بين إقامة العدل وتقويض الظلم

ashuraa2 مقالات عاشوراء (6): بين إقامة العدل وتقويض الظلم.

.

 

 

بين إقامة العدل وتقويض الظلم

السيد محمود الموسوي

المشروع الحسيني مشروع حضاري متكامل، وتكامله مبني على أساس الرؤية الدينية الشاملة والمستوعبة لكافة مجالات الحياة، وبما أن الإمام الحسين (ع) هو الإمام المعصوم المفترض الطاعة، وهو صاحب الحق الخاص بالتعيين من الله تعالى للخلافة والقيادة، فإنه (ع) يسعى في حركته إلى تحقيق كل الغايات ومن حقه ذلك، وإن لم يتحقق جلها فإن الأساس هو تحمّل المسؤولية تجاه ذلك.

وفي عصر غيبة المعصوم (ع) تستمر مسؤولية تحمّل تلك الغايات الحضارية الكبرى، ولا تتجمد، فمقاليدها بيد العلماء الذين هم امتداد عام لخط الإمامة، وإن اختلفت الجزئيات في المواصفات للمعصوم وفي مدى الصلاحيات التشريعية.

وفي طريق تحقيق المشروع الحضاري الإسلامي لا يشترط أن يتم تحقيق كل الغايات المرجوة من جميع الجهات، لكي يحق للعاملين الإقدام على الشروع في أي حراك سياسي، لأن تحقيق الهدف الشمولي قد يكون غير مقدور وعصي على التحقق.

وتأسيساً على ذلك فينبغي أن نفرّق بين مفردتين في هذا المجال، وهما: مسألة إقامة العدل، والمسألة الأخرى هي تقويض الظلم، فإن الدين دعا بما لا يدع مجالاً للريب لأن يقوم المؤمنون بالعمل في اتجاه (تحقيق العدالة وتمكينها في المجتمع)، كما كانت دعوات الدين إلى (الوقوف ضد الظلم ورفضه، فيكون المؤمن للظالم خصماً وللمظلوم عوناً)، وهذا التفريق يدعونا إلى تقرير ما يحتاجه الذين يقيمون العدل في مواصفاتهم وشروطهم، ومن جهة أخرى النظر في الشروط التي ينبغي أن تتوافر في من ينبغي أن يقف ضد الظلم والطغيان.

ويمكن أن نضع شروط إقامة العدل وما يليه من الحكم الحق، في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ).

فقوله تعالى (بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ) يدلّ على مقام علمي يعي أحكام الله ومقاصد الشرع المقدّس، وقوله عز وجل (وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء) أي يتصدون للتطبيق لما يعرفون، فيتطابق لديهم المعرفة والعمل، فمن يكون قائماً على العدالة لابد أن يكون ذا كفاءة عالية.

أما تجاه صد الظلم وتقويضه ومنع حدوثه من أجل أن لا يسبب تخلفاً ودماراً للأمة، فهو لا يحتاج إلى ذلك المقام الكبير من العلم، بل يحتاج إلى فقه مناقبيات التحرّك وأخلاقياته، لكي لا يقع العامل نفسه في الظلم، فإن الوقوف في وجه الظالمين هي مسألة يمكن أن تكون مقدمة لإقامة العدل، وقد لا تكون إلا بمقدار إزالة الظلم نفسه، فعندما يقع الظلم على المرء عليه أن يسعى إلى رده ودفعه. فلا داع للاحتجاج على الحراك الجماهيري ضد الظالمين بأنه لا يمتلك كفاءة علمية للتصدي، لأن المقام الرفيع يحتاجه إقامة العدل وتطبيقه، بل إن في الأمة من هو أهل لذلك خصوصاً إذا كان الأمر شورى بين العقلاء والحكماء، وعلى الأخص إذا قمنا بمقارنة الكفاءات التي يزخر بها المجتمع مع ثقافة من يتربعون على الكراسي والمناصب.

ashuraa2

من مؤلفاتنا