كل يوم من أيام حياتنا أصبح عاشوراء، لأننا نندب الحسين ونقيم مجالسه الشريفة، وفي كل أرض نطأها تجلّت لنا كربلاء الواقعة، كربلاء التي فصلت بين الحق والباطل، كربلاء التي كشفت الزيف والإستغلال..
في استحضارنا لمناسبة استشهاد مولانا الإمام الحسين (ع) إننا نستشعر معاني سامية قد تجذّرت في قلوبنا، فإننا نقوم بالحزن مواساة لأهل البيت(ع) وتعزية لإمام العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف).. ونستحضر معنى الحرية والفداء من أجل الدين وقيم الدين، ونستحضر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
فهذه مقاصد الشعائر.. مقاصدها أن نستشعرها حقاً..نسشتعرها قلبياً بدافع التقوى..
فإذا أفرغنا الشعائر عن محتواها ومضامينها وإشراقاتها على النفس التي تسير في طريق الله تعالى.. فإننا لن ننال منها ما يناله المتقون المخلصون من فيوضات حسينية نورانية..
فالصلاة عبادة لله رب العالمين، ولكن الإمام المعصوم يقول، قد لا ينال منها البعض إلا التعب، وكذلك الصيام، فقد ينال بعضهم منه مجرّد الجوع والعطش.. فإن العبادة تكون كبيرة ومؤثّرة على المهتمين بها والخاشعين فيها بقلوبهم، ألم يقل الله تعالى : (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ). <البقرة : 45>
من هنا، فينبغي أن يكون الإخلاص في أداء الشعائر طريقنا إلى الخلاص في الدنيا والآخرة، أليس الإمام الحسين هو سفينة النجاة والخلاص؟..
ألم يقل الإمام (ع) في زيارته : (من أتاه زائراً عارفاً بحق.. فله الجنة .. وكان له ألف حجة وعمرة ..) أيكون هذا الزائر العارف المعترف بحق الإمام والإمامة، كمن يزور منكراً للإمام والإمامة؟؟
فلا يمكن أن نسوّغ لأنفسنا أن يداخلها الرياء والغرور والعجب، ونحن في طريق الله، فإحياء الشعائر من العبادات العظيمة، وتلك الأمراض القلبية من مفسدات الأعمال، وهي صادّة عن الوصول إلى مقاصد العبادات والشعائر، وهي التقوى.
كما قال تعالى : (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) <الحج : 32>.
فالشعائر نابعة من تقوى القلوب، لا من العصبيّات والغرور.. فقد يكون إظهار الشعيرة تحدياً لسلطان جائر أو متعصّب منكر، فتكون نابعة من تقوى القلب لإعزاز شعائر الإمام الحسين (ع) وتثبيتها، وقد يكون إظهار الشعائر تعصباً لشخص أو لشيء تغذية لشعور الغرور.. فلا تكون نابعة من التقوى.. هنا يختلّ الميزان..
إن الله تعالى يطالبنا أن نهتم بالمضامين في كل أفعالنا وعباداتنا، العبادات الشخصية أو العبادات والمهام الإجتماعية، فيقول في كتابه الكريم بكل صراحة:
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ). <البقرة : 177>.
في إحياء الشعائر على القلب أن يستشعر ندى التقوى بوعاء الإخلاص، ويصدح بنيّته قائلاً: (إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). <الأنعام : 162>.
ـــــــــــــ
المقال هو كلمة مجلة ذكرى التي تصدر عن مؤسسة هل الكساء (ع) 1429هـ
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 49294 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35988 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 34449 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 32734 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28812 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20546 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 20317 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 20152 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 20124 مرُة
- هل حديث (تفاءلوا بالخير تجدوه) وارد عن أهل البيت (ع)؟ - 2021/01/15 - قرأ 16381 مرُة