الواقع السياسي والتاريخ الواقعي

im200مقالات عاشوراء (8): الواقع السياسي والتاريخ الواقعي

 

.

 

الواقع السياسي والتاريخ الواقعي

السيد محمود الموسوي

عندما أجاب بعض العلماء على إشكالية الذين يريدون أن يمنعون مداولة التاريخ وإحياء وقائعه فيما بين المجتمع كما تحيى واقعة عاشوراء في كل عام، بأن الله تعالى قصّ علينا أحسن القصص في القرآن الكريم، تلك القصص التي سردت لنا صراع الأنبياء والصالحين مع الطواغيت والواقع الفاسد، وتلك القصص التي أحياها القرآن لهي خير دليل على ضرورة أن إحياء تاريخ النبي (ص) وأهل بيته (ع) وسرد الصراع والتحدي الذي عاشوه، وهذا الدليل يمثل حجة دامغة برغم سلاستها ووضوحها.

إن من يريد أن يمنع مداولة التاريخ وقراءته وإحيائه، يتحجّجون بأنه يثير الفتن والنزعات الطائفية، ولكن ذلك غير صحيح خصوصاً بالنسبة لتاريخ الصراع السياسي بين قوى النور وقوى الظلام، فقراءته ليست مهمة وحسب، بل هي بالغة الأهمية، لأنها تبصر القارئ بالواقع السياسي المعاش، وسبل النجاة من مهاويه وإنقاذه من ألاعيب المضللين، وتعرفه بموقفه من الظلم والظالمين، فمن يريد أن يمنع قراءة التاريخ فهو يمنع جزءاً من الوعي المهم في تكوين العقل البشري، ويحاول أن يحجر عليه لكي لا يعي ما يدور حوله في ساحات السياسة.

ولا نستغرب إن عرفنا أن من يقود حملة الانقطاع عن التاريخ الذي فصل بين الإمام الحسين (عليه السلام) ويزيد بن معاوية (لعنه الله)، منهجياً، أي في الفكر والسياسة، هو من يتقرب إلى يزيد وسياسته ومن اتبع سياسته ومنهجه في الحكم، لكي يغض الناس الطرف عن مساوئهم ويحصل هو على الحصص الدنيوية أو الطموح الشخصاني.

لا نستغرب ذلك لأننا عشنا التاريخ ببصيرتنا ومشاعرنا، فكان ذلك جزءاً من وعينا للواقع، بل إن هذا الواقع الذي نراه من النماذج التي نراها تتحرك في الواقع السياسي، يعطينا نتيجة يقينية بواقعية التاريخ وأحداثه التي تروى ومواقفه التي تحكى، فلا يمكن لشخص يعيش سيرة الإمام الحسين (ع) وسيرة كربلاء وإرهاصاتها، أن يغفل عن أصحاب المصالح الذين يسترضون الظالمين من أجل الحفاظ على مكاسبهم، أو علماء البلاط الذين يشرّعون بقاء الظلم بألسن ملوية، أو أدعياء الثقافة والمنظرين الذين ينسلخون من مفاهيمهم ويقلّبون للناس الأمور، وغيرها من النماذج المعاصرة والمعاشة.

فنحن لا نستغرب واقع الانحراف والتلوّن والالتواء والنفاق السياسي؛ لأن (التاريخ الواقعي) أنبأنا بذلك.

ولا نستغرب وجود تاريخ مليء بالانحراف والتلوّن والالتواء والنفاق السياسي؛ لأن (الواقع السياسي) يشهد بذلك.

فالدليل على واقعية التاريخ هو الواقع السياسي الذي نعايشه، ومن هنا سيكون إحياء عاشوراء ضرورة حضارية، وستكون له مهمة أساسية في الوعي والعقل الاجتماعي لضمان وضوح الرؤية وعدم الانخداع بفتاوى البلاط ولا بتحريفات أشباه المثقفين، ولا بأكاذيب الإعلاميين.

من مؤلفاتنا