مقالات عاشوراء (5): المسألة السياسية وخطاب الذات والآخر
.
المسألة السياسية وخطاب الذات والآخر
السيد محمود الموسوي
لقد أخذت فكرة إقامة العدالة وبسط الحكم الحق وفقاً للتصور الإسلامي، مأخذها في أدبيات الفكر الإسلامي المعاصر، واستمرت المعالجات لفكرة الدولة الدينية ومشروعيتها وغاياتها وأشكالها، ولعل أهم ما توقف عنده مفكرو الإسلام إشكاليتان، إشكالية شرعية الدولة الدينية وعدمها في عصر الغيبة، ومن جهة ثانية إشكالية شكل الدولة وطريقة إدارتها للأمور.
إن التداول الفكري في تينك المسألتين كان من اختصاص الداخل بين أرباب الفكر الإسلامي أنفسهم وفيما بينهم، باعتبار أن مرجع الاختلاف هو اختلاف في قراءتهم للدليل المشرّع، ويرجع بعضه لاختلاف مبنائي أصولي، أي في أصل النظر للدليل ومدى الاستفادة منه وكيفيته.
إلا أن ذلك السجال اتسع نطاقه وأصبح السجال الأكبر هو بين قادة الفكر الإسلامي من جهة، وقادة الفكر الغربي والساسة الغربيين وكل من يغاير الفكر الديني في منهجيته من جهة أخرى، وعمد هؤلاء للتدخّل في هذا المضمار لأنه ميدان خصب للتشكيك في صلاحية الفكر الديني لقيادة الأمة، ولتقويض التأثير الذي يحدثه الدين في ساحة الحياة.
ومن هنا فإن الخطاب الديني الذي يتحدث عن مشروعية القيام ومشروعية الحكم الإسلامي، قد يقع في لبس وخطأ في عرض الخطاب أو في أصل التبني لهذه الفكرة أو تلك، إن لم يلاحظ في أي دائرة هو يتحدث، وهذا يقود إلى نوع القراءة للتاريخ أيضاً.
فإن الإمام الحسين (ع) قام من أجل الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص)، لكي يعيد الأمور إلى نصابها وإلى ما أراد الله ورسوله إلى الأمة أن تكون عليه، وأعلن صراحة بإرادة التغيير، ورفض ظلم يزيد وطريقته في الحكم، وقد قام الإمام (ع) ليأخذ بزمام الأمور ليقيم العدل ويبسط الأمن ويقيم الدين، فمقاصد الإمام واضحة وأهدافه قد أعلنها منذ البدء ولا يمكن التحريف فيها أو قراءتها بخلاف ما هي عليه. وتأسيساً على ذلك فإن صلاحية الفكر الديني في إدارة شؤون الأمة يعتبر أمر مسلّم به لدى الداخل الديني، وهو ليس محلاً للإشكال في التداول العلمي بين أرباب الفكر الإسلامي.
فالخطأ يحصل لدى البعض حينما يناقش أصل مشروعية القيام وتأسيس دولة دينية، أو عندما يناقش في شكل الدولة الدينية، بنفس تشكيكي، مرجعاً رفضه للتشكيك في كفاءة الفكرة الدينية ذاتها، وهذا خلط في التداول وفي المطالب، فهو يناقش شأناً داخلياً وعينه على الخارج. ويمكن أن نقول ـ ابتداء ـ أن التداول الداخلي يحكمه الدليل الشرعي وميدانه الفقه والتشريع، والتداول مع الآخر المختلف يحكمه الدليل العقلي وميدانه العقيدة وعلم الكلام.
مقالات ذات صلة:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
- كفؤ لعلي (عليه السلام).. الكتاب السرّي عن فاطمة (عليها السلام) - 2021/12/17
- هلا بيكم.. والمفاعيل الاجتماعية - 2017/11/08
- السعي بين الصفا والمروة.. سعي نحو المستقبل - 2015/09/15
- تفاعلات الخوف والحذر في سوق الدنيا وسوق الآخرة.. الحج مثالاً - 2010/08/11
- القوّة الباطنة لإعانة الذات.. قراءة تحليلية في مقولة العقل الباطن - 2013/01/13
المقالات الأكثر قراءة:
- ما معنى جوامع الكلم؟ - 2010/09/20 - قرأ 49029 مرُة
- معجم المؤلفين البحرينيين يترجم للسيد الموسوي - 2015/05/28 - قرأ 35949 مرُة
- هل في المرض أجر؟ وما صحة قولنا للمريض: أجر وعافية؟ - 2015/05/20 - قرأ 33877 مرُة
- لماذا نسجد على التربة الحسينية؟ - 2010/08/10 - قرأ 32127 مرُة
- مالذي يقصده الإمام الحسين من قوله: (لم أخرج أشراً ولا بطراً..) وهل لها انعكاس على الواقع الشخصي؟ - 2016/10/08 - قرأ 28590 مرُة
- بحث فقهي معاصر في حق الزوجة في المعاشرة - 2011/03/30 - قرأ 20507 مرُة
- ماهو واجبنا تجاه الامام المنتظر والاستعداد للظهور؟ - 2010/08/30 - قرأ 20039 مرُة
- السيرة الذاتية - 2010/08/08 - قرأ 19919 مرُة
- ماذا تقولون في كلمة الإمام الحسين عليه السلام: خط الموت على ولد آدم.. - 2016/10/08 - قرأ 19851 مرُة
- سورة الفيل وقريش - 2010/08/11 - قرأ 15918 مرُة