدينية، وهو سليل العلماء والمراجع من جهة الأب، فأبوه العارف الفقيه السيد محمد كاظم المدرّسي، تلميذ الميرزا مهدي الأصفهاني، وجده آية الله السيد محمد جواد المدرّسي الذي كان من أصحاب المجدّد الشيرازي أستاذ الفقه والأصول، وجدّه الأعلى المرجع الديني السيد محمد باقر المدرّسي. وأما من جهة الأم، فأمه ابنة المرجع الديني السيد ميرزا مهدي الشيرازي، تلميذ الأعلام: السيد اليزدي والشيخ النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي، وخاله المرجع الديني الكبير السيد محمد الشيرازي الراحل، والمرجع الديني المعاصر السيد صادق الشيرازي.
ابتدأ دراسته وهو لم يزل في الثامنة من العمر، وبعد أن تشبّع بروايات أهل البيت (ع) والقرآن الكريم، والفقه والأدب النافع، تتلمذ على يد جملة من الأعلام، من بينهم والده الفقيه، وخاله المرجع السيد محمد الشيرازي، وآية الله الشيخ محمد الكلباسي، وآية الله الشيخ محمد الشاهرودي، وآية الله الشيح جعفر الرشتي، والمرجع الديني الشيخ يوسف الخراساني البيارجمندي (رحمهم الله جميعاً).
في وسط هذه البيئة العلمية والإيمانية، شق المرجع المدرسي طريقه في استلهام العلم، ولم يسمح لوقته بالضياع، ولا لفكره بالتشتت، فقد كان يسابق الزمن، حتى نبغ في الحقل العلمي الحوزوي، والحقل الفكري المعاصر، وكان نتاج ذلك النبوغ مجموعة من المؤلفات الرائدة، إضافة إلى مزاولته التدريس في البحث الخارج وقد مرّ على عمره ستة وعشرين ربيعاً.
كربلاء ساحة النبوغ
لقد عاش المرجع المدرّسي في كربلاء المقدّسة، منذ ولادته فيها، وحتى هجرته عنها، مدة ستة وعشرين سنة، حيث ولد سنة (1364هـ / 1945م)، وهاجر عنها سنة (1390هـ / 1971م)، وفي هذه الفترة الذهبية من عمره الشريف تفجّرت ينابيع المعرفة من بين جوانحه وهو في ريعان الشباب، إذ تخطّى فيها درجات التعليم الحوزوية كلها، وجاد حبره بمؤلفات قيّمه تكشف عن نبوغه وسعة اطلاعه.
إن تسليط الضوء على هذه الفترة من حياة المرجع المدرّسي، يمكنها أن تكشف لنا مدى نبوغه الفكري، بل وفقاهته المبكرة، إذ أن هذه الصفات لا تتوفر إلا لدى القلة القليلة من الأعلام، يذكرنا فيها سماحته بتلك الكوكبة من فقهاء الشيعة الذين نالوا درجات الاجتهاد وهم في ربيع العمر وريعان الشباب، ولا شك أن تلك الملكة العقلية لا يمكن استظهارها عبر التوصيف العام، والادعاء العابر، أو عبر ذكر الأساتذة والحضور بين أيديهم، بل لابد أن تكشفه العطاءات، وتتحدّث عنه الآثار، التي ظهرت ثمارها وفاح أريجها ولاح بريقها للعيان.
إن شياع بعض الآثار العلمية بحد ذاته لا يكشف عن نبوغ مبكر، إلا مع ذكر مرحلة العالم العمرية التي تولّد عنها ذلك الأثر، فإننا نقدّر ما كتبه شيخ الطائفة الطوسي من كتاب التهذيب، الذي هو أحد كتبنا الأربعة المعتمدة، إلا أننا إذا علمنا أنه قد دوّنه في سن الخامسة والعشرين تقريباً، فإن ذلك من شأنه أن يوضح الصورة ويجليها في النبوغ المبكر.
ولهذا فإن تتبع السيرة العلمية لسماحة المرجع المدرّسي في حقبة كربلاء الأولى التي هاجر عنها وهو ابن السادسة والعشرين، قبل أن يعود إليها بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الهجرة القسرية، سيظهر معالم ذلك النبوغ الشبابي المبهر، ويكشف عن تألّق علمي وقّاد.
