التجانس بين الدولة والمجتمع

ashr مقالات عاشوراء (7): التجانس بين الدولة والمجتمع

 

.

 

التجانس بين الدولة والمجتمع

 

السيد محمود الموسوي

مفردة الدولة تختلف عن مفردة المجتمع في المفهوم وفي الاعتبار، فهما ليسا شيئاً واحداً، بل هما أمران مختلفان تماماً، ولكل مفردة سلطتها واعتبارها الخاص، وبالتالي فإن اجتماعهما لا يعني بالضرورة وجود علاقة مجانسة وموائمة بينهما، فمنظري السياسة ارتأوا ضرورة توفر عوامل التجانس بينهما، وإلا فإن الحياة على أرض مشتركة بين دولة غير متجانسة مع المجتمع لن تدوم ولن تظفر بالأمن، ولن تهنأ بالعيش.

وعند وجود الاختلاف بينهما يتم البحث عن ما هو أصل وما هو فرع، فهل السلطة هي الأصل فيمكنها أن تطوّع المجتمع لصالحها، أم العكس، وقد توصّل الكثير من المنظرين إلى أن المجتمع الأصيل الذي يقطن الأرض هو الأصل، وليست السلطة إلا أداة طارئة يمكن تبديلها وتغيرها، ولذلك عمدت الكثير من الحكومات على حشد المؤيدين عن طريق الارتزاق واستجلاب أفراد موالين ومتنوعي الأعراق والتوجهات، وما يوحدهم هو المال والولاء لذات أشخاص السلطة، وهذا الأمر انطبق على العديد من الدول العربية بحسب ما جاء في كتاب (المجتمع والدولة في الوطن العربي) الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية، لمجموعة من الباحثين العرب، وهذا الأمر ينذر بالخطورة على الدولة وعلى المجتمع معاً.

الثورة الحسينية جاءت لتواجه سلطة مرقعة ليس فيها وحدة موضوعية بل تجمعها المصالح والرغبات الدنيوية، بينما الركب الحسيني كان يجمعه المبدأ والفكر، لذلك فإن النتيجة العميقة للمعركة لم تكن هي ما تحصّل من أحداث اللحظة والتي كانت مؤلمة على الركب الحسيني، فلقد تم تفكيك السلطة الموهومة والمزعومة ليزيد وزمرته، بل وامتد ذلك لشلال من التمرّد، ومزيد من التفكك في السلطة المزعومة، فانهارت الدولة الأموية وجاءت الدولة العباسية على أنقاضها، والتي هي بدورها تآكلت وأصبح بعض السلاطين يمكث فيها أشهراً، وكل ذلك يقود إلى الخطأ الكبير الذي تعتمده السلطات التي تستمد شرعيتها من المال أو الأحقاد النفسية، بلملمة الرجال من حولها بالمال والجاه والذي ينقلب عليها عادة.

والثورة الحسينية أسّست إلى ما هو أعمق في مجال العلاقة بين الدولة والمجتمع، وهو علاقة المبدأ والقيم، فإن الجهة التي تكون في أي موطن سواء هي ضمن المجتمع أو ضمن الدولة أو هي فرد، فما دامت تحمل رسالة القيم وتواجه الأشكال السلطوية بالحقائق القيمية وأبرزها العدل الذي به تتم المجانسة بين مختلف مكونات المجتمع، فإن لها ضمانة البقاء والاستمرار والاستقرار، فإن الملك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظلم، كما في الأثر الإسلامي.

من مؤلفاتنا