في ولادة الإمام الحسين وإشكالية المدة بين ولادة الحسنين

emamanالسيد محمود الموسوي

من أشهر الاختلافات في التّدوين التاريخي هي الاختلافات التي وقعت في تحديد أيام وشهور وسنوات الميلاد، وقد شمل ذلك تواريخ الأئمة المعصومين سلام الله عليهم،

وخصوصاً فيما نقله المؤرخون في كتبهم، ولم تخل الروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) من تباين في تحديد مواليد الأئمة أو حتى وفياتهم سلام الله عليهم، وهناك أسباب عامة لذلك، وأسباب خاصة، ولسنا بصدد الحديث عنها، ولكن ما ينبغي التأكيد عليه أن المعالجة لا يمكن أن تكون بقاعدة واحدة شاملة للجميع، لاختلاف الخصوصيات النقلية، فلابد من البحث المختصّ بالحدَث المراد تحديد تاريخ وقوعه، خصوصاً إذا كانت تترتب على ذلك أحكام شرعية أو فكرة اعتقادية.

وفي تحديد تاريخ ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) تأتي هذه الميزات، ولذلك يُعتبر البحث عنها ذو أهمية، لا في ضرورة القطع بتاريخ الولادة، وإنما بضرورة الرؤية المتوازنة التي لا تفوّت حكماً شرعياً ولا تُخلّ بفكرة عقائدية.

وأساس البحث هو الإشكالية فيما عليه الشهرة الحالية للشيعة من إحياء ذكرى ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شهر شعبان، وإحياء ذكرى ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في الخامس عشر من شهر رمضان، بالرغم من وجود روايات مهمّة في أن المدّة الفاصلة بين الولادتين هي ستّة أشهر وعشرة أيام، فكيف نوفّق بين هذا وبين التحديد الزمني لتاريخ الولادة الذي يتّضح منه أن المدّة هي من شهر رمضان إلى شهر شعبان من السنة التي تليها هي عشرة شهور ونصف تقريباً، وهذا لا يتفق مع الروايات القائلة بأن المدّة بين الولادتين هي ستّة أشهر وعشرة أيام.

معطيات البحث

نقف عند معطيات مهمّة في أطراف إشكالية تحديد تاريخ ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي سوف تثري البحث بمعلومات يمكن إمعان النظر في معطياتها لنصل إلى رؤية واضحة، سواء مع القطع بالتاريخ أو بعدمه، وسوف نعتمد بالأساس على المعطيات الروائية المنسوبة لأهل البيت (عليهم السلام) أو ما اشتهر بين أعلام الطائفة، وسنغض الطرف عن أقوال المؤرخين غير المشهورة، إلا فيما يقتضيه سياق البحث، لكي لا يتشعّب البحث فينخرم الغرض منه.

المُعطى الأول: مدّة الحمل بالإمام الحسين (ع)

من الخصائص التي اختصّ بها الإمام الحسين (عليه السلام) هي أن مدّة حمله أقل مدة الحمل ليصبح الولد تاماً، وهي ستة أشهر، وقد أشبه ذلك ولادة النبي عيسى بن مريم (عليه السلام)، كما تنطبق عليه الآية الكريمة (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) كما جاء في عدد من الرّوايات المعتبرة في الكافي وكامل الزيارات.

ومن هذه الروايات:

في الكافي: عن الإمام الصادق (عليه السلام): وَلَمْ يُولَدْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلَّا عِيسَى‏ ابْنُ مَرْيَمَ (ع) وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع). ج1، ص465

وفي علل الشرائع عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام):  وَحَمَلَتْ بِالْحُسَيْنِ فَحَمَلَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَ‏ وَضَعَتْهُ‏ وَلَمْ يَعِشْ مَوْلُودٌ قَطُّ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (ع). ج1، ص205‏

وفي أمالي الطوسي: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، قَالَ: حُمِلَ‏ الْحُسَيْنُ‏ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَأُرْضِعَ سَنَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ): (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)، ص660.

وفي ذلك شهرة روائية في الكتب المعتبرة.