شرح كفاية الأصول والمتون العلمية
في الفترة ما قبل بلوغ سن العشرين عاماً، أي والمرجع المدرّسي بين الخامسة عشر والتاسعة عشر كانت فترة دراسته السطوح العالية، يجمع رحيق العلم من أساتذته الكبار، ويفتّش عن المعارف في بطون الكتب، وكان من ضمن دراسته في علم الأصول: كتاب (كفاية الأصول)، للآخوند الخراساني ، الذي يعُتبر من أدق وأعقد كتب الأصول في مناهج الحوزية العلمية، وقد ظهرت معالم النبوغ في كتابة شرح للكفاية وهو في سن دون العشرين من العمر، يقول المرجع المدرّسي عن هذه التجربة: (أنقل هنا إحدى تجاربي الشخصية عندما كنت أدرس مع مجموعة من الطلبة كتاب (كفاية الاصول) الي كان اكثر الكتب صعوبة، وقد كنا ندرسه عند سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (حفظه الله)[2].
وكنا نذهب عنده في زحمة ما يشغله من الأعمال، فنأخذ من وقته نصف ساعة ليدرّسنا هذا الكتاب، فكان السيد يدرّسنا خلال ربع ساعة، وفي الربع الثاني يحدثنا عن السياسة وقضايا أخرى.
وقد كانت الدقائق الخمسة عشرة التي كان يدرّسنا فيها السيد (حفظه الله) تعادل على الأقل ساعة مما يدرسه الآخرون مضافاً الى ذلك عدم إحساسنا بالملل، فقد كان يكفي أن نجلس يشرح لنا الموضوع بأسلوب مبسط للغاية، فيحل ألغاز الكتاب وغوامضه حتى تكشف لنا، وكان من ميزاته أيضاً أنه كان يتكلّم بسرعة، خلافاً لبعض المدرّسين الذين اعتادوا أن يذهبوا الى زاوية الصف ليفكروا قليلًا.
وفي الوقت الذي كنت أدرس فيه هذا الكتاب (كفاية الأصول) عند السيد، كتبت أنا أيضاً شرحاً لكتاب الكفاية، وقد رآه أحد العلماء من مراجع النجف مدوناً في دفتر فاطّلع عليه فأعلن أنه يصلح لأن يطبع لاحتوائه على شرح جيد.
ولقد كان عمري في تلك الأيام التي درسنا فيها الكفاية دون العشرين، ولكني استطعت وبفضل التدريس الجيد أن أكتب شرحاً للكفاية وهو الكتاب المعقّد! والفضل في ذلك يعود إلى فنّ التّدريس الذي كان الأستاذ يحذقه، والذي يتبلور في اهتمامه بالطلاب، ومتابعته للموضوع وتعمقه في المادة، ومحاولة البحث عن الأمثلة التي تقرّب إلى أذهان الطلاب معلومات الدرس)[3].
إن القدرة على كتابة شرح كامل لكتاب كفاية الأصول، لا يعني استيعاب مادته العلمية الدقيقة فحسب، بل يعني القدرة على بيانها بأسلوب آخر، وهو ما ينمّ عن قدرة لا يستهان بها لشاب في السابعة عشر من عمره تقريباً، وهذا الشرح بقي من المخطوطات التي لم تنشر، إلا أن تدوين هذه التجربة مع أستاذه الإمام الشيرازي في حياته، الذي توفي سنة (1422هـ) لدليل آخر على ثبوتها، كما أن شهادة المرجع الديني القاطن في النجف الأشرف بجودة الشرح واستحقاقه النشر، دلالة أخرى على براعة قلمه العلمي في سن مبكرة، والمرجع المذكور هو زوج عمته أخت أبيه، المرجع الديني الكبير السيد عبد الأعلى السبزواري (قدس سره)، ولعله لم يذكر اسمه، لكون السيد السبزواري يقطن النجف الأشرف في فترة الحكم الدكتاتوري البائد.
وفي فترة ما دون العشرين تلك، قد عبّ المرجع المدرسي مختلف العلوم عباً، وتمكّن من وعيها وتدريسها وشرحها، وقد أظهر فطنة منقطعة النظير، فقد (حفظ نص كتاب (تبصرة المتعلمين)، كما حفظ نص (كتاب الصمدية) في الصرف والنحو، كذلك حفظ عن ظهر قلب ألفية ابن مالك، وهي ألف ببيت من الشعر في الصرف والنحو، وقام في الوقت نفسه بتدريس (كتاب السيوطي) في الصرف والنحو (7) مرات في صغره، كما درّس كتابي (معالم الأصول) و(كفاية الأصول) ثم كتب شرحه عليهما في عهد الشباب، كذلك وفقه الله تعالى لشرح بحوث الصلاة من كتاب (شرائع الإسلام) لمحقق الحلي، وكذلك بحوث الصيام والخمس والجهاد)[4].
