الزيارة الكاظمية .. مناسك زيارة الإمام الكاظم (ع)

الزيارة الكاظميةalkadum

مناسك زيارة الإمام الكاظم (ع)

السيد محمود الموسوي

في الخامس والعشرين من رجب الأصب، يتوجّه الزائرون راجلين وراكبين، من النساء والرجال والأطفال، نحو ضريح الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في بغداد، مجددين عهداً ولائياً مع إمامهم الذي قضى في طوامير السجون، يعتمر قلوبهم الرجاء من الله تعالى أن تُصبّ عليهم الرحمة الإلهية صباً، ببركته العميمة، فيما يشمل أمر الدنيا وأمر الآخرة، ممتثلين قول الله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، لأن أهل البيت (ع) هم الوسيلة إلى الله، وهم المعدن الصافي في قبول التعبّد والتضرّع.

ولقد اشتهر الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) بلقب باب الحوائج، في وعي الناس، لما عاينوه من وابل البركات، ووفير قضاء الحاجات، عند زيارة عتباته والتوسّل بمقامه، ومثل هذه الخصائص إنما تتجلّى بسبب محنة الإمام في حياته، وانعقاد الآمال من الناس عليها في حياتهم، ولا ينافي ذلك أن كل أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) هم أبواب حوائج ومعقد الآمال.

فضل زيارته (ع)

1 - عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ الْقُمِّيّ، قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا (ع): مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي بِبَغْدَادَ، كَانَ كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اللَّهِ (ص)، وَقَبْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَّا أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلَهُمَا[1].

2 - عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (ع) مَا لِمَنْ‏ زَارَ قَبْرَ أَبِيكَ‏ أَبِي الْحَسَنِ (ع)؟ فَقَالَ: زُرْهُ. قَالَ فَقُلْتُ: فَأَيُّ شَيْ‏ءٍ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ؟ قَالَ لَهُ: مِثْلُ مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (ع)[2].

3 - عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَسَارٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (ع): مَا لِمَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِيكَ (ص)؟ قَالَ فَقَالَ: زُورُوهُ. قَالَ قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْ‏ءٍ فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ؟ قَالَ فَقَالَ: فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ كَفَضْلِ مَنْ زَارَ وَالِدَهُ، يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ (ص). قُلْتُ: فَإِنْ خِفْتُ وَلَمْ يُمْكِنْ لِيَ الدُّخُولُ دَاخِلًا؟ قَالَ: سَلِّمْ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ[3].

4 - عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع)، عَمَّنْ زَارَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَاصِداً؟ قَالَ: لَهُ الْجَنَّةُ، وَ مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي الْحَسَنِ (ع) فَلَهُ الْجَنَّةُ[4].

وغير ذلك من الروايات بنفس المضمون.

الأوقات المستحبة للزيارة

لم نجد روايات تخصّص وقتاً محدداً لزيارة الإمام الكاظم (عليه السلام)، وعلى ذلك تكون زيارتة مستحبة في أي وقت يختاره الزائر ويتمكن منه، إلا أن عمومات الأدلة تدلّ على تأكد الاستحباب في بعض الأيام، منها:

  • يتأكد استحباب زيارة الإمام الكاظم (ع) وكافة المعصومين في أيام الجمعة ولو من بُعد، كما ذكره الشهيد الأول في الدروس[5].
  • وقال بعض الفقهاء بتأكد الزيارات في الأيام الشريفة والمخصوصة بالإمام نفسه، كما قال العلامة المجلسي: (كيوم ولادة الإمام الكاظم (ع)، وهو سابع صفر، ويوم وفاته (ع)، وهو الخامس والعشرون من رجب، أو سادسه، وقيل خامسه، ويوم إمامته، وهو منتصف رجب، أو شوال)[6]. ولعل ما يؤكد ذلك أن زيارته (ص) في أيامه الشريفة هي مصداق لإحياء ذكره، بل هي من أعلى مصاديق الإحياء، لما فيها من تجديد العهد.
  • يمكن القول بتأكّد استحباب زيارته (ع) في مطلق الأيام الشريفة، وهي أيام الله، الأيام التي يتوجّه الإنسان المؤمن فيها إلى العبادة والشكر لله تعالى والتسبيح، لأن مقامه الشريف من البيوت التي قال الله تعالى عنها: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).
  • لقد خصّص السيد ابن طاووس في جمال الأسبوع، يوم الأربعاء لاستحباب زيارته، وقد أنشأ لهذا اليوم زيارة خاصة، ذكرها في كتابه. وذلك اعتماداً على رواية الصدوق في الخصال عن الإمام الهادي (ع) يقسّم فيها اختصاص أيام الأسبوع بالأئمة (ع)، فاستظهر من ذلك تأكد زيارته (ع) في يوم الأربعاء.
  • كما يمكن القول بتأكّد الاستحباب عند الحاجة من أجل التوسّل به سلام الله عليه، لأنهم الأبواب التي أمرنا أن نطرقها عند الحاجات، لأنهم الوسيلة إلى الله تعالى.