المُعطى الثاني: المدّة الفاصلة بين ولادة الحسنين

تفيد عدد من الروايات أن المدة الفاصلة بين ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وولادة الإمام الحسين (عليه السلام) هي ستة أشهر وعشرة أيام، وهو الأكثر شهرة بين العلماء، ومن هذه الروايات ما جاء:  

في الكافي: ِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: كَانَ‏ بَيْنَ‏ الْحَسَنِ‏ وَالْحُسَيْنِ‏ (عليه السلام) طُهْرٌ وَكَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْمِيلَادِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْراً. ج1، ص464

وفي كتاب تاريخ أهل البيت (عليه السلام) للجهضمي، عن الإمام الرضا (عليه السلام): إلّا ما كان بينه و بين أبي محمّد، وهو سّتة أشهر وعشرة أيّام. ص76

ويبدو أن التعبير بالطُهر في رواية الكافي هو الطهر الاعتباري وليس الحقيقي، لأن مولاتنا الزهراء (سلام الله عليها) قد ثبت أنها لا ترى الدم وهي طاهرة، فالمدة بين وضع الإمام الحسن (عليه السلام) وبين بداية الحمل بالإمام الحسين (عليه السلام) هي عشرة أيام، ثم بدأ الحمل الذي كانت مدّته ستة أشهر فقط. 

أما ما ذكره الأربلي في كشف الغمّة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): كان بينه وبين أبي محمد سبعة أشهر وعشرة أيام. ج2، ص40

فلعله تصحيف الستة بالسبعة، أو يعني به الشروع في السابع تأكيداً على تمام الستة أشهر غير منقوصة.

وأما ما أورده الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، في كلام أسماء، (فلما كان بعد حول وُلد الحسين)، أي بعد ولادة الإمام الحسن (عليه السلام). ج2، ص26

فهو كلام أسماء، فلعله من باب التخمين، أو أنها قصدت بالحول عموم المدّة بين الولادتين، ويمكن أن تكون ستة أشهر كما هو مفاد آية وحمله وفصاله ثلاثون شهراً.

ولقد نسب الطبري الإمامي في دلائل الإمامة (ص 177) للإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) أن المدة بين الولادة والحمل هي خمسون ليلة، وهو يوافق قول بعض العامّة، كما أن الرواية تحّدد ولادة الإمام الحسين في الخامس من جمادى الأولى، وبناء على المدة الفاصلة التي ذكرتها، فتكون ولادة الإمام الحسن (ع) في منتصف ربيع الأول، فكل المعلومات الواردة فيها مضطربة لا يمكن التعويل عليها أمام الروايات المعتبرة الواضحة والمشهورة.

المُعطى الثالث: ولادة الإمام الحسين (ع) في شعبان

بغض النظر عن الاختلاف في تحديد اليوم هل في الثالث أو الخامس من شعبان، فإن لدينا روايات تذكر ولادة الإمام الحسين (ع) في شهر شعبان، وهذا ما لم يتنبّه له البعض، فما وجدناه في إثبات ذلك ما ذكره:

الشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد: خَرَجَ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلَاءِ الْهَمَدَانِيِّ وَكِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام)‏ أَنَّ مَوْلَانَا الْحُسَيْنَ (عليه السلام) وُلِدَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثَلَاثٍ‏ خَلَوْنَ‏ مِنْ‏ شَعْبَانَ‏ فَصُمْهُ وَادْعُ فِيهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْمَوْلُودِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ بِشَهَادَتِه.. الحديث‏. ج2، ص826.

وذكره ابن المشهدي في مزاره، والسيد ابن طاووس في الإقبال.

وقال العلامة المجلسي في البحار: ثم قال رحمه الله بعد الدعاء الثاني المروي عن الحسين‏ (وهو ما ذكرناه في الرواية الأولى)، قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ سُفْيَانَ الْبَزَوْفَرِيَّ يَقُولُ‏ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) يَدْعُو بِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَدْعِيَةِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَعْبَانَ وَهُوَ مَوْلِدُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام). ج44، ص201.

وقال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد أيضاً: رَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) قَالَ‏: وُلِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) لِخَمْسِ‏ لَيَالٍ‏ خَلَوْنَ‏ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَة. ج1، ص852  

والكافي لم يذكر الشهر واليوم في ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، وذكر أنه في سنة ثلاث، وذكر رواية الفاصلة الزمنية بين ولادة الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام).

أما من ذُكر خلاف ذلك، فبعضها نادر، وأما غير النادر وهو القول بأن ولادته في آخر ربيع الأول فسيأتي بيان منشأه في المعالجات.