تدريس البحث الخارج
لم تكن فترة كربلاء الأولى شاهدة على حضور المرجع المدرسي (دام ظله) عند أساتذة البحث الخارج وتألقه فيها وهو في ريعان الشباب وحسب، بل كانت شاهدة على شروعه في التّدريس لأعلى درس علمي في الحوزة العلمية، وهو البحث الخارج في (الفقه) وفي (الأصول)، وكان ذلك في الحرم الحسيني المطهّر، حيث حظر درسه عدد من العلماء، وكان بعضهم يقرّر تلك الأبحاث.
وإذا علمنا أن هجرة سماحة المرجع المدرّسي من كربلاء مضطراً كان في عمر السادسة والعشرين، وأن شروعه في تدريس بحث الخارج كان قبيل الهجرة، فهذا يعني أن عمره كان آنذاك، على التقدير، بين الرابعة والعشرين والسادسة والعشرين، وهو ما ينبئ عن مزاولة لعملية الاجتهاد النظري، التي يضطلع بها الفقهاء، ففي البحث الخارج، يقوم الأستاذ بذكر المسائل مع أدلّتها، والآراء المتعددة فيها، ثم يذكر مبانيه العلمية واستدلاله الخاص في تلك المسألة، أمام طلبته أصحاب الفضيلة العلمية.
فإن اعتلاء السيد المدرّسي كرسي التدريس للبحث الخارج وهو دون السادسة والعشرين، لدليل على نبوغ اجتهادي مبكر، أخذ في مزاولته استمراراً في المهجر، حيث توالت البحوث، ولم تتوقف حتى عند عودته إلى مسقط رأسه كربلاء المقدّسة بعد سقوط الطاغية في سنة (2003م) وحتى كتابة هذه الكلمات، وبذلك يصبح المرجع المدرّسي مزاولاً للبحوث الفقهية والأصولية لأكثر من خمسين عاماً، تخللتها عكوفه على التفسير ومعالجة القضايا المعرفية والمعاصرة، مما أثمر عدة من الكتب القيّمة في المجال الفقهي، منها تعليقته على كتاب العروة الوثقى، للسيد اليزي، وتتمته بتعليقة على مهذب الأحكام[5] للسيد السبزواري، كما صدرت الكتب الاستدلالية التي كان يلقي بحوثها في السابق، بعد أن كانت حبيسة المخطوطات، ككتاب (قسم المعاملات، بحوث في البيع)، وكتاب (الصلاة بحوث استدلالية) في خمسة مجلدات، و(دراسة استدلالية في فقه الخمس وأحكام الانفاق والاحسان)، وكتاب فقه الاستنباط في علم الأصول، ثم دوّن رؤيته التجديدية للاستنباط الفقهي في موسوعته (التشريع الإسلامي) في عشرة مجلدات، والتي كان قد وضع أولى لبناتها الفكرية وهو ابن الثالثة والعشرين سنة، في كتابه القيّم (الفقه الإسلامي، قسم المعاملات، أصول عامة).
كتاب الفقه الإسلامي خطوة تجديدية
إن من أبرز ما يكشف عن الفقاهة المبكرة للمرجع المدرّسي، هو الأثر الملموس، المتمثّل في كتابه الفقهي القيّم، كتاب (الفقه الإسلامي، قسم المعاملات، أصول عامة)، الذي طبع في طبعته الأولى في سنة (1393هـ/ 1972م) عن دار الصادق في بيروت[6]، إلا أن كتابة مقدمته كانت سنة (1391هـ)، وقد أشار سماحته في مقدمته أنه ألّفه قبل هذا التاريخ بأربع سنوات، وهو ما يعني تأليفه سنة (1387هـ)، وهذا العام كان عمر سماحته ثلاثة وعشرين سنة فقط.
