عندما تقرأ الآيات القرآنية والروايات الشريفة في شأن مهام علماء الدين، فإنك تجد البعد القيادي الحكيم من أجل إنقاذ الأمة وإرشادها في
أحلك الظروف والتحديات التي تمر بها، هو البُعد الأبرز، وهو البعد الذي يعطي للعلماء استحقاقاتهم ويُظهر عمق بصيرتهم.
جائحة كورونا التي تموّج لها العالم من أقصاه إلى أقصاه، حدث فريد من نوعه مهما حاولت بعض العقول إنكاره من أصل، وبغض النظر عن أسبابه الحقيقية والواقعية التي لا يعلم بها إلا الله تعالى، فإنه كتحدّ من تحديات المواجهة التي أصابت الإنسان، بل وكان من نوع التحديات العامة التي اشتركت فيها كافة البلدان، حيث سيسجلها التاريخ كإحدى الحوادث الفارقة في التاريخ الاجتماعي للأمم.
وفي هذه اللحظة التاريخية، أعاد لنا العديد من علماء الدين الذاكرة المنسية رغم ظهورها، تلك الذاكرة التي حفرتها آيات القرآن الكريم من بدايته وحتى نهايته، تلك الذاكرة التي كانت انبجاساً للعيون الصافية في سيرة أهل بيت النبوة (سلام الله عليهم)، فيما تحتويه من تصدّي أنبياء الله والأئمة وأوليائهم الصالحين، لرسم الوعي وإنارة الطريق لعقول الناس في أحلك الظروف.
لك أن تقرأ كيف يمكن للوعي أن يتزيّف بسبب التوجيه والبرمجة، ولك أن تتلو آيات انحراف السلوك عند مواجهة التحديات القاسية، بل لك أن تكتشف كيف ترتسم الفلسفات وسط ضوضاء الفتن والمصاعب، إنه الإنسان الضعيف الذي يحاول أن يجد لنفسه تبريراً مغلفاً بالوعي من أجل الهروب من المواجهة بالوعي من حيث يشعر أو لا يشعر، لك أن تقرأ كل تلك الحقائق وأكثر في بيانات الآيات الكريمة، وفي بصائر الروايات الشريفة، وفيما واجهته السيرة المعصومية المقدّسة.
نعم، فإن تصدّي ثلّة من العلماء في هذه الفترة التاريخية النادرة، وعدم الانعزال عن الأمة وهمومها، يستدعي في ذاكرتنا كل تلك المواقف، ويستعيد الثقة في الروح البصيرة التي يتحرّك بها وعيهم، ويعتزّ بالنَفَس الإيماني الذي يحمل شعلة المسؤولية تجاه الإيمان والإنسان.
ويمكن أن نشير إشارة خاطفة لبعض تلك المهام التي اضطلع بها علماء الدين، سواء كانوا من الظاهرين أو الداعمين خلف الأستار، بالتالي:
1- الفتاوى التي كانت حاضرة لوعي التكليف الشرعي، خصوصاً مع وجود فقه المزايدة والتفكير القشري.
2- التوجيه التربوي تجاه التحديات، خصوصاً مع وجود ثقافة الإلهاء بالحدث أو هواجس الهلع، مع نسيان مواطن الاستثمار التربوي الصحيح.
3- التوجيه المعرفي ووعي الأبعاد العقائدية والرؤية الكونية، في عالم إذكاء روح التشكيك والإلحاد.
4- التأسيس والدعم للمبادرات الاجتماعية والخيرية في المجتمعات، وتعزيز الروح التعاونية الإيمانية.
فشكراً لوقفة الوعي والشرف والمسؤولية.
شكراً علماء الدين.
شكراً للمفكرين والمثقفين والمؤمنين السالكين سبيلهم.
السيد محمود الموسوي
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 48807 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35928 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33194 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 31449 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28357 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20471 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19739 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 19592 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19513 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15792 مرُة