المُعطى الرابع: تاريخ ولادة الإمام الحسن (ع)

من المشهورات عند الفريقين السنّة والشيعة، أن ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كانت في النصف من شهر رمضان، ولم يعتمد أحد منهم على رواية.

أما ما ذكره الطبري في دلائل الإمامة، (ص159و177) عن ولادة الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام) عن أبي محمد الحسن الثاني، فهما روايتان تبدوان كرواية واحدة، ولكنهما متهافتتان في المضمون، فأولاهما تذكر ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) في النصف من شهر رمضان والفاصلة بينه وبين الحمل بالإمام الحسين (عليه السلام) خمسين يوماً، فنتيجتها أن ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) في الخامس من ذي القعدة، إلا أنه يذكر في رواية أن ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت لخمس خلون من جمادى الأولى، فقد تهافتت في ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما أنه بناء على الرواية الثانية وما ذكرته من فاصلة خمسين يوماً، ستكون النتيجة أن ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) في النصف من ربيع الأول، وهو خلاف ما ذكره في الرواية الأولى، فنتيجة لهذا التهافت والتعارض في المدة البينية بين الولادتين مع الروايات المعتبرة لا يمكن التعويل عليهما. 

إن المحصلة في ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هي أنها من المشهورات عند الفريقين.

ولنأتي الآن إلى ذكر معالجَتَين لهذه الإشكالية.

المعالجة الأولى

هذه المعالجة تنتهي إلى القول بأن ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) لم تكن في شعبان بل كانت في آخر شهر ربيع الأول، قال بها بعض، وحاصلها أنه بناء على الشهرة بين الفريقين بأن ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) كانت في منتصف شهر رمضان، ثم بناء على الروايات المعتبرة التي ذكرت أن بين ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام) ستة أشهر وعشرة أيام، فإن النتيجة تكون ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) في آخر ربيع الأول، وبذلك يصحّ الحساب. 

وكان ممن ذكر هذا الرأي الشيخ الطوسي في التهذيب تبعاً للمفيد في المقنعة، قال: (ولد بالمدينة آخر شهر ربيع‏ الأول‏ سنة ثلاث من الهجرة وقبض (عليه السلام) قتيلاً بطف كربلاء من أرض العراق يوم الإثنين العاشر من المحرم قبل زوال الشمس‏ سنة إحدى وستين من الهجرة وله يومئذ ثمان وخمسون سنة) ج6، ص41

كما نُقل عن الشهيد في الدروس هذا القول أيضاً.

إلا أن هذا الرأي أعرض عن الروايات الثلاث التي ذكرناها سابقاً، والتي اتفقت على أن شهر ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) هو شهر شعبان، وقد علّق العلامة المجلسي في مرآة العقول على هذا الرأي: (وأقول: إنما اختار الشيخ (ره) كون ولادته (عليه السلام) في آخر شهر ربيع الأول تبعاً لما اختاره المفيد (ره) في المقنعة، مع مخالفته لما رواه من الروايتين، لما ثبت عنده و اشتهر بين الفريقين من كون ولادة الحسن‏ في منتصف شهر رمضان، وما ورد في روايات صحيحة أنه لم يكن بين ولادتيهما إلا ستة أشهر وعشرا كما سيأتي بعضها. ج5، ص362

ويلاحظ على مَن ذَكر هذا الرأي أنه ذكرها في كتاب فقهي، مما يكشف عن أنه رأي اجتهادي وليس نقلياً، ولذلك نجد أن الشيخ المفيد مع أنه ذكر في المقنعة آخر ربيع الأول، إلا أنه في الإرشاد وهو الكتاب الروائي، قال: (كنيته أبو عبد الله ولد بالمدينة لخمس‏ ليال‏ خلون‏ من شعبان سنة أربع من الهجرة)، ج2، ص27

كما أن الشيخ الطوسي ذكره في التهذيب تبعاً للشيخ المفيد، وهو في الأصل يمضي فيه على المقنعة للشيخ المفيد ولا يعبّر بالضرورة عن ما يتبناه، خلافاً لما رواه نفسه عن التوقيع الشريف من أن ولادته في شهر شعبان، في كتابه مصباح المتهجّد.