السيد المدرّسي ابن الثالثة والعشرين سنة، يكشف في كتابه الفقهي عن قدرة متسلّطة في الاستنباط الفقهي، وفي التحليل الفقهي للمسائل، بل للرؤية الطموحة في محاولة التطوير للتدوين الفقهي، وهذا ما يثير الإعجاب حقاً، وهو أثر طبع حديثاً في طبعة رائقة في مجلدين، قد ألحق به (بحوث البيع)، والكتاب المطبوع قديماً هو وثيقة متوفرة لديّ وفي بعض المكتبات، بورق أصفر، يمكن الرجوع إليها.
الكتاب عبارة عن شرح استدلالي برؤية جديدة، لقسم المعاملات في كتاب شرائع الإسلام، وهو شرح استدلالي متين في حجّته، رشيق في بيانه، لكنه لم يكتف بالجانب الاستدلالي المباشر، كما هي الشروح الاستدلالية التي اعتمدت منهاج الفروع، فمع اعترافه بتطوّر العطاء الفقهي لفقهاء الشيعة الإمامية، وتقدّمهم في مجال الاستنباط، إلا أنه انطلق في كتابه هذا برؤية شمولية تؤمن بضرورة كتابة الفقه ضمن النسيج الذي يؤمن به الفقهاء إيماناً أكيداً بأن الفقه هو فروع لأصول، وفيه الممتشابه الذي يحتاج إلى محكمات الدين، لتنشكف جواهر الفقه المعاصر في صورة منسجمة مع الدين، وطيعة للفهم.
يقول المرجع المدرسي في بداية كتابه، معبّراً عن أهمية كتابة الفقه بالمنهجية التي اتبعها: "ينبغي أن نعلم أن الفقه الإسلامي لم يتبع هذا المنهاج إلا قليلاً، وبالرغم من أن الفقهاء يؤكدون في مصنّفاتهم الأصولية القيمة على هذا المنهاج، فإن كتابة (الفقه) لم تتبع هذا الأسلوب إلا نادراً. فأكثر الفقهاء كتبوا الفقه على منهاج الفروع، فكتبوا مسائل الصلاة استدلالياً، ثم الصوم، ثم الحج، ثم... إلخ. ولهذا فإن أدلتهم جاءت متشابهة بالنسبة إلى وفرة من المسائل الفقهية. كالمقنع مثلاً، نرى فيها ذكراً للفروع حسب المنهاج العملي، مع الاقتباس الذي يكاد يكون كلّياً لنصوص الأحاديث الشرعية. وأمّا الاستدلال الفقهي ففيه شيء يكاد يكون كلّياً لنصوص احاديث الشرعية. وأما الاستدلال الفقهي ففيه شيء قليل جداً، ومع ذلك فهو لا يتبع أسلوب التدرّج من القاعدة إلى الفروع.
وكتاب الناصريات للسيد المرتضى (قدس سره) يسير على المنهج ذاته، فروع فقهية، والتدليل على كل واحد منها بما يناسبه.
ولاتعدو كتب العلامة الحلي (قد سره) الاستدلالية عن هذا المنهج، الذي هو دمج الفروع بالاستدلال.
وفي كتب الفقهاء التأخرين نجد منهاج الشرح والمتن أكثر شيوعاً. والشرح الاستدلالي يتناول بالتدليل على الفروع الي يذكرها المتن شيئاً فشيئاً.
وآخر الشروح المتدالة هو موسوعة (جواهرالكلام في شرح شرائع الإسلام)، الذي نرى فيه منهاج الاستدلال على الفروع أيضاً، وأكثر الفقهاء المتأخرين عن (الجواهر) حذوا حذوه. وهذا الأسلوب مفيد من جهة سرعة الاطلاع على المسألة الفرعية وما قد يقال فيها من الأدلة، إلا أنه يربك الفقيه أيّما إرباك، خصوصاً في تطبيق الفروع على الأصول العامة، حيث إن الأصل الواحد يُبحث عنه بضع عشرة مرة في مختلف الأبواب الفقهية، وفي كل باب جزء من البحث حول دلالته، أو سنده، أوتعارضه، أو..أو.. في حين أنه لو كانت كل البحوث متمركزة في اب واحد لكان من السهل جداً استخراج الفروع منها.
