من معالم الخطاب الاجتماعي للرسول الأعظم(ص)

istock_000003919352small4 إن أهمية الخطاب الاجتماعي أو الجماهيري في أي حركة حـضارية تنبـثق من كونه أداة فاعلة للوصول إلى المنجزات الحضارية التي تبتغي تحقيقها في الواقع ووصولاً إلى التحولات التي تريد إرسائها في المجال المراد تحقيقه. .

إن الخطاب هو الوسيلة التي يسبر بها حاملوه أعماق الإنسان ليعمل على تعديل بعض محركات الانطلاق والتحدي الحضاري فيه للوصول إلى غاية التحرك ومنطلق الحياة.. هكذا بدأت التحولات التاريخية الكبرى، وعلى الأخص نهضة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي غيّرت وجه التاريخ وقادت البشرية نحو الطريق المستقيم، فإن لنهضة الرسول (صلى الله عليه وآله)، ملمحاً خاصاً تمتاز به عن جميع عمليات النهوض الحضاري في التاريخ البشري، إذ أنقائدها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، الذي قال الله تعالى عنه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). فأصبحت نهضته شعلة من نور يقتدي بها السائرون إلى يوم القيامة.

وعندما نتطلع للإقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله) من أجل أن نرقى بأنفسنا وبمجتمعنا، فلابد أن نتوجه بدافع مسؤول لدراسة الخطاب الرسولي المقدّس، دراسة مستفيضة واعية ترصد شتى الشمائل والمعالم للخطاب الذي حمل الأمة على كفّيه نحو ساحل الأمان وباتجاه قمة المجد.

وحيث لا يسعفنا هذا المقام أن نستعرض الخطاب المقدس تفصيلاً، فلا يسقط هذا الميسور بذلك المعسور، فنشير إلى معالم خطاب الرسول الأعظم (ص) بنحو مختصر:

1- إن لغة أي المجتمع هي الأقرب إلى قلبه وعقله، وإن تجاوز تلك اللغة يُعدّ خروجاً عن دائرة التأثير، سواء كانت تلك اللغة تتعلق بالأسلوب الكلامي علواً ونزولاً، أو تعددها من حيث النوع المعرفي أوالموضعي أوالسياقي أو ما إلى ذلك، مما يعتبر لغة واضحة في التفهيم للطرف الآخر، فهكذا كان خطاب الرسول (ص) يكلّم الناس على قدر عقولهم، كما أكدّ (ص) ذلك بقوله: "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم". فحضي بنجاح فتح مغالق عقول الناس لنور الرسالة.

2- عادة ما تكثر الفصائل في المجتمع الواحد، ولذا لابد من ملاحظة التعدد في إطار الوحدة، فقد كان الرسول(ص) يخاطب المسلمين كأمة ولكن من دون إلغاء الخصوصيات الموضوعية التي كانت سائدة، والتي كانت متشكّلة في المجتمع، ونلحظ ذلك في عدم إلغاء تعبير(المهاجرين) للذين هاجروا مع الرسول، أوتعبير (الأنصار) للذين نصروه (ص)، بل قام بمؤاخاتهم (إنما المؤمنون أخوة)، مع الإعتراف بواقع التعدد، (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا). فاحتفظ كل بخصوصياته ولكن ضمن دائرة الأخوة الإيمانية والمشترك الإيماني.

3- إن الخطاب الجامد لايحرّك ساكناً، فجمود الخطاب على شكل واحد في جميع الظروف أشبه بالجمود، فينبغي أن يتنوّع الخطاب وفقاً لتنوع الظروف مع الإحتفاظ بجوهر القيم، وقد ألقى (ص) خطاب التنوّع محافظاً على القيم الإسلامية السامية، فكان الخطاب المكي الذي احتوى على سمات العقيدة الصادقة ومعالجة مشكلات الكفر والشرك، الظاهر منه والخفي، وبيّن مداخل الإيمان وعلائمه، ومن جهة أخرى نلحظ الخطاب المدني الذي اتسم بتأسيس الدولة، والاهتمام بالعلاقات الانسانية وأخلاقيات المؤمن، فكان الخطاب مرناً يراعي احتياجات الإنسان بحسب مرحلته وظرفه.

من مؤلفاتنا