المعالجة الثانية

إن المعالجة الثانية هي بالاعتماد على المعطيات الروائية المعتبرة، وترك العمل بالمشهور على لسان المؤرخين، فيؤخذ بأن المدّة بين ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) هي ستة أشهر وعشرة أيام، بما في ذلك مدّة الحمل به ستة أشهر، ويؤخذ بروايات أن ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) كانت في شهر شعبان، ولكن يُتصّرف في تاريخ ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) ليناسب الحساب الوارد في الروايات.  

ويُتوجّه إلى التصرّف في تاريخ ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) باعتباره أضعف عقدة في الحلقة، لأن تحديده كان بناء على المشهور من أقوال المؤرّخين، والمعطيات الأخرى مبنية على روايات شريفة، وهذا المشهور ليس من الشهرة الخاصّة التي يمكن أن تؤثّر في توجيه الرّوايات كما في بعض المباني الأصولية، وإنما هو من الشهرة العامة، بل الأشهر في تحديد تاريخ ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) بالنصف من شهر رمضان كان عند أهل السنّة في كتبهم القديمة، منها الطبقات الكبرى لابن سعد (متوفي سنة 230هـ)، ومنها كتاب نسب قريش للزبيري (متوفي سنة 236هـ)، وتبعتهم كافة كتبهم، أما أقدم المصادر الشيعية التي ذكرت أن ولادته في النصف من شهر رمضان كانت في نهاية القرن الرابع وبداية الخامس في إرشاد الشيخ المفيد، وفي القرن الخامس في دلائل الإمامة، وقد نوّهنا لما فيها من تعارض وتهافت. أما الشيخ الكليني في الكافي وهو الأقدم فيهم فلم يذكر في ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) الشهر واليوم، واكتفى بذكر السّنة.

لقد احتملنا هذه المعالجة ولم نر بها قائلاً، ولكن وقع النظر على من يتبنّى هذا الرأي من أعلام الطائفة وهو العلامة المجلسي في البحار وفي مرآة العقول، حيث قال بعد إيراد الروايات: (مع ورود هذه الأخبار يمكن ترك القول بكون ولادة الحسن (عليه السلام) في شهر رمضان لعدم استناده إلى رواية معتبرة والله يعلم). ج5، ص362

متى تكون ولادة الإمام الحسن (ع)؟

مع تبنّي المعالجة الثانية وهي الأقرب رعاية للأخذ بالأخبار المعتبرة، وتثبيتاً لتاريخ ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شهر شعبان، فيكون تاريخ ولادة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قبلها بستة أشهر وعشرة أيام على الأقوى، فتكون ولادته في أواخر شهر محرّم.

أما تحليل كون الشهرة القديمة والحديثة في إحيائه في النصف من شهر رمضان، فإنه بناء على الشهرة يُغضّ الطرف عن ما به سعة، فإن إحياء ذكرى الوفيات والولادات وإن كان لليوم ذاته خصوصية، ولكن الفضل متّسع لإحيائه في أي وقت لعموم روايات الإحياء والتذكّر لسيرتهم والمواساة في أحزانهم والفرح لفرحهم، فمن ناحية العمل هو أمر مطابق للموازين الشرعية العامة.

وشهر  محرم هو شهر الأحزان، فلا يقيم الشيعة فيه مناسبات الولادات والأفراح، فهناك سبب وجيه لإحياء ذكرى ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) في يوم آخر، كما يقال في من اعتمد رواية مولد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) في السابع من صفر وهو شهر الأحزان كذلك، ودعى إلى إحياء المناسبة في غيره من الشهور.  

ولا شك أنه كلّما كان الإحياء أوسع وأجمع بين الناس، كان أفضل ليكون ذلك اليوم شعاراً مستحدثاً للمؤمنين.

وكان من المناسب أن يأخذ الشيعة بما اشتهر عند كلا الفريقين في تحديد النصف من شهر رمضان كيوم لإحياء ذكرى مولد الإمام الحسن (عليه السلام)، وفيه تتضاعف الحسنات لكونه يوم مبارك في شهر الله المبارك، وبذلك يتحقّق الأخذ بالخصيصة الحسينية في استثنائية ولادته المبارك والمدة بين الولادتين المباركتين، وإحياء الثالث من شعبان كمولد إمامنا الثالث الحسين بن علي (عليه السلام) واستحباب ما جاء فيه من دعاء خاص وهو متعلق بإمامته العظيمة.

والله أعلم بحقائق الأمور.

من مؤلفاتنا