وقد لوحظ أنه كثيراً ما يتّفق اختلاف الفقيه الواحد في عدة كتب له، أو في كتاب بعدة أبواب يتناقض تناقضاً بيّناً جول القواعد الفقهية، ومن هنا يكون الانفصام بين الفقه والأصول بيّناً عند كثير من الفقهاء. وتغيير هذا الأسلوب إلى الأسلوب الأصيل في العلم الإسلامي، أي ذكر الأصول ثم التفريع عليها يتطلّب فصل الفقه الاستدلالي عن الفقه العملي، فيكون الثاني بأسلوب بسيط يسهل على عامة الناس الرجوع إليه، بينما ينبغي أن يكون أسلوب الأول هو الابتداء من القواعد الفقهية الأشمل، ثم ذكر الفروع المترتبة عليها ليسبب انفتاح النفس على الأشباه والنظائر، ويعمّق التفقه لديها.
كما ينبغي ألا يقتصر على البحث حول ما اشتهر من الأصول الفقهية، بل يحاول استنباط قواعد جديدة، إما من الفروع الجزئية التي ثبت عدم خصوصية الفوارق بينهما، وإما من الآيات والأحاديث التي لم يتدبّر فيها السابقون ليحصلوا منها على أصول عامة.
وبهذا الأسلوب ابتدأ الشيخ الأنصاري (قدس سره) في كتابيه: المكاسب والرسائل، ففي الأول – كما هو معروف – خرج على المنهج التقليدي ببحث البيع، ومنه انطلق إلى سائر المعاملات، حتى عند الحديث عن الولاية استطرد فيه إلى موضوع ولاية الفقيه.
وأما في كتاب الرسائل فقد تعرّض لفروع فقهية كثيرة، بل تعرّض لكثير من القواعد الفقهية، وأطال الحديث عنها، مما يضيق الفجوة التقليدية بين الفقه والأصول كما سبقت الإشارة إلى ذلك"[7].
وقد ابتدأ المرجع المدرّسي في كتابه هذا بخطوة في هذا الطريق من خلال بحث الأصول العامة في قسم المعاملات ثم ذكر فروعها، وهي خطوة تعتبر رائدة في رسم خارطة فقهية أصولية، تساعد في فهم أكثر أصالة للفقه الإسلامي، ثم أتبعها بعد سنين في الهجرة بموسوعة التشريع الإسلامي (الأصولية الفقهية) التي بنيت على هذه الأسس مع بلورة أتمّ، وإلمام أوسع، لأن هذه الخطوة جاءت بعد أن فسّر القرآن الكريم كاملاً، وخرج ببصائر علمية مستوحاة من هدى القرآن الكريم، كما أنه كان سابقاً متشرّباً بروايات أهل البيت (ع)، حيث أنه في حداثة سنّه وقبل العشرين من عمره، تباحث مع صديق له في كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قد سره)، مع تواصله مع الكتب الروائية الأخرى.
كتاب الفكر الإسلامي
انطلاقاً من الوعي القرآني والروائي الأصيل، انفتح المرجع المدرّسي الشاب الطموح الذي لم يعرف الجمود، ولم تقيّده الرؤى البالية، انفتح على المعارف التي كانت سائدة في تلك الحقبة الزمنية، من أجل أن يقدّم رؤية الإسلام للحياة، رؤية صافية غير متأثرة بشوائب التصورات البشرية المحدودة في باعها المعرفي، وفي زمن حاول بعض المفكرين أن ينحو نحو التوفيق بين المعرفة الغربية وتصورات البشر، وبين رؤية الدين الإسلامي، كنوع استجابة لمتطلبات العصر، إلا أن السيد المدرسي قد انطلق من بصائر الوحي في طرح الرؤية للحياة، راسخ الاعتقاد بأن الدين هو القادر على قيادة الأمم عبر رؤيته الشمولية.