أعمال الحرم الشريف

حقيق على الموالي أن يبحث عن محاسن الأعمال والمرضي من الأقوال في مناسك المرقد الشريف، التي ينبغي أن يؤدّيها حال تشرّفه بزيارة مرقد الإمام الكاظم سلام الله عليه، لكي يغتنم بها فرصة زيارته، ويصبغ بها مناسك مزاره، ويتجنّب المناهي من الأقوال والأفعال وهو في سفره المبارك.

نحاول في هذا المختصر أن نذكر أعمال الزائر للإمام موسى الكاظم (ع)، معتمدين على ما ورد عن أهل البيت (ع) بالخصوص أو بالعموم، وسنبيّن نوع العمل، مع ذكر المبنى والمنشأ الدليلي عليه إلماحاً، لكي يتعرّف الزائر الكريم على ثقافة أعماله العبادية الموثقة، ويبتعد عن فوضى النقل التي أبتلي بها عصرنا الراهن.

آداب الحرم

لقد ورد في خصوص زيارة الحرم الكاظم (ع) من الآداب التي ينبغي للزائر أن يلتزم بها، عن أبي الحسن الهادي (ع): (إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)، فَاغْتَسِلْ، وَتَنَظَّفْ، وَالْبَسْ ثَوْبَيْكَ الطَّاهِرَيْنِ)[7].

ومن الآداب ما أخذ على نحو الملاك من الروايات التي تحدّثت عن زيارة الإمام الحسين (ع) وسائر أهل البيت (ع)، ومن قاعدة وجوب تعظيم الحرم الطاهر، وحرمة هتكه، فيسعى الزائر إلى الخشوع، والتبرّك، ودوام ذكر الله وتسبيحه وهو في ضيافة الإمام سلام الله عليه.

كيفية زيارته

تتنوع النصوص التي يمكن أن يزور بها الزائر قبر الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، وهي كالتالي:

(1) الزيارة الخاصة بالإمام الكاظم (ع)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: تَقُولُ‏ بِبَغْدَادَ:

السَّلَامُ‏ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللَّهِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ بَدَا لِلَّهِ فِي شَأْنِهِ. أَتَيْتُكَ عَارِفاً بِحَقِّكَ، مُعَادِياً لِأَعْدَائِكَ، فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ.

وَادْعُ اللَّهَ، وَسَلْ حَاجَتَكَ.

قَالَ: وَتُسَلِّمُ بِهَذَا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع)[8].

(2) زيارة خاصة بالإمام الكاظم وتعم أهل البيت (ع)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: ...وَتَقُولُ عِنْدَ قَبْرِ أَبِي الْحَسَنِ (ع) بِبَغْدَادَ، وَيُجْزِئُ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا أَنْ تَقُولَ:

السَّلَامُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَصْفِيَائِهِ، السَّلَامُ عَلَى أُمَنَاءِ اللَّهِ وَأَحِبَّائِهِ، السَّلَامُ عَلَى أَنْصَارِ اللَّهِ وَخُلَفَائِهِ، السَّلَامُ عَلَى مَحَالِّ مَعْرِفَةِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى مَسَاكِنِ ذِكْرِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى مَظَاهِرٍ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، السَّلَامُ عَلَى الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى الْمُسْتَقِرِّينَ فِي مَرَضَاتِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى الْمُخْلِصِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى الْأَدِلَّاءِ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى الَّذِينَ مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالَى اللَّهَ، وَمَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَى اللَّهَ، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللَّهَ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ جَهِلَ اللَّهَ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ، وَمَنْ تَخَلَّى مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلَّى مِنَ اللَّهِ، أُشْهِدُ اللَّهَ أَنِّي مُسَلِّمٌ لَكُمْ، سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ، مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلَانِيَتِكُمْ، مُفَوِّضٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَيْكُمْ.

لَعَنَ اللَّهُ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.

وَهَذَا يُجْزِئُ فِي الْمَشَاهِدِ كُلِّهَا، وَتُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتُسَمِّي وَاحِداً وَاحِداً بِأَسْمَائِهِمْ، وَتَبْرَأُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَتَخَيَّرْ بِنَفْسِكَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْمُؤْمِنَاتِ[9].

(3) الزيارات المطلقة

ويمكن أن يزار الإمام الكاظم (ع) بزيارات أهل البيت (ع) المطلقة، كالزيارة الجامعة الكبيرة والصغيرة، وغيرها من الزيارات التي يعم فيها الخطابُ أهلَ بيت النبوة.

أو يزور الإمام الكاظم (ع) بنص زيارة أمين الله، الواردة في زيارة أمير المؤمنين (ع)، إلا أنه يزار بها كل إمام مخصوصاً، فيوجّه إليه الخطاب فيها.

(4) الزيارات الحرّة

وهي الزيارات التي أنشأها العلماء في زيارة الإمام الكاظم (ع) خاصة، وتشمل الزيارات التي ذكرها أصحاب المزارات من أعلام الطائفة دون أن ينسبوها إلى الإمام المعصوم، كما في مصباح الزائر، وفي المزار الكبير، ومزار الشيخ المفيد، وغيرها[10].

ومنها:

أ – في مصباح الزائر ذكر السيد ابن طاووس زيارة مطوّلة، ما مقدمتها (إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ الْإِمَامِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع) فَيَنْبَغِي أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَ‏ تَأْتِيَ‏ الْمَشْهَدَ الْمُقَدَّسَ،‏ وَعَلَيْكَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَإِذَا أَتَيْتَهُ، فَقِفْ عَلَى بَابِهِ، وَقُلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هِدَايَتِهِ لِدِينِهِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ سَبِيلِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَكْرَمُ مَقْصُودٍ، وَأَكْرَمُ مَأْتِي‏...)[11].

ب – في المزار الكبير لابن المشهدي، ما مقدمتها: فَإِذَا وَرَدْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَغْدَادَ، فَيُسْتَحَبُّ لَكَ أَنْ تَغْتَسِلَ‏ لِلزِّيَارَةِ مَنْدُوباً، ثُمَّ تَقْصِدُ الْمَشْهَدَ الشَّرِيفَ، وَتَدْخُلُ إِلَى الضَّرِيحِ الطَّاهِرِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَتَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ...)[12].

ج – في مصباح الزائر، في زيارة الإمام الكاظم(ع): (تَسْتَأْذِنُ بِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَ‏ تَدْخُلُ‏ مُقَدِّماً رِجْلَكَ‏ الْيُمْنَى،‏ فَإِذَا دَخَلْتَ، فَكَبِّرِ اللَّهَ تَعَالَى مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ، وَتَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الضَّرِيحِ، وَتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النُّورُ السَّاطِعُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْقَمَرُ الطَّالِعُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْغَيْثُ النَّافِعُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْكَاظِمُ...)[13].

د – ما أوردها العلامة المجلسي في البحار عن العتيق الغروي، التي تبدأ ب: (السَّلَامُ‏ عَلَى‏ سَمِيِ‏ كَلِيمِ‏ رَبِّ الْعُلَى، وَابْنِ خَيْرِ الْأَوْصِيَاءِ، وَابْنِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ، وَوَارِثِ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ، السَّلَامُ عَلَى نُورِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، السَّلَامُ عَلَى خَازِنِ عِلْمِ نَبِيِّ الْهُدَى، وَالْمِحْنَةِ الْعُظْمَى الْأَمِينِ الرِّضَا...)[14].

(5) الصلوات علیه

وتعتبر الصلوات عليه من الزيارات، لأنها من جنسها، فإننا نرى الكثير من نصوص الزيارات الواردة عن أهل البيت (ع) تحتوي على الصلوات عليهم، وكما يستفاد أيضاً من مفهوم آية (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)، ومن هذه الصلوات ما هو وراد عن الإمام الحسن العسكري (ع) في الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم، فيمكن أن يزار الإمام الكاظم (ع) بنص الصلوات الخاصة به في هذه الرواية، وهي، كما في مصباح المتهجد:

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْأَمِينِ‏ الْمُؤْتَمَنِ‏ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، الْبَرِّ الْوَفِيِّ الطَّاهِرِ الزَّكِيِّ، النُّورِ الْمُبِينِ الْمُجْتَهِدِ الْمُحْتَسِبِ الصَّابِرِ عَلَى الْأَذَى فِيكَ، اللَّهُمَّ وَكَمَا بَلَّغَ عَنْ آبَائِهِ مَا اسْتَوْدَعَ مِنْ أَمْرِكَ وَنَهْيِكَ، وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ، وَكَابَدَ أَهْلَ الْعِزَّةِ وَالشِّدَّةِ، فِيمَا كَانَ يَلْقَى مِنْ جُهَّالٍ قَوْمِهِ، رَبِّ فَصَلِّ عَلَيْهِ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ‏ أَطَاعَكَ وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ إِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمُ[15].

زيارته في الأحوال المختلفة

ليس من شك أن المشي للعبادات أمر راجح في الشرع المقدّس كما دلّت عليه الروايات وكما هي سيرة المعصومين (ع)، وهذا ينطبق على زيارة الإمام موسى الكاظم (ع)، كما يستفاد أيضاً من دليل وحدة الملاك بنحو العموم، في زيارة آبائه الطاهرين الإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع) التي وردت في مزاراتهم عظمة الثواب في المشي إلى زيارتهم.

ولقد كان المؤمنون يتكبّدون عناء الزيارة في الأزمنة الغابرة، على الرغم من المخاطر التي تواجههم من النصّاب حول القبر الشريف، فكان الإمام على بن موسى الرضا (ع)، يأمرهم باتخاذ الإجراءات الأمنية، والتقية من الأعداء، حفاظاً على أرواحهم وعلى شعائرهم، وفي ذات الوقت يتنعّمون بكرامة زيارة مولاهم الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، ولو من بعيد أو من خلف الجدر أو في المساجد المحيطة به.

وهذه الروايات التي تكشف عن هذا الواقع:

1 - عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُبْدُوسٍ عَنْ أَبِيهِ رَحِيمٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ أَبِي الْحَسَنِ (ع) بِبَغْدَادَ، فِيهَا مَشَقَّةٌ، وَإِنَّمَا نَأْتِيهِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْحِيطَانِ، فَمَا لِمَنْ زَارَهُ مِنَ الثَّوَابِ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ مِثْلُ مَا لِمَنْ أَتَى قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ (ص)[16]‏.

2 - عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَسَارٍ الْوَاسِطِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (ع): أَزُورُ قَبْرَ أَبِي الْحَسَنِ (ع) بِبَغْدَادَ. فَقَالَ‏: إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَمِنْ وَرَاءِ الْحِجَاب[17]‏.

3 - عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الرِّضَا (ع)‏ فِي إِتْيَانِ قَبْرِ أَبِي الْحَسَنِ (ع)، قَالَ: صَلُّوا فِي الْمَسَاجِدِ حَوْلَه‏[18].

 الوداع

ذكر الشيخ الطوسي في التهذيب في وداع أبي الحسن موسى (ع)، وهو منقول عن المقنعة للشيخ المفيد:‏

(تَقِفُ عَلَى الْقَبْرِ كَوُقُوفِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِلزِّيَارَةِ وَتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَ‏ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[19]‏.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] - كامل الزيارات، ص299.

[2] - كامل الزيارات، ص299، وعن الوشاء مثله، مع اختلاف يسير، حديث 1.

[3] - کامل الزيارات، ص299.

[4] - كامل الزيارات، ص300

[5] - الدروس الشرعية، ص16.

[6] - بحار الأنوار

[7] - كامل الزيارات، ص 302.

[8] - الكافي، ج4، ص578، وكامل الزيارات، ص301.

[9] - کامل الزيارات، ص302.

[10] - لنا بحث في صحة بل ورجحان تأليف الزيارات والأدعية، مما عليه سيرة أعلام الطائفة، خلافاً لمن قال بالكراهة.

[11] - البحار، ج99، ص13، عن المصباح، ص198.

[12] - المزار الكبير، 536.

[13] - بحار الأنوار، ج99، ص15. عن المصباح.

[14] - بحار الأنوار، ج99، ص225.

[15] - مصباح المتهجد، ج1، ص404.

[16] - كامل الزيارات، ص300.

[17] - كامل الزيارات، ص299.

[18] - كامل الزيارات، ص299.

[19] - تهذيب الأحكام، ج6، ص83.

من مؤلفاتنا