لقد صبّ السيد المدرسي معين معرفته الصافية في كتابه القيّم (الفكر الإسلامي، مواجهة حضارية)، الذي ألّفه في عام 1969م، وهو ابن الرابع والعشرين ربيعاً، وأظهر بذلك، وعياً منقطع النظير لنظرية الإسلام الأصيلة من جهة، ووعياً للنظريات الحديثة، فقد بحث فيه (نظرية المعرفة) بين الإسلام والتصورات البشرية والفلسفية، ثم خصّص فصلاً لنقد التصورات البشرية بكل حرفية، حيث بيّن مواضع الوهن ووضع يده على جوانب الخلل فيها، ثم أتبع الفصلين بفصل ثالث حول طبيعة الرؤية المعرفية للعالَم، كبحث مقارنة بين الإسلام والفسلفة الديالكتيكية لهيجل، والميكانيكية لديكارت، والنظريات الأخرى، وبين نظرية الإسلام من خلال فلسفة النور التي تؤمن بأن الله نور السماوات والأرض، وهو الخالق وما دونه مخلوق له في ثنائية ثابتة، ينطلق منها لوعي عالم الخلق، وبناء عقيدته فيها، وقد تكفّل القسم الآخر من الكتاب ببحوث العقيدة والإيمان، ابتدأها بالتوحيد والعدل، فالنبوة والإمامة والمعاد، وفي ختام البحوث المحورية تناول مسألة (الإنسان والمجتمع)، ليناقش النظريات الاجتماعية المختلفة، مبرزا نظرية الإسلام في العلوم الاجتماعية، كالمجتمع والاقتصاد والسياسة.
إن ما يثير العجب أنه وبعد مرور أكثر من خمسة عقود على تأليف الكتاب، لا يزال غضاً وكأنه كُتب اليوم وبلغة العصر، وهذه الخاصية لم تأت من فراغ، وهي خاصية تجدها في أكثر مؤلفات المرجع المدرّسي، لكونها متّصلة بهدى القرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، وهي المعارف الغضة الطرية في كل زمان، ولكون المؤلف كان يطرح تلك الأفكار في رؤية حضارية، ليمسك المسلمون بزمام الأمر، لقيادة العالم وبناء الأمم والحضارات، إضافة إلى أنه كان من جل الأوائل الذين قدموا معالجات علمية إسلامية للواقع.
إن هذا الأمر الذي يكشف عن مقام مؤلّفه الشاب، كعملاق في الفكر والعقيدة، استطال في العطاء الفكري في جوانب عديدة، كان لها قصب السبق في ميادين المعرفة، منها رؤيته في كتاب (القيادة الإسلامية)[8] وهو بحوث في الإمامة والولاية التشريعية، بيّن فيه شكل القيادة والنظام الإسلامي لقيادة الأمة، وقد صدرت أول طبعة له في لبنان في سنة 1971م، إلا أنه قام بتأليفه قبل هذه السنة في كربلاء المقدّسة، وأخذت المجاميع المؤمنة تتداولة بالدراسة وهو لم يزل مخطوطاً. كما خطّت يراع السيد المدرّسي في عقده الثاني كتاب (بحوث في القرآن الحكيم)[9] الذي حرّر فيه رؤية حيوية لمنهج فهم القرآن الكريم، قد اعتمدها في السنين اللاحقة كأصول لتفسيره الأول (من هدى القرآن الكريم)، وانساب حبره في بواكير حياته كاشفاً عن عدد من الكتب القيّمة الأخرى.
3/3/2021م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] - وسائل الشيعة، ج27، ص61.
[2] - لقد كتبت هذه التجربة وطبع الكتاب في حياة خاله وأستاذه الإمام الشيرازي رحمة الله عليه، ولذلك كتب (حفظه الله)، حيث طبع الكتاب في سنة 1413هـ.
[3]- كتاب الحوزات العلمية في مواجهة التحديات (المعهد الإسلامي)، ص232، المرجع المدرسي.
[4] - المرجع والأمة، إطلالة على السيرة العلمية والعملية للمرجع المدرسي، ص25.
[5] - وبذلك يكون سماحة المرجع المدرسي لديه دورة فقهية كاملة على منوال تفصيلات العروة الوثقى، باعتبار أن الفقهاء قاموا بالتعليق عليها، وهي لم تستوعب كافة الكتب الفقهية، وقد قام المرجع السبزواري بتتمتها على نفس الأسلوب، فقام المرجع المدرسي بالتعليق عليها، وهذه ميزة قلما توجد عند فقيه.
[6] - أسّسها آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي
[7] - الفقه الإسلامي، قسم المعاملات، أصول عامة، المرجع المدرسي. ط1، ص18.
[8] - وهو يحتاج إلى رؤية مفصلة باعتباره وثيقة مهمة في النبوغ الفكري المبكر.
[9] - وهو يحتاج إلى رؤية مفصلة باعتباره وثيقة مهمة في النبوغ الفكري المبكر.
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 49029 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35948 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33874 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 32122 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28588 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20507 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 20036 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19918 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19850 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15918 